من هنا على صفحات «روزاليوسف» كانت جغرافيا وتاريخ الرأى والرأى الآخر حيث تبنت المجلة عبر تاريخها العريق فضيلة أن الاختلاف فى الرأى لا يفسد للود قضية.. من هذا المنطلق نفتح صفحاتنا للكاتب والسيناريست الكبير مصطفى محرم للرد على مقالة نشرناها على مسئولية كاتبها عاطف بشاى والتى دافع فيها عن الكاتب وحيد حامد و مسلسله «الجماعة » وسن قلمه للتصدى لمعارضيه ومنتقديه، ولأننا لا نميل لأحد على حساب الآخر وإعمالا لعقيدة حق الرد كتب لنا السيناريست والكاتب الكبير هذه المقالة.. بينما يشتبك الكاتب والسيناريست المتميز «بشاى» كعادته معنا فى قضية أخرى وهى كارثة التحرش باسم الدين منتقدا دعاة الفتن والمؤامرات الذين يخرجون علينا بين الحين والآخر بفتوى لتكدير المجتمع وخنق معتقداته وتقاليده المتوارثة والتى لا تعرف التطرف أبدا. «روزاليوسف»
أوهام الآخرين
منذ أسابيع مضت كتبت فى جريدة «القاهرة» بعض المقالات تحت عنوان «الدراما التليفزيونية بين الفن والإعلام» تمهيدا لإصدار كتاب فى هذا الموضوع بحسن النية وأنا أقوم بتأصيل الدراما الإعلامية وبواعثها فى مصر وكيف أنها بدأت فى عهد عبدالناصر ثم استمرت مع السادات وزادت فى عهد حسنى مبارك وقد انتهجت فى ذلك المنهج العلمى الذى يستند إلى الحقائق الجازمة خاصة فى الأمثال التى استشهد بها، ومن بين الأمثال فى الدراما التليفزيونية كان مسلسل «العائلة» الذى كتبه وحيد حامد بتكليف من وزير الإعلام فى ذلك الوقت صفوت الشريف وأظهر فيه الصديق وحيد مساوئ ما يطلق عليهم بالجماعات الدينية الإسلامية، وذكرت أيضاً مسلسله الشهير «الجماعة» وأنه كان أيضاً بتكليف من وزير الإعلام أنس الفقى وأن مباحث أمن الدولة كانت لها يد فى هذا المسلسل وتم حذف الحلقتين 29 ، 30 وهما متعلقتان باغتيال الشهيد حسن البنا، وذكرت واقعة حقيقية لا يستطيع أن ينكرها وحيد حامد حيث قال فى حديث صحفى قبل ثورة يناير بإنه أرسل الخمس حلقات الأولى من المسلسل إلى الوزير أنس الفقى الذى يزهو بصداقته، وكنت أظن أن ما ذكرته هو شىء طبيعى لا أقصد منه اتهاما أو فرية للصديق وحيد حامد خاصة أن موضوع أمن الدولة ليس جديداً وسبق أن ذكره فى هذه المجلة الصديق المخرج مجدى أحمد على ومر بسلام بعد أن أنكر وحيد حامد أما أنا فلاً أكتب إلا الوقائع ولا أحب أن ألفق شيئاً أو اتهم أحداً، وكنت أظن أن الأمر سوف يمر مرور الكرام فالمقال هو بحث علمى عن الدراما الإعلامية والبحث العلمى ينتهج الحقيقة دائماً، وإذا بى أفاجأ بمن يتشنجون ويتهموننى اتهامات غريبة وبأننى أروج لفرية خبيثة وأننى والمخرج الكبير على بدرخان من الحنجوريين وأننا نحاول بعجز بائس أن نرتدى أثواباً فضفاضة من وطنية زائفة وإدعاءات رخيصة.
إن ما يثير دهشتى أن الذين لم يعجبهم ما ذكرته عن الصديق وحيد حامد هم كتاب بصرف النظر عن قيمتهم ولكن هذا لا يهم ولكنه أمر يثير الريبة، أنا أتحدث عن أعمال تحاول أن تنتقص من قدر الجماعات الدينية الإسلامية وتدحض مزاعمهم وقد أكون أنا أيضاً مناصراً لذلك، وبالتأكيد على بدرخان فما الذى يجعلهم يتشنجون هكذا خاصة واحد منهم ممن كانوا يكتبون مسلسلات للتليفزيون لم تلق سوى الفشل وأهيل عليها تراب النسيان فى أن يهاجمنى هكذا بضراوة أنا وعلى بدرخان أحد عظماء السينما العربية بلا منازع، ويكفى أن على بدرخان قدم أفلاما أعظم بكثير من تلك الأفلام التى استشهد بها على عظمة وحيد حامد ويكفى أفلام مثل الكرنك وأهل القمة والجوع وهى أفلام مصرية إلى النخاع وليست أفلاما مسروقة من أفلام أجنبية، وعلى هذا الصغير الشأن أن يرجع إلى كتاب محمود قاسم «الاقتباس فى السينما المصرية» وكتابى «عندما شاهدت الأفلام»، أما فيلم «البرئ» فمازلت أصر على أنه مسروق من فيلم «إحنا بتوع الأتوبيس» وفيلم «عمارة يعقوبيان» أقل بكثير من الرواية التى كتبها الأسوانى وأقل قيمة من الفيلم هو المسلسل الذى كتبه فلم يلق أى نجاح وكان آخر أعماله الفاشلة.
وإنى أتساءل وأتعجب لماذا يصب هذا الكاتب المتواضع سخطه من حين لآخر على مسلسل «عائلة الحاج متولى» الذى يجرى عرضه مستمرا منذ عشر سنوات بنجاح ودون انقطاع فى كل القنوات العربية وهذا لم يحدث لأى مسلسل فى العالم نال هذا النجاح الساحق، ويجب أن يعلم هذا أن العمل الفنى الجيد هو الذى يتحدى الزمن ويقبل عليه كل الفئات وكل الطبقات وكل الأعمار، ولذلك عاش شكسبير وموليير وجوته وديكنز وهوجو وتولستوى ودوستويفسكى وتشيكوف ويوجين أونيل وميلر وتنيس وليامز وغيرهم إلى يومنا هذا ومات الآلاف من الفنانين والأدباء من جراء أعمالهم كما ماتت أعمال هذا الصغير الذى يحاول أن يتطاول على أستاذه.
كيف يجرؤ هذا الكاتب أن يتهم أستاذ أساتذة السيناريو والدراما بعدم فهم الشخصية التى رسمها وحيد حامد فى مسلسل «الجماعة»، وتجرأ وافتعل شرحًا ساذجًا ليبرر اتهامه، لم يستطع بتفكيره المتعصب أن يدرك أن وحيد حامد عجز عن أن يجد فى شخصية الإمام الشيخ حسن البنا وأفعاله ما يشينه أو يحط من قدره ولم يستطع بعبقريته أن يخلق مواقفا درامية تجعل المتفرج لا يتعاطف معه فسقط فى حبائل الفخ الذى نصبه لإمام الجماعة للنيل منه، وفوجئ بأن الجمهور الذى شاهد المسلسل قد زاد حبه واقتناعه للإمام الشيخ، ثم وضح الافتعال الذى لا يتفق حتى مع المنطق الفنى عندما جعل الرجل يندم فجأة على ما فعله مما جعل الجمهور الذى شاهد المسلسل يستنكر هذه القفزة التى لا تتفق مع سير الأحداث لأنهم لم يعلموا أن الجهات المسئولة فى ذلك الوقف منعت إكمال هذا المسلسل، ومنعت مشهد اغتيال الإمام الشهيد حسن البنا بعد أن خاب سعيهم.
أحب أن أقول لهذا الكاتب الصغير هو ومن على شاكلته بأنهم بدفاعهم عن مسلسل «العائلة» ومسلسل «الجماعة»، إنما يسيئون لأنفسهم لأنهم يصبحون فى مستوى الشبهات.. وأحب أن أقول أيضا بأننا لا ندعى الوطنية وإنما نقف مع الحق دائمًا ونناصره ونقف فى وجه كل مأجور ومخادع.. ونحن طوال مسيرتنا الفكرية لم نخش أحدًا ولم ننافق أى نظام، حيث إن مكانتنا الفنية والفكرية هى التى توفر الحماية لنا.. وأنا أذكر أن موقف هؤلاء الكتاب من مسلسلى «العائلة» و«الجماعة» جعلنى أعود إلى الوراء وأتذكر موقفا غريبا حدث لى منذ أكثر من عشر سنوات، فقد تلقيت فى ذلك الوقت دعوة من «المركز الكاثوليكى» لأكون عضوا فى لجنة التحكيم فى ذلك العام فى مهرجان السينما الذى يقيمه المركز كل عام، رحبت على الفور بحسن نية بهذه الدعوة خاصة عندما عرفت أن من بين أعضاء لجنة التحكيم صديقى الفنان الكبير كمال الشناوى والكاتب المبدع أسامة أنور عكاشة، وفى أول اجتماع مع راعى المركز وللأسف لم أعد أتذكر اسمه ولكنه كان صديقا وزميلا لنا فى الاهتمام بالثقافة السينمائية، حتى أنه قام بترجمة أو مراجعة أحد الكتب السينمائية لست أتذكر بالضبط، حيث كان يرعانا فى ذلك الوقت الأستاذ فريد المزاوى قدس الله روحه والذى كان مسئولا عن النشاط السينمائى فى المركز وأعطانا يوم السبت لنعرض فيه نشاط جميعة الفيلم.
كان ذلك قبل أن يترهبن هذا الصديق، ولذلك بعد أن أصبح راهبا وراعيا للكنيسة ومشرفا على المهرجان السينمائى السنوى علمت فى الاجتماع الأول أن المركز سوف يقوم بتكريم وحيد حامد فأثار هذا دهشتى فلم يكن وحيد قد كتب أفلامه التى لها أهمية.
ولكنه كان قد كتب مسلسل «العائلة» الذى يبرز فيه مساوئ الجماعات الدينية الإسلامية فى ذلك العام، وعندما سألت الراهب عن السبب فى هذا التكريم وهناك فى ذلك الوقت كانت أسماء كبيرة على قيد الحياة فإذا به يخبرنى بأنهم يكرمونه لشجاعته فى كتابة هذا المسلسل، وعلى الفور أحسست بالريبة فما دخل المركز الكاثوليكى فى مسلسل يهاجم الجماعات الدينية الإسلامية؟ ولم أجد جوابا شافيا لهذا السؤال سوى أن أتذكر فيلم «التعصب» وهو أهم فيلم صامت أخرجه أحد كبار رواد السينما الأمريكية د.و.جريفيث فقدمت اعتذارى عن لجنة التحكيم لأننى أكره حتى رائحة التعصب.
فإذا كان الأخ إياه يخاف من الإخوان المسلمين فهذا شأنه.. ثم لماذا يخاف وحاله كاسد منذ العهد السابق.