ما بين المعتقد والفكر مسافة هائلة.. فالمعتقد ثابت أيا ما كان نوعه واتجاهه.. أما الفكر فقابل للاختلاف والاجتهاد والإضافة والتغيير والمجتمع المصرى يعيش الآن أعلى تجليات افتقاده للفكر وابتعاده التام عنه، وكأن الفكر رجس من عمل الشيطان وكأن توصيف الرائع يوسف إدريس «أننا نعيش فقر الفكر وفكر الفقر» سيظل قدرا مصريا لا نعرف إلى متى وفى المقابل يتسع رسوخ وثبات المعتقد كما نراه فنحن نرى أن كل معتقد لدينا هو الصواب والحق وكل معتقد لدى الآخر خطأ وأحيانا خطيئة وتلك هى الكارثة. خلف الجدران الأسمنتية التى بنيت وشيدت على أعلى مستوى من الانغلاق فى عيون البعض فأصبحت الأحكام لدينا عاطفية يحركها «هوى» اللامنطق واللافكر واللاوعى، ولأننا ناتج تعليم وثقافة لم ترسخ الفكر والمعرفة والنقد والتحليل فأصبح الجهل وبكل فخر أنجح مشروع قومى فى مصر. «أبوتريكة» اللاعب الفذ فى الملاعب المصرية والاسم الكبير عربيا وأفريقيا تعتبره فئة كبيرة من المجتمع نموذجا وقدوة، والإعلام فى ظل غياب التعليم لم يصنع قدوة سوى لاعبى كرة القدم ونجوم الفن. أما أهل العلم والثقافة والتنوير فليس لهم محل من الإعراب «ودمهم تقيل»، وبالتالى جاء موقف «أبوتريكة» الذى ينتمى لناد يعتبر الأهم والأكبر فى مصر والذى يعد خارج المنظومة المصرية التى تفتقر فى أغلبها إلى القانون والقواعد والمبادئ، قرر «أبو تريكة» تدمير هذه المؤسسة ولعب لصالح نفسه كما رأى الصواب من وجهة نظره قام بتمرير وصناعة وإحراز هدف لصالح نفسه وقرر الانضمام لفريق الألتراس الذى طالب بعدم لعب مباراة السوبر. مافعله الألتراس حق فدماء الشهداء أنبل وأطهر من النسيان إذا كان من حق الألتراس الاعتراض فهل من حق «أبوتريكة» الخروج على نص ومبادئ النادى الذى ينتمى إليه. مشكلة «أبوتريكة» وعدم احتواء الألتراس مرآة كاشفة لواقع المجتمع الذى رأى فريقا منه أن ما فعله «أبو تريكة» جريمة فى حق الانضباط والالتزام والأخلاق بالمعنى الأعم والحقيقى وبين من يرى أنه «راجل» وأن ما فعله هو الصواب. المجتمع بحاجة للشعور بقيمة وهيبة القانون الذى لا يفرق بين أحد و إلى أن توجد لدينا منظومة قانون حقيقية يتجلى فيها حسن التطبيق وعدالته وقدسية الاحترام فلابد أن نتوقف عن لوم «أبو تريكة» أو غيره ولابد ألا ننتقد التحايل على العقوبة بدعوى التعويض المادى من الجمهور اعتراضا على تطبيق القانون بالعقوبة المادية على «أبوتريكة»، فالتعويض المادى «لأبوتريكة» هو تأكيد لقيمة عدم الاحترام القانون وحتى إشعار آخر ربما لا يأتى فكلنا «أبو تريكة».