« إساءة معاملة الأطفال جارية على قدم وساق فى جميع أنحاء بريطانيا» هذا هو التحذير الذى أطلقته نائبة مفوضة شئون الأطفال فى بريطانيا، وبعده وعد البرلمان البريطانى ممثلا بلجنة الشئون الداخلية التابعة لمجلس العموم، بإجراء تحقيق فى استغلال الأطفال فى بريطانيا. فقد نشرت صحيفة التايمز البريطانية تقريرا عن مدى انتشار سوء معاملة الأطفال، وقالت إن ذلك تكشف من خلال استعمال لجنة تابعة لمجلس العموم، إلى أدلة على إخفاق الشرطة ووكلاء النيابة والعاملين فى مجال رعاية الأطفال، فى متابعة هذا الموضوع، ما سمح لإحدى العصابات باستغلال العشرات من الفتيات فى بلدة روتشديل، فى مدينة مانشستر شمال غرب إنجلترا.
فقد تم فى الشهر الماضى حبس تسعة بريطانيين ولاجئ غير شرعى من أفغانستان، بسبب إساءة معاملة الأطفال، فى تلك البلدة والمناطق المحيطة بها. وجاء ذلك بعد تحقيقات أجرتها صحيفة التايمز أدت إلى تسليط الضوء على القضية وكشف الجناة فيها.
وقال رئيس لجنة الشئون الداخلية التى تحقق فى الأمر كيث فاز، إنه شعر بالصدمة عندما سمع أن عدد ضحايا تلك العصابة بالألوف. وقال لا تقتصر هذه القضية على بلدة واحدة فى شمال البلاد، بل هى قضية وطنية، تتطلب تحقيقا شاملا. وأضاف : إن الأسئلة الخطرة التى تطرحها هذه القضية، تتطلب إجابات فورية. ولذلك، فسوف نمدد الوقت الذى خصصناه لها، ونوسع التحقيقات، ونتعامل مع الأسباب ونضع الحلول بصورة عاجلة.
وجاء فى الشهادة التى أدلت بها أمام لجنة الشئون الداخلية « سو بيريلوتز» نائبة مفوضة شئون الأطفال فى بريطانيا التى تقود منذ عامين تحقيقا فى قيام جماعات وعصابات باستغلال الأطفال.. أن هناك باكستانيين بريطانيين يمارسون نمطا من استغلال الأطفال، ولكن الأمر ليس مقتصرا على الباكستانيين.. وتوجد أدلة على استغلال الأطفال على أيدى عصابات تضم جناة سود، وضحايا سود، كما أشارت إلى مجمع سكنى أبيض فى شمال إنجلترا، يقوم فيه رجال بيض باستغلال فتيات من العرق الأبيض. وقالت « أننا نتكلم عن ألوف الضحايا.. فلا توجد هنالك بلدة، أو قرية لا يجرى فيها استغلال الأطفال. ويجب علينا أن ندرك مدى تفشى الاستغلال، بدلا من اعتباره مقتصرا على مجموعة واحدة ضيقة. .
كما أبرزت صحيفة « ديلى تلجراف» بعض التفاصيل الأخرى من شهادة « بيريلوتز»، ومن ذلك قولها، إن بعض الشبان يستخدمون أحدث تقنيات الهواتف المحمولة لدعوة أصدقائهم للانضمام إليهم فى اغتصاب فتيات، أو تصوير اعتداءات واستخدامها للابتزاز، بينما يتنكر بالغون فى زى مراهقين، ليعقدوا صداقات مع فتيان وفتيات على فيس بوك.
وتضيف « بيريلوتز» إن الأولاد يحاولون تقليد ما يشاهدونه من مواد إباحية، بينما يعجز أولياء أمورهم عن متابعة ذلك. واستشهدت بيريلوتز، بقول ضابط شرطة، كان يجرى تحقيقا فى الاستغلال فى منطقة ريفية. لا توجد بلدة، أو قرية أو ضيعة لا يجرى فيها استغلال الأطفال وتحدثت عن حالة قالت إن حدوثها أصبح شائعا تماما فى بريطانيا، إذ جرى الاتصال ببنت فى لندن عبر الإنترنت، وقيل لها أن تأتى لمقابلة شخص كانت تظنه صديقا.. وعندما ذهبت، وجدت ثمانية أولاد، قاموا باغتصابها فى حديقة عامة قبل أن يسلموها إلى عصابة أخرى وذكرت بيريلوتز أن فريقها جمع كمية ضخمة من الأدلة التى تظهر أن مواقع التواصل الاجتماعى، يمكن أن تكون مشكلة حقيقية على هذا الصعيد.
وفى صحيفة الجارديان فقد ذكرت جولى بيندل، فى معرض تعليقها على ما ورد فى شهادة بيريلوتز، أن مشكلة إساءة معاملة الأطفال، معروفة منذ زمن طويل، وأن دراسات كثيرة قد أظهرت أبعادها الخطرة ولكن الأجهزة البريطانية المعنية فى بريطانيا، لم تبذل ما فيه الكفاية لمعالجتها.
تقول : إن الأبحاث التى أجرتها وحدة دراسات إساءة معاملة الأطفال والنساء قبل أكثر من 20 عاما، أظهرت مستويات مذهلة من إساءة معاملة الأطفال فى بريطانيا. فقد كشف 59٪ من النساء الصغيرات و27٪ من الرجال الشبان ضمن دراسة شملت 1244 شخصا يدرسون فى كليات التربية الإضافية، أنهم كانوا قد تعرضوا لحادث عنف جنسى واحد على الأقل قبل سن الثامنة عشرة. كما وجدت الدراسة أن 21٪ من النساء الصغيرات، و7٪ من الرجال الشبان تعرضوا لاعتداءات تشتمل على اتصال جسدى. وأن14٪ من الجناة، كانوا أقارب حميمين، و68٪ من الأقارب البعيدين، و18٪ فقط من الغرباء.
وتتساءل الكاتبة لماذا لم تتصرف الحكومة بناء على هذه الاستنتاجات ؟ ولماذا تتحاشى النقاش والاستماع إلى ما يقوله الأطفال والفتيان منذ زمن طويل عن تعرضهم للاغتصاب، والاستغلال فى الدعارة والاستهداف من قبل مجرمين لا يرحمون ؟ وتقول الكاتبة، إن ما تم إحرازه من تقدم منذ نشر أبحاث وحدة دراسة الاعتداء على الأطفال والنساء، لا يكاد يذكر وتعرب الكاتبة عن اعتقادها أن ما يمكن إنجازه على هذا الصعيد، لن يكون كبيرا، ما لم يتم إصلاح جذرى للأنظمة المعنية فى بريطانيا، للنهوض بمسئولية منع ومعالجة هذا العدوان الرهيب على الحقوق الإنسانية للأطفال. ومن ناحية أخرى تقول الأندبندنت البريطانية إن هناك العديد من الأدلة بأن آلاف الأطفال البريطانيين لا يحصلون على طعام كاف، وكلما استفحل الكساد الاقتصادى تفشت هذه الظاهرة أكثر وتصاعد بسرعة عدد الأطفال الجوعى.
كريس عمره 11 عاما يبدو عليه وعلى أخيه الهزال الشديد، ويميل لون بشرتهما إلى الشحوب وتبدو على أعينهما هالات سوداء. أشقاؤهما الكبار عانوا نقصا فى الغذاء لدرجة أنهم فقدوا أسنانهم، على الرغم من أن جميعهم يعيشون فى لندن، سادس أغنى مدينة فى العالم. هؤلاء الأطفال يشكلون مثالا لآلاف الأطفال البريطانيين الذين يعانون سوء التغذية. والذين وقعوا ضحية لوباء المجاعة الصامت فى العاصمة البريطانية وما وراءها. وتؤكد مؤسسة كيدز كمبانى، التى تقدم دعما لأكثر من 13 ألف طفل، أن هناك زيادة غير مسبوقة فى عدد الأطفال الذين يأتون إليها، ليس من أجل المأوى والأمان وإنما بحثا عن الطعام.
كيدز كمبانى التى تأسست فى 1996 لتوفير الدعم العملى والعاطفى والتعليمى لأكثر أطفال لندن تهميشا تقول إن هؤلاء الصغار يسرقون المتاجر ويبحثون عن الطعام فى أوعية القمامة ويأكلون اللحوم النيئة، وإن 70 طفلا يزورون هذه المؤسسة كل أسبوع من أجل الحصول على طعام مقارنة ب 30 طفلا كل أسبوع العام الماضى.
وتبدو هذه المشكلة واضحة فى المدارس، إذ رصدت مؤسسة كيدز كمبانى خمسة مدارس فى لندن يؤكد العاملون بها أن ما بين 70 و80٪ من تلاميذها متأثرون بانعدام الأمن الغذائى بمعنى أنه لا يتوافر لديهم طعام فى منازلهم كل الأوقات ولا يعرفون متى سيحصلون على الوجبة التالية. ولا توجد هذه المشكلة فى العاصمة فقط. فقد كشفت شبكة مومسنيت أكبر المنابر الحرة للآباء والأمهات على الإنترنت أن واحدة من كل خمس أمهات يفقد أطفالها وجبة واحدة من الوجبات الثلاث فى اليوم.
وفى الوقت ذاته، تؤكد الشواهد التى ساقتها مؤسسة ترسيل ترس،التى توفر وجبات الطعام لأكثر من 120 ألف طفل فى جميع أنحاء البلاد، إذ يقول مديرها التنفيذى كريس مولد، إن هناك زيادة كبيرة فى الطلب على الطعام وإن من بين الجوعى أكثر من 36 ألف طفل.
وتقول مؤسسة سكول فود ترست، التى تقدم المشورة للحكومة بشأن تغذية الطلبة، إن كثيرا من الطلبة يعتبرون الوجبة المجانية التى تقدمها لهم المدارس هى الوجبة الغذائية الرئيسية فى اليوم، وتقول المؤسسة إن « المعلمين كثيرا ما يلاحظون أن الطلبة يأتون إلى المدرسة جوعى، ويخشون ما إذا كانوا سيحصلون على طعام عندما يعودون إلى منازلهم فى المساء».
وفى الوقت الذى يتزايد فيه الطلب على الطعام لدى المؤسسات الخيرية تنخفض بالتالى الأموال اللازمة لهذه المؤسسات لشراء الطعام، فقد كشف مسح للمؤسسات الخيرية العام الماضى أن واحدة من كل ثلاث من هذه المؤسسات قد وقعت ضحية للتخفيضات الحكومية على موازناتها، وعليه اضطر ثلث هذه المؤسسات إلى تقليص وجبات الطعام لكى تستمر فى أنشطتها. وتقول شارلوت وليامز التى تدير مؤسسة ستيشن هاوس، التى توفر خدمات الرعاية للطفولة، « نحن فى قلب العاصفة فقد تعرض الآباء العاملون لتقليص ساعات عملهم والكثير منهم فقد عمله، وترتفع تكاليف الغاز والماء والملابس للحد الذى اضطر فيه الكثيرون إلى تقليص ميزانية الطعام للحصول على الضروريات الأخرى.
وتعتبر مشكلة الأطفال الجوعى هى الأسوأ، وتبدو واضحة من خلال تجربة الشباب العاملين فى هذا المجال، إذ تقول إحداهم
« الكثير من الوكالات التى يمكنها المساعدة أصبحت خالية من الأموال، فقد ظللت أعمل فى الشارع منذ 21 عاما، وأصبح نقص الغذاء هو الأسوأ منذ عام ونصف مضى. أعرف مجموعة من الآباء والأمهات الذين يلجأون إلى السرقة لإطعام أطفالهم».