أدت النتائج شبه النهائية للانتخابات الرئاسية إلى صدمة للقوى المدنية، وبدلاً من البحث فى الأخطاء التى ارتكبتها تلك القوى تحاول الحصول على كبش فداء تلقى عليه باللوم فى عدم وصول أبرز مرشحيها وهو حمدين صباحى للمركز الثانى، حيث إن القوى المدنية تشتتت أصواتها ما بين حمدين صباحى وخالد على وأبوالعز الحريرى والمستشار هشام البسطويسى. هؤلاء الذين فشلوا فى الاتفاق على مرشح واحد. مع الأخذ فى الاعتبار أن الأقباط قد تحولوا من السلبية إلى المشاركة الإيجابية وباتت قوتهم التصويتية رمانة الميزان لترجيح هذا المرشح أو ذاك. حدث ذلك فى الاستفتاء وفى انتخابات مجلسى الشعب والشورى وأخيرا الرئاسة. حتى لو كانت توجهات قطاع كبير من تلك الكتلة لا تخلو من الطائفية فإن خروج الأقباط بالكنيسة للوطن يعد فى ذلك تطورا إيجابيا يستدعى التقييم وتحديد الأخطاء ومواجهتها، كما تجدر الإشارة إلى أن الأصوات القبطية لم ترجح فقط كفة أحمد شفيق بل رجحت أيضا كفة حمدين صباحى، وأن الأقباط مثلهم مثل سائر المجتمع المصرى بينهم الثوار والفلول. ومن ثم طرح السؤال الملغز والملتبس: لماذا صوت الأقباط للجنرال أحمد شفيق؟ للإجابة عن هذا السؤال لابد من إعادة طرحه كالتالى لماذا صوت أغلب الأقباط للجنرال أحمد شفيق؟
علماً بأن هناك كتلة قبطية كبيرة لا تقل عن 20٪ من الأصوات القبطية توجهت لحمدين صباحى و20٪ توجهت لعمرو موسى وأبوالفتوح ومرسى وال60٪ المتبقية تقريباً توجهت للجنرال أحمد شفيق، ولمزيد من الإيضاح والموضوعية كان كاتب هذا الموضوع من نشطاء حملة حمدين صباحى وساهم فى الحملة عدد كبير من الشخصيات العامة القبطية مثل جورج إسحق، والصحفية حنان فكرى والنائب أمين إسكندر والنائب حنا جريس وآخرين، وفى مقدمة حملة أبوالفتوح كان الناشط القبطى د. شريف دوس، وفى مقدمة حملة مرسى كان د.رفيق صموئيل حبيب نائب رئيس حزب الحرية والعدالة الذراع السياسية للإخوان المسلمين، ومن قيادات حملة عمرو موسى المهندس مايكل منير رئيس حزب الحياة، هكذا توزع الأقباط على حملات الخمسة مرشحين الكبار ودارت معارك ومنافسات فى كل عائلة قبطية حول هؤلاء المرشحين.
كما تجدر الإشارة إلى أن الكنيسة القبطية الأرثوذكسية «التى دأب كاتب المقال على انتقادها» كانت وبشكل رسمى على الحياد، حيث أصدر المجمع المقدس فى الكنيسة بياناً أكد فيه على أن الكنيسة ليس لها مرشح بعينه وتقف على مسافة واحدة من جميع المرشحين. ومن يبحث عن موقف الكنيسة يجد أنها أكدت فى 16 تصريحاً أثناء فترة الدعاية الانتخابية وحتى يوم الاقتراع على ذلك «4 مرات على لسان القائمقام الأنبا باخوميوس،3 مرات الأنبا موسى، 4 مرات الأنبا مرقس، مرة الأنبا بنيامين، مرة القمص أنجليوس، مرتين القمص متى ساويروس، مرة المهندس يوسف سيدهم عضو المجلس الملى ورئيس تحرير وطنى».
والتزم بذلك أكثر من 90٪ من رجال الأكليروس والمجلس الملى، ولكن كما يقول السيد المسيح «قبل أن تخرج القشة من عين أخيك أخرج القشة التى فى عينك» حيث حدثت بعض التجاوزات من بعض رجال الأكليروس وبعض أعضاء المجالس الملية المحلية الذين خالفوا قرارات المجمع المقدس وكانت طاعتهم للجنرال وليس للقائمقام، وولاؤهم للحزب الوطنى وأجهزته المنحلة وليس للكنيسة العتيدة. وعلى سبيل المثال وليس الحصر إحدى الفضائيات المحسوبة على الكنيسة دأبت عبر رسائل sms وإعلانات مفبركة على الترويج للمرشح أحمد شفيق، قيام بعض الحقوقيين من المحامين الذين يقدمون أنفسهم على أنهم مستشارون أو محامون للكنيسة على عقد مؤتمرات صحفية أعلنوا فيها أنهم أجروا استطلاعات للرأى كانت نتائجها المزعومة تؤكد أن 70٪ من الأقباط يؤيدون أحمد شفيق، مع الأخذ فى الاعتبار أن هؤلاء الأساتذة المحترمين لا يملكون أى أدوات أو مهارات علمية تؤهلهم لذلك، والطريف أن المحامين من النشطاء الشباب بالإسكندرية صرحوا للصحف بأنهم أجروا استطلاعا للرأى بالإسكندرية أكد أن 70٪ من أصوات الأقباط تؤيد أحمد شفيق، كما قام بعض رجال الأعمال الأقباط بالسيطرة على قطاع كبير من لجنة المواطنة وتوجيهها لتأييد المرشح أحمد شفيق، ووصل الأمر إلى استخدام نفر من رجال الأكليروس خطاباً دينياً يمجد أحمد شفيق مثل «الرب شفيق»، «سلم يعقوب» إشارة إلى رمز المرشح، وبلغت «الوقاحة» مداها فى ترويج إشاعة تقول إن الراحل قداسة البابا شنودة الثالث قد تقابل قبل وفاته مع الجنرال المرشح وسلم عليه وقال له «ازيك يا ريس» وكأن الراحل الكريم تنبأ بفوز الجنرال، وبلغت التجاوزات ذروتها بمنع شباب اللجنة المركزية للتوعية الوطنية بالإسكندرية من توزيع بيان الكنيسة، ومطاردتهم ومنعهم من عقد أى مؤتمرات للتأكيد على حياد الكنيسة بما فى ذلك قيام أحد أعضاء المجلس الملى السكندرى ومعه رجل أعمال «كلاهما من المرتبطين بالحزب الوطنى المنحل وأجهزته» بالاتصال ببعض مديرى المراكز والمدارس بالثغر لمنعهم من تأجير قاعات لأعضاء اللجنة لعقد المؤتمر للترويج لحياد الكنيسة. كل تلك الأمور أثرت على البسطاء فى الرأى العام القبطى والإيحاء لهم عبر لجنة المواطنة «مستخدمين smsأو الإيميل» من أجل الانحياز للمرشح الجنرال.
كل تلك السموم التى بثها هؤلاء الأفاعى دغدغت مشاعر بسطاء الأقباط وجعلتهم يتجهون للتصويت للجنرال، معتقدين بإيعاز من هؤلاء المدلسين أن الكنيسة تقف بشكل سرى وراء المرشح أحمد شفيق، وبالطبع لم يكن هؤلاء البسطاء يحتاجون كثيرا لهذه الضغوط لأنهم كانوا مؤهلين لهذا التوجه من ترويع القوى السلفية وجماعة الإخوان المسلمين عبر فتواهم التى تزدرى عقيدتهم المسيحية. إضافة إلى الانفلات الأمنى وارتفاع معدلات الجريمة والخطف والنهب، الأمر الذى استغله هؤلاء الفريسيون المعاصرون لإيهام الخائفين بأن جنرالهم هو المخلص القادم.
كل ذلك دفع اللجنة المركزية للتوعية الوطنية بالإسكندرية أن تصدر بيانا الجمعة الماضية 25 مايو 2012 جاء فيه: «ما يحدث الآن من إدانة للأقباط من كل القوى الوطنية كان متوقعاً حذرنا منه ولهذا أصدرنا ثلاثة بيانات متوالية ووزعنا منشوراً للكنائس وحاولنا عقد مؤتمر صحفى أيضا ولكن سدت كل الطرق أمامنا ورغم أنه حسابيا الكتلة القبطية التى أعطت لشفيق تتراوح ما بين 4 و 6 فى المائة من أصوات الناخبين لا تشكل تأثيرا حقيقيا أغلبهم صوت طلبا للأمن المفقود على حد ظنهم، ورغم ذلك فنحن نطالب المجمع المقدس بمحاسبة المخالفين لقرار المجمع ونصر على تفعيل القرار ونعلن وقوفنا مع جميع القوى الوطنية فى الإعادة».
وهكذا يثبت أن الحزب الوطنى المنحل لم يفقد قوته بعد لا داخل المجتمع ولا داخل الكنيسة الأرثوذكسية، حيث أدرك رجال أمن الدولة المنحل فى الكنيسة أن رحيل البابا شنودة الثالث يعطيهم الفرصة لفتح الثغرات بالكنيسة مستغلين فى ذلك عدم رغبة نيافة القائمقام الأنبا باخوميوس فى إثارة المشكلات الداخلية لحين انتخاب البابا ال118 وأوهم هؤلاء الفريسيون المعاصرون من رجال الأكليروس أن الأنبا باخوميوس غير قادر على معاقبتهم وخروجهم عن قرارات الكنيسة، أعتقد أن تجاوزات هؤلاء النفر من الأساقفة والكهنة تؤكد أن معركة اختيار البابا القادم قد بدأت مبكرا ومن بوابة الانتخابات الرئاسية. ويتجلى ذلك فى محاولة هؤلاء الأفاعى الاستقواء بالمجلس العسكرى والحزب الوطنى المنحل والأجهزة الأمنية التى كانت تابعة له لإدارة الكنيسة بشكل مواز. وهكذا نتأكد أن ولاء هؤلاء للحزب الوطنى المنحل وليس للكنيسة العتيدة، وطاعتهم للجنرال وليس للقائمقام ومن له عينان للنظر فلينظر ومن له أذنان للسمع فليسمع، أقول قولى هذا وإستغفر الله لى ولفلول الوطنى والكنيسة.