حملة مكبرة لإزالة مخازن فرز القمامة المخالفة بحرم الطريق الدائري بحي الهرم    انقلاب 31 عربة قطار محملة بمواد كيميائية خطرة في أمريكا (فيديو)    نتنياهو: عواقب إعادة إيران بناء قدراتها وخيمة    طقس اليوم: مائل للدفء نهارا شديد البرودة ليلا.. والصغرى بالقاهرة 13    انفصال ميل جيبسون وروزاليند روس بعد 9 سنوات من ارتباطهما    نخبة الإعلام والعلاقات العامة يجتمعون لمستقبل ذكي للمهنة    وزارة الشباب والرياضة تحقق أهداف رؤية مصر 2030 بالقوافل التعليمية المجانية    موسكو: الاتحاد الأوروبي سيضطر لمراجعة نهجه في العقوبات ضد روسيا    هجوم أوكراني بطائرات مسيرة على موسكو    حركة القطارات| 45 دقيقة تأخيرًا بين قليوب والزقازيق والمنصورة.. الأربعاء 31 ديسمبر    وخلق الله بريجيت باردو    وزارة الرياضة تواصل نجاح تجربة التصويت الإلكتروني في الأندية الرياضية    محكمة تونسية تؤيد حكم سجن النائبة عبير موسى عامين    مصرع طفل دهسه قطار الفيوم الواسطي أثناء عبوره مزلقان قرية العامرية    ولفرهامبتون يحصد النقطة الثالثة من أرض مانشستر يونايتد    ذخيرة حية وإنزال برمائي.. الصين توسع مناوراتها حول تايوان    الخارجية القطرية: أمن السعودية ودول الخليج جزء لا يتجزأ من أمن قطر    رئيس جامعة قنا يوضح أسباب حصر استقبال الحالات العادية في 3 أيام بالمستشفى الجامعي    د.حماد عبدالله يكتب: نافذة على الضمير !!    "25يناير."كابوس السيسي الذي لا ينتهي .. طروحات عن معادلة للتغيير و إعلان مبادئ "الثوري المصري" يستبق ذكرى الثورة    «مسار سلام» يجمع شباب المحافظات لنشر ثقافة السلام المجتمعي    «قاطعوهم يرحمكم الله».. رئيس تحرير اليوم السابع يدعو لتوسيع مقاطعة «شياطين السوشيال ميديا»    خالد الصاوي: لا يمكن أن أحكم على فيلم الست ولكن ثقتي كبيرة فيهم    استشهاد فلسطيني إثر إطلاق الاحتلال الإسرائيلي الرصاص على مركبة جنوب نابلس    الأمم المتحدة تحذر من أن أفغانستان ستظل من أكبر الأزمات الإنسانية خلال 2026    "البوابة نيوز" ينضم لمبادرة الشركة المتحدة لوقف تغطية مناسبات من يطلق عليهم مشاهير السوشيال ميديا والتيك توكرز    تموين القاهرة: نتبنى مبادرات لتوفير منتجات عالية الجودة بأسعار مخفضة    المحامى محمد رشوان: هناك بصيص أمل فى قضية رمضان صبحى    من موقع الحادث.. هنا عند ترعة المريوطية بدأت الحكاية وانتهت ببطولة    دعم صحفي واسع لمبادرة المتحدة بوقف تغطية مشاهير السوشيال ميديا والتيك توك    مصدر بالزمالك: سداد مستحقات اللاعبين أولوية وليس فتح القيد    شادي محمد: توروب رفض التعاقد مع حامد حمدان    نتائج الجولة 19 من الدوري الإنجليزي الممتاز.. تعادلات مثيرة وسقوط مفاجئ    التنمية المحلية: تقليص إجراءات طلبات التصالح من 15 إلى 8 خطوات    رضوى الشربيني عن قرار المتحدة بمقاطعة مشاهير اللايفات: انتصار للمجتهدين ضد صناع الضجيج    الخميس.. صالون فضاءات أم الدنيا يناقش «دوائر التيه» للشاعر محمد سلامة زهر    لهذا السبب... إلهام الفضالة تتصدر تريند جوجل    ظهور نادر يحسم الشائعات... دي كابريو وفيتوريا في مشهد حب علني بلوس أنجلوس    بسبب الفكة، هل يتم زيادة أسعار تذاكر المترو؟ رئيس الهيئة يجيب (فيديو)    د هاني أبو العلا يكتب: .. وهل المرجو من البعثات العلمية هو تعلم التوقيع بالانجليزية    حلويات منزلية بسيطة بدون مجهود تناسب احتفالات رأس السنة    الحالة «ج» للتأمين توفيق: تواجد ميدانى للقيادات ومتابعة تنفيذ الخطط الأمنية    ملامح الثورة الصحية فى 2026    هل تبطل الصلاة بسبب خطأ فى تشكيل القرآن؟ الشيخ عويضة عثمان يجيب    هل يجب خلع الساعة والخاتم أثناء الوضوء؟.. أمين الفتوى يجيب    جامعة عين شمس تستضيف لجنة منبثقة من قطاع طب الأسنان بالمجلس الأعلى للجامعات    خالد الجندى: القبر محطة من محطات ما بعد الحياة الدنيا    خالد الجندي: القبر مرحلة في الطريق لا نهاية الرحلة    حقيقة تبكير صرف معاشات يناير 2026 بسبب إجازة البنوك    الأهلي يواجه المقاولون العرب.. معركة حاسمة في كأس عاصمة مصر    السيطرة على انفجار خط المياه بطريق النصر بمدينة الشهداء فى المنوفية    أمين البحوث الإسلامية يتفقّد منطقة الوعظ ولجنة الفتوى والمعرض الدائم للكتاب بالمنوفية    رئيس جامعة العريش يتابع سير امتحانات الفصل الدراسي الأول بمختلف الكليات    الصحة: تقديم 22.8 مليون خدمة طبية بالشرقية وإقامة وتطوير المنشآت بأكثر من ملياري جنيه خلال 2025    الزراعة: تحصين 1.35 مليون طائر خلال نوفمبر.. ورفع جاهزية القطعان مع بداية الشتاء    معهد الأورام يستقبل وفدا من هيئة الهلال الأحمر الإماراتي لدعم المرضى    تعرف على مواقيت الصلاة اليوم الثلاثاء 30-12-2025 في محافظة الأقصر    نسور قرطاج أمام اختبار لا يقبل الخطأ.. تفاصيل مواجهة تونس وتنزانيا الحاسمة في كأس أمم إفريقيا 2025    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



المنقبات والعاريات !


عبدالله كمال 10 أكتوبر 2009 12:00 م

الحرب الصامتة ضد مصر
‮ ‬في‮ ‬يوم ‮4 ‬أكتوبر الجاري أصدر الملك عبدالله بن عبدالعزيز عاهل السعودية المرسوم الملكي التالي‮: ‬نحن عبدالله بن عبدالعزيز آل سعود‮.. ‬ملك المملكة العربية السعودية‮.. ‬أمرنا بأن‮ ‬يعفي الشيخ الدكتور سعد‮ ‬بن ناصر بن عبدالعزيز الشثري عضو هيئة كبار العلماء والعضو المتفرغ‮ ‬في اللجنة الدائمة للبحوث والفتوي المتفرعة من عمله‮.. ‬ويبلغ‮ ‬أمرنا هذا للجهات المختصة لاعتماده وتنفيذه‮.‬
هذا القرار المفاجئ وغير المتوقع من الملك كان هو رد الفعل الأهم والأسرع من أعلي مستوي في السعودية علي التعليق أو الفتوي التي أدلي بها الشيخ سعد الشثري في قناة‮ ‬المجد‮.. ‬محذرا من الاختلاط في جامعة الملك عبدالله بن عبدالعزيز للعلوم التقنية التي افتتحتها السعودية في إطار تحول مهم بدوره قبل أن‮ ‬يدلي الشيخ بما قال بنحو‮ ‬يومين‮.‬
القرار الأول جاء لحماية الخطوة‮ ‬غير المسبوقة التي أسست لوجود التعليم الجامعي المختلط في السعودية لأول مرة‮.. ‬ويمكن القول أن قرار الملك قد ألجم إلي حد بعيد أصواتا كثيفة كانت تستعد للانطلاق في اتجاه انتقاد الجامعة‮ ‬غير المألوفة في السعودية‮.. ‬وتحريمها والتحذير من الاختلاط فيها‮.. ‬مما قد‮ ‬يؤدي إلي تفريغ‮ ‬تلك الخطوة التي تمثل نقلة حضارية كبري في المملكة من محتواها‮.‬
إن فهم حجم وأبعاد دور‮ ‬هيئة كبار العلماء‮ ‬في السعودية ومدي انتشار تأثيرها وتغلغلها في عقلية المجتمع السعودي وارتباطها بشرعية الحكم السعودي،‮ ‬يمكن أن‮ ‬يحدد لنا ماهية القرار الذي أصدره الملك والرسالة الناتجة عنه‮.‬
مفارقات ‮9002‬
وفي المقابل فإن مصر ليس فيها إلا جامعات مختلطة‮.. ‬وهي،‮ ‬تاريخيا،‮ ‬فضت القيود عن المرأة قبل ما‮ ‬يزيد عن مائة عام حين رفع قاسم أمين شعاره العظيم‮: ‬تحرير المرأة‮.. ‬غير أنه في العام الذي نالت فيه المرأة المصرية واحدا من أهم إنجازاتها الحضارية والسياسية‮.. ‬في ‮9002. ‬أي الحصول علي نسبة مقررة بحكم القانون والدستور من مقاعد مجلس الشعب للنساء‮.. ‬كان هذا المجتمع مضطرا لأن‮ ‬يخوض جدلا كبيرا ضد انتشار النقاب بين بنات أجياله الجديدة‮.‬
مفارقات متنوعة جدا ومؤسفة للغاية تقرأها في المشهد المصري،‮ ‬بخلاف هذا التناقض الزمني بين ‮11 ‬عقدا منذ عصر قاسم أمين إلي الآن‮.. ‬
مجتمع‮ ‬يرتضي الاختلاط‮.. ‬لكن بناته‮ ‬يعلن الإصرار علي الانعزال خلف الأستار السوداء‮.. ‬كل منهن تعيش في خيمتها الخاصة‮.. ‬خلف حجب آتية من‮ (‬تورا‮- ‬بورا‮) ‬ولايمكن أن تكون متناسقة مع العمر الحضاري للقاهرة‮.‬
جيل‮ ‬يفترض أنه‮ ‬يخوض‮ ‬غمار شبابه‮.. ‬لكنه‮ ‬يذهب بعيدا منجرا وراء كهولة الاختفاء‮.. ‬دافنا أحلامه‮.. ‬ومحاصرا لانطلاقه‮.. ‬وقاتلا لحيويته‮.. ‬ورافضا للعصر‮.. ‬كما لو أنه‮ ‬يعيش هجرته الخاصة مذكرا إيانا بسنوات شكري مصطفي الذي أقنع في تنظيم‮ (‬التكفير والهجرة‮) ‬قدرا لا بأس به من الجامعيات بأن‮ ‬يهبن أنفسهن لمجتمع جاهل جهول بناه هو في مخيلة ذاته وبعيدا في مكان قصي من المجتمع‮.‬
جامعيات‮.. ‬يفترض فيهن أن‮ ‬يسعين وراء العلم‮.. ‬فأمسكن بتلابيب الأزمنة الغابرة قبل الأديان‮.. ‬والانطباع المتوقع منهن هو أن‮ ‬يكن مناديات بحقوق النساء والمساواة‮.. ‬فإذا بكل منهن تتحول إلي حبيسة في زنزانة اختيارية متنقلة‮.. ‬ترفض أبسط دلائل الحضارة‮.. ‬التواصل من خلال وجه معلن‮.. ‬لكي‮ ‬يبين الرجل من المرأة‮.. ‬والحق من الباطل‮.. ‬ويا لها من عقول تريد أن تقود المجتمع في الزمن القادم‮.‬
إن علينا أن نحترس لأن العجلة ترجع إلي الخلف‮.‬
ومن المثير للدهشة أن القناة التي تسببت في عزل الشيخ السعودي سعد الشثري من هيئة كبار العلماء بأمر ملكي‮.. ‬أي قناة المجد‮.. ‬هي نفسها أحد مقومات منظومة فضائية راسخة وواسعة الانتشار‮.. ‬تروج في مصر وغيرها لفقه النقاب والانعزال ومحاربة التواصل‮.. ‬والدعوة إلي المجتمعات المنشطرة‮.. ‬ضد الفطرة‮.. ‬منظومة تبيع فكرا‮ ‬يعود إلي عصور سحيقة رغم أنها تعتلي قنوات بث فضائي في أحدث منتجات العلم‮.. ‬الأقمار الصناعية التي من المؤكد أن من بين صناعها عشرات من النساء الغربيات اللواتي شاركن الرجال في عمل بهذه الضخامة‮.. ‬لكي نأتي نحن بمنتهي التخلف ونحول هذه الآلات إلي وسيلة لركوب ماكينة الزمن ونضبطها علي مؤشر‮ ‬يرجع بنا إلي ما قبل الإنسانية‮.‬
العادة والعبادة
ما هذا القرف‮.. ‬أعلينا في عام ‮9002 - ‬بينما الإسرائيلية‮ (‬عداة‮ ‬يونات‮) ‬تحصل علي نوبل في الكيمياء‮.. ‬والألمانية هيرتا موللر تنال نوبل في الآداب‮.. ‬وبينما العالم‮ ‬يفض أسرار تركيبة جينات الإنسان‮.. ‬ويجهز رحلة إلي المريخ‮ ‬غير مكتفٍ‮ ‬بالقمر‮ - ‬أن نتكلم فيما إذا كان النقاب عادة أم عبادة؟‮.. ‬وهل علي السلطة في البلد أن تتخذ إجراءات لمنع تسكين المنقبات في المدن الجامعية للطالبات؟‮.. ‬هل بعد هذا قرف؟‮!‬
مال بناتنا؟‮.. ‬كيف بفريق منهن‮ ‬يخترن العزلة‮.. ‬ويتظاهرن من أجل أحد أشهر مظاهر التخلف‮.. ‬ويناضلن من أجل الاعتراض علي الإمام الأكبر لأنه قال لطالبة في مثل عمر حفيداته‮: ‬أن اخلعي النقاب‮.. ‬إنه عادة لاعبادة‮.. ‬فتثور عليه الدنيا‮.. ‬ويصبح هدفا لهجوم جحافل التطرف‮.. ‬وبراكين التهييج‮.. ‬تريد أن تشوه صورته‮.. ‬وأن تهز مصداقيته‮.. ‬وأن تستفز كبرياءه‮.. ‬وأن تشكك في علمه‮.. ‬فيما لم‮ ‬يكن بين ناقديه من حصل نصف علمه‮.. ‬وحصد ربع خبرته‮.. ‬أو اعتلي المنابر بقدر ما اعتلي وخطب ووعظ الناس إلي دين الله‮.‬
‮ ‬الهجوم علي صاحب الفضيلة أصبح وسيلة لإلهاب المشاعر‮.. ‬وارتكاب كبائر في حق علماء الدين‮.. ‬الناصحين‮.. ‬الذين كان أمامهم من الجراءة والثقة في العلم بحيث إنه أعلن قولة الحق‮.. ‬وواجه التطرف بصوت الحكم السليم‮.. ‬ورفض أن‮ ‬يتراجع‮.. ‬في حين تلاحقه كاميرات التخلف واستديوهات اللغو الليلي وجرائد لا شاغل لها سوي أن ترتكب أي حماقة بغض النظر عن تأثير ذلك علي شخصية المجتمع‮.. ‬وتلك نقطة تدعونا مجددا لكي نتساءل‮: ‬هل رجال الأعمال الذين‮ ‬ينفقون علي تلك الوسائل الإعلامية الخاصة‮ ‬يقبلون منها رسالتها تلك‮.. ‬هل‮ ‬يريدون مجتمعا منقبا؟
منارات الظلام‮!‬
كانت صحف مصر من قبل أهم أدوات تنويرها‮.. ‬وكان من الشاذ أن تكون أي صحيفة مؤيدة للتطرف‮.. ‬الآن أصبحت الصحف آليات ترويج وتحريض وإظلام‮.. ‬وتعج بما‮ ‬يقود المجتمع إلي مزيد من التطرف‮.. ‬إما بتأييد وتسويق جماعات التخلف‮.. ‬أو بالمزايدة علي أصوات العودة إلي الماضي‮.. ‬أو بالاختلاق والتلفيق كما حدث في الواقعة الأخيرة التي تخص شيخ الأزهر‮.. ‬فناقل روايتها لم‮ ‬يكن موجودا رغم أنه أكد حضوره المشهد في بعض برامج التليفزيون‮.. ‬ويا لها من مهمة مدمرة تقوم بها الصحافة الخاصة ضد البلد وخصائصه الاجتماعية‮.‬
ومن ثم فإن المجتمع بين قبضتي حصار‮.. ‬سماء تمطر فكرا متطرفا في قنوات سلفية تحض المرأة علي ألا تصافح الرجل وأن تتحول إلي ثقب خيمة متجول إن تجولت‮.. ‬وأرض تلتهب نارا بصحف تحريض وإغلاق عقول‮.. ‬لا تنتقد تراجعا ولايعنيها أن تحمل رسالة من أجل البلد‮.. ‬بل أن تصب مزيدا من البنزين لعل هذا‮ ‬يمكن أن‮ ‬يرفع التوزيع ولو نسختين‮.‬
هذه المنظومة هي التي أعاقت ولم تزل محاولات وزير الأوقاف أن‮ ‬يوحد آذان الصلاة في المساجد بدلا من تلك الفوضي التي تعتلي المآذن‮.. ‬وهي التي ألهبت النار حين قال وزير الثقافة رأيا في الحجاب‮.. ‬وهي التي شنت حربا بدعوي حرية العقيدة ضد شيخ الأزهر لأنه قال أن النقاب عادة لا عبادة‮.. ‬وصار عليه أن‮ ‬يفسر من جديد ما أصبح معلوما من الدين بالضرورة‮.. ‬وأصبح علي المجتمع ألا‮ ‬يناقش الحجاب وإنما أن‮ ‬يجادل في أمر النقاب‮.‬
أهذه‮.. ‬مصر؟‮!‬
لقد حذرنا من ذلك قبل ما‮ ‬يزيد علي عامين‮.. ‬وقلنا أن خوض معركة النقاب بإيقاع هادئ وغير حاسم وجدل شبه صاخب‮.. ‬سوف‮ ‬يقود المجتمع إلي حالة تفاوض مع التطرف‮.. ‬بحيث علينا أن نقبل انتشار الحجاب في عام ‮9002. ‬بدلا من النقاب‮.. ‬ومضي الوقت بدون حسم‮.. ‬فأصبح النقاب محل ثبات‮.. ‬لا‮ ‬يقبل التطرف نقاشا له‮.. ‬ويعتبر من‮ ‬يقترب منه إنما‮ ‬يرفض حياء البنات‮.. ‬وحماية الأخلاق من الانحراف‮.‬
مرة أخري الذي أعطي مبررا هائلا للادعاء بانفلات المجتمع بحيث تحتاج الأنثي إلي أن تحمي نفسها فيه هو وسائل الإعلام التي روجت لأساطير التحرش في الشوارع كما لو أنها صارت واقعا‮.. ‬وكما لو أن البنات في مصر‮ ‬يتعرضن للاختطاف والاغتصاب من الرجال الوحوش علي مدار الساعة‮.. ‬وكما أننا لسنا مجتمعا من ‮08 ‬مليون شخص‮.. ‬من الطبيعي أن توجد فيه بعض المشكلات‮.. ‬تلك صفة المجتمعات‮.. ‬لو أن كل مواطن من ال ‮08 ‬مليون حك وجهه بظفر إصبعه لكان علينا أن نتوقع عشرات من الظواهر‮.. ‬لكن نار الأرض‮ (‬الصحافة الحمراء‮) ‬أقنعت الناس بأن الشوارع صارت ملجأ للشياطين فأصبح علي الجميع أن‮ ‬يخشي علي‮ (‬القوارير الأنثوية‮) ‬من التكسير‮.. ‬فأودعن أنفسهن قيود الحماية والصون المسماة بالنقاب‮.‬
وصرت تناقش الناس في خطورة هذه الظاهرة‮.. ‬وتقول أنها تغير في طبيعة المجتمع‮.. ‬أنها ضد ثقافته‮.. ‬هذه ليست صورة مصر‮.. ‬وإذا كانت تتحول فإن علينا أن نقودها إلي الوجهة الصحيحة‮.. ‬أن ندق أجراس الانتباه حتي‮ ‬يصحو الناس من‮ ‬غفلة الرجوع إلي الخلف‮.. ‬هذا حقنا‮.. ‬أن نحافظ علي بلدنا‮.. ‬وأن نروج فيما بين فئاته النموذج العصري الملفوظ‮.. ‬إذا كان التطرف‮ ‬يمارس عملية التسويق الدائمة للنموذج الأسود المتخلف طيلة الوقت‮.‬
إن من المهم هنا أن نشير إلي أن المحكمة الدستورية المصرية كانت قد أصدرت حكما واضحا لا لبس فيه في مايو ‮6991‬،‮ ‬رفض منح الحق لطالبة في أن تدخل مدرسة بنقابها،‮ ‬وفي نص الحكم نجد ما‮ ‬يلي‮: ‬في كشفها لوجهها أعون علي اتصالها بأخلاط من الناس‮ ‬يعرفونها ويفرضون نوعا من الرقابة علي سلوكها،‮ ‬وهو كذلك أكفل لحيائها وغضها من بصرها وأصون لنفسيتها وأدعي لرفع الحرج عنها‮.‬
هذا هو نص الحكم التاريخي‮ ‬غير أن تلك المناقشات تواجه بحجج‮ ‬غريبة‮.. ‬وردود عجيبة‮.. ‬فتجد من‮ ‬يقول أن هؤلاء المنقبات الحرائر إنما‮ ‬يمارسن حرية دستورية‮.. ‬وحقوقا عقيدية‮.. ‬وأن علي السلطات الإدارية التي تمنع دخول المنقبات إلي المدن الجامعية كنوع من التأمين والأمان‮.. ‬أن تواجه عوضا عن ذلك العاريات السافرات‮.. ‬مرتديات‮ (‬المحزق والملزق‮) ‬كاشفات البطن والصدر والسيقان‮.. ‬هذا ما‮ ‬يقولون‮.. ‬ويتخيلون أننا بهذا سوف نتراجع إلي الخلف‮.. ‬لئلا نكون من أنصار العري والفجور المصور أمام مستمعي النقاش في المجتمع‮.‬
ولكن من قال أن العري هو بديل النقاب‮.. ‬ومن زعم أن الفتاة التي لاتغطي وجهها وتتحول إلي كتلة من ليل أسود في نهار المجتمع عليها أن تصبح عارية البطن والصدر والساقين‮.. ‬لا هذه هي مصر‮.. ‬ولا تلك هي أيضا‮.. ‬نريد مصر طبيعية‮.. ‬لا هي معقدة ولا هي منحرفة‮.. ‬مصر فطرية‮.. ‬غير شاذة‮.. ‬أو متطرفة أيا ما كانت صور التطرف والشذوذ‮.‬
ثم ما هذا التصور الريفي الكلاسيكي البالي عن أن الجامعة هي بيت العري‮.. ‬وإنها مرتع للماجنات اللواتي‮ ‬يحاولن إغواء الشباب الغض الغرير؟‮.. ‬هل نسيتم أن الجامعة بيت العلم‮.. ‬وأن المعهد الديني بيت علم من نوع آخر‮.. ‬أم أن الصورة الذهنية الأسطورية المتخيلة التي صنعها التطرف عن الاختلاط جعلت العقول تذهب إلي مساحات من الخيالات العابثة المريضة‮.‬
تناقضات مصرية
إن هذه المناقشات تضع أيدينا مجددا علي تناقضات تلخص تناحرات توجزها مجادلات النقاب الجارية الآن‮.. ‬وهي في حد ذاتها تقودنا إلي عدد من مشكلات المجتمع التي ولابد أن تجد حلا ومعالجة‮.. ‬بخلاف المواجهة الثقافية الإدارية الحالية‮.‬
فمن جانب نحن أمام نقيض ريفي في مواجهة نقيض مدني‮.. ‬ذلك أن الفتيات المستهدفات بقرار الجامعات العامة هن ساكنات المدن الجامعية‮.. ‬أي الآتيات من الريف‮.. ‬والقادمات من مهاجر بعيدة‮.. ‬ومن المعتاد في أي مجتمع أن تكون هناك فجوة ما بين الفئات المجتمعية التي تنتمي للأماكن الجغرافية المثيلة‮.. ‬ولكن أن تتسع الفجوة لكي تصبح هوة‮.. ‬وأن تصبح بنت المدينة رمز العري وبنت الريف رمز النقاب‮.. ‬وأن تخضع كثير من بنات المدينة للضغط الاجتماعي والديني من بنات الريف‮ - ‬معوما بوسائل متنوعة‮ - ‬فإن هذا‮ ‬يحول الفجوة إلي هوة‮.. ‬ويؤدي إلي مشكلة كبيرة‮.. ‬وتغيير مجتمعي صارخ‮.‬
ومن جانب ثان نحن أمام صراع طاحن بين المؤسسة المستنيرة المعبرة عن دين سمح‮ ‬غير متطرف‮.. ‬وبين المؤسسة‮ ‬غير القانونية للتطرف‮.. ‬الثانية تواصل الطعن في الأولي طيلة الوقت لكي تفقدها مصداقيتها‮.. ‬ولكي تجعل شرعية تثقيفها للناس بصحيح الدين محل شك وريبة‮.. ‬وبحيث تجعل الإمام الأكبر بكل ما له من مكانة وقيمة كما لو أنه‮ ‬يخضع للإملاء‮.. ‬ولايراعي في فتواه وتوجيهه صحيح العلم وصائب الدين‮.‬
هذه حرب مستعرة منذ زمن بعيد‮.. ‬ووجب علينا أن ننتبه إليها من جديد‮.. ‬أن نوقف الهجوم علي المؤسسة الدينية للمجتمع‮.. ‬فهي ليست مؤسسة للدولة‮.. ‬وأن نعضدها ونساندها وأن ندلها علي مزيد من طريق الاستنارة لكي تقف في وجه طغيان التطرف الذي‮ ‬يريد أن‮ ‬يحقق فصاما مجتمعيا‮ ‬يفصل بين الناس ونخبتهم وبين القرية والمدينة وبين المسئول والمواطن‮.. ‬من أجل تحقيق هدف بعيد لا علاقة له إطلاقا بالنقاب أو العري وإنما لها علاقة بالسياسة والسعي إلي السلطة‮.. ‬ولذا‮ ‬يجب أن ننتبه إلي أن الذين‮ ‬يقودون حملة تشويه شيخ الأزهر هم الإخوان المحظورون‮.‬
ومن جانب ثالث نجد تناقضا بازغا ناميا بين الرجل والمرأة‮.. ‬تناقضا‮ ‬يتراوح ويتماهي بين مربعات متقاطعة‮.. ‬فإما أن الرجل مجرد وحش‮ ‬يجب أن تحتمي منه المرأة‮.. ‬وإما أن الرجل‮ ‬ينضم إلي معسكر الملائكة الأطهار في مقابل مجموعة أخري من الرجال الشياطين‮.. ‬وبالتالي تجد أن فريقا من الذكور‮ ‬يدافع بطريقة مروعة عن نقاب النساء وتشعر من الدفاع أن قرار ارتدائه ليس نسائيا خالصا وإنما صدر بأمر رجل قرره للابنة أو الزوجة أو الأخت‮.. ‬وفي النهاية تتسع الهوة بين الرجل والمرأة ونخرج من مجتمع المساواة والتواصل الذي نسعي إليه ونجاهد من أجله في عصر حقوق الإنسان‮.‬
جولات في حرب
‮ ‬تلك جميعا تناقضات معضلات تحتاج إلي عمل كثيف‮.. ‬لا‮ ‬يجب أن‮ ‬يقف عند حدود إصدار قرارات إدارية بمنع دخول المنقبات إلي المدن الجامعية‮.. ‬وبمنع تواجد المنقبات في المعاهد الدينية‮.. ‬الموضوع أعمق من هذا ويحتاج إلي عمل ثقافي وديني وإعلامي وتعليمي مستمر ومتواصل‮.. ‬لن‮ ‬ينتهي بين‮ ‬يوم وليلة‮.. ‬ولابد له من خطة مكثفة لايفقد فيها عنصر طاقته ولايتراجع فيها طرف عن إرادته‮.‬
لقد خاض وزير الصحة من قبل معركة ضارية ضد الممرضات المنقبات‮.. ‬وواجه عنتا وعنفا لفظيا وحربا لم‮ ‬يسانده فيها سوي روزاليوسف‮.. ‬وخاض وزير الأوقاف معركة تالية ضد النقاب فكان أن ووضع علي لوحة التنشين من قبل المتطرفين‮.. ‬وظل هكذا‮ ‬يواجه سيلا من الطلقات كلما أقدم علي خطوة لإصلاح العقل الجمعي العام تجاه مثل تلك الأفكار‮.. ‬وها هم رؤساء الجامعات ووزير التعليم العالي ومن قبلهم شيخ الجامع الأزهر‮ ‬يواجهون أيضا معركة جديدة‮.‬
ليس علينا إلا أن نعتبر هذا كله حربا واحدة من جولات مختلفة‮.. ‬وأن تتكاتف الجهود ليس لأننا نرفض أن‮ ‬يكون كل فرد حر‮ ‬يرتدي ما‮ ‬يشاء‮.. ‬حتي لو كان نقابا‮.. ‬وإنما لأننا نريد أن نحمي صفات البلد‮.. ‬حتي لا نفاجأ أننا قد أصبحنا مجتمعا أفغانيا من عصور ما قبل التاريخ‮.. ‬نركب البغال ونطلق اللحي كما سكان الجبال وتختفي نساؤنا خلف أستار من الظلام.
عبد الله كمال
يمكنكم مناقشة الكاتب وطرح الآراء المتنوعة علي موقعه الشخصي
www.abkamal.net
www.rosaonline.net
أو علي المدونة علي العنوان التالي‮: ‬
htt//:alsiasy.blogspot.com
Email: [email protected]


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.