البابا تواضروس الثاني يعيّن الأنبا ريويس أسقفًا عامًا لإيبارشية ملبورن    السكرتير العام المساعد لبني سويف يتفقد سير العمل بالوحدات المحلية خلال إجازة العيد    لليوم الثاني على التوالي.. تواصل عمليات ذبح أضاحي الأوقاف بإشراف بيطري متخصص    الصناعة: حجز 1800 قطعة أرض في 20 محافظة إلكترونيا متاح حتى منتصف يونيو    رئيس البرلمان الروسي يحذر من تصاعد التوتر مع ألمانيا    توافق مصري -قبرصى على ضرورة استمرار التنسيق للحد من التوترات في المنطقة    اتحاد الكرة يقرر فتح باب القيد للموسم الجديد.. الأربعاء المقبل    محافظ الدقهلية يتابع الحملات التموينية خلال عطلة العيد...وضبط 156 شيكارة دقيق بلدي وتحرير 311 مخالفة    الإسكندرية تستعد لصيف 2025 بدورات متقدمة لمنقذي الشواطئ    الثلاثاء.. قصور الثقافة تطلق 12 عرضا مسرحيا بإقليم جنوب الصعيد    وكيل صحة أسيوط يتفقد سير العمل بالمستشفيات والمركز الإقليمي لنقل الدم خلال إجازة عيد الأضحى    بعد أكل لحمة العيد.. 7 نصائح للوقاية من النقرس    متابعة للمستشفيات ضمن خطة التأمين الطبي بعيد الأضحى بشمال سيناء    عميد طب كفر الشيخ يتفقد أداء المستشفيات الجامعية خلال إجازة العيد    الزمالك يستعد للثورة.. موسم جديد بأبطال جدد وأحلام متجددة    لليوم الثانى على التوالى.. تواصل عمليات ذبح أضاحى الأوقاف بإشراف بيطرى متخصص    بعد رحيل زيزو.. من هو أغلى لاعب حاليا في الزمالك؟    كهربا يدخل حسابات حلمي طولان للمشاركة في كأس العرب    في لفتة إنسانية كريمة، الرئيس السيسي يطمئن على أحد الأئمة الحضور بخطبة عيد الأضحى (فيديو)    شعبة الدواجن: هبوط أسعار الفراخ البيضاء بنسبة 25%    خطوات الاستعلام عن نتيجة الصف الثالث الإعدادي الأزهري 2025 برقم الجلوس والاسم    الداخلية ترسم البهجة فى العيد.. رعاية شاملة للأيتام فى مشهد إنسانى مؤثر.. احتفالات وعروض وإنقاذ نهرى.. اشترت ملابس العيد وقدمت الهدايا للأطفال.. وتنفذ برامج المسئولية المجتمعية لتعزيز قيم الانتماء الوطنى.. صور    الداخلية تواصل التيسير على الراغبين فى الحصول على خدمات الإدارة العامة للجوازات والهجرة    قاوم اللصوص فطعنه أحدهم.. تفاصيل مقتل موظف أمن في 15 مايو    الكويت ترحب بقرار منظمة العمل الدولية منح فلسطين صفة "دولة مراقب"    مها الصغير: كان نفسي عبدالحليم حافظ يحبني ويغنيلي (فيديو)    إعلام فلسطينى: 34 شهيدا فى غارات إسرائيلية على عدة مناطق بغزة منذ فجر اليوم    د.عصام الروبي يوضح معنى" الكوثر ومن هو الشانئ وما معنى الأبتر"    إذاعة الجيش الإسرائيلي: العثور على جثة يُرجح أنها تعود للمسؤول العسكري البارز في حماس محمد السنوار جنوبي غزة    شهباز شريف: باكستان تسعى دائما إلى الحفاظ على السلام والأمن في المنطقة    (يونهاب): عودة الاتصال بالإنترنت في كوريا الشمالية بعد انقطاع طويل مجهول السبب    النقل: تعاون مع المرور لإقرار مخالفة للمركبات التي تسير داخل حارة الأتوبيس الترددي    صحة الأقصر تعلن انتشار الفرق الطبية بمختلف الإدارات الصحية فى عيد الأضحى.. صور    لليوم الثاني.. 39 مجزر يستقبل الأضاحي في مراكز المنيا    آخر تطورات الحالة الصحية لنجل الفنان تامر حسني    زلزال يضرب إيران بقوة 4.3 على مقياس ريختر    العيد أحلى بمراكز الشباب.. فعاليات احتفالية في ثاني أيام عيد الأضحى بالشرقية    خالد الغندور: 14 لاعبا سيرحلون عن الزمالك    إصابة 8 أشخاص نتيجة انقلاب «ميكروباص» بطريق أسيوط- الفيوم الغربي    السيسي يقود أحدث إنجازات الدولة في تطوير التعليم الجامعي    وزير الري يتابع الموقف المائي خلال إجازة عيد الأضحى    دعاء يوم القر مستجاب للرزق والإنجاب والزواج.. ردده الآن    اليابان: لا اتفاق بعد مع الولايات المتحدة بشأن الرسوم الجمركية    دار الإفتاء تكشف آخر موعد يجوز فيه ذبح الأضاحي    الطبطبة على الذات.. فن ترميم النفس بوعى    محمد الشناوي: كنا نتمنى حصد دوري أبطال إفريقيا للمرة الثالثة على التوالي    دوناروما: أداء إيطاليا لا يليق بجماهيرنا    إنفوجراف| بورصة الذهب تختتم تعاملاتها على مكاسب أسبوعية 21 دولارا    بعد تصدرها الترند بسبب انهيارها .. معلومات عن شيماء سعيد (تفاصيل)    "مش جايين نسرق".. تفاصيل اقتحام 3 أشخاص شقة سيدة بأكتوبر    محمد عبده يشيد ب " هاني فرحات" ويصفه ب "المايسترو المثقف "    سفارة الهند تستعد لإحياء اليوم العالمي لليوجا في 7 محافظات    «الدبيكي»: نسعى لصياغة معايير عمل دولية جديدة لحماية العمال| خاص    محاضرة عن المتاحف المصرية في أكاديمية مصر بروما: من بولاق إلى المتحف الكبير    الثلاثاء أم الأربعاء؟.. موعد أول يوم عمل بعد إجازة عيد الأضحى 2025 للموظفين والبنوك والمدارس    «المنافق».. أول تعليق من الزمالك على تصريحات زيزو    بمشاركة 2000 صغير.. ختام فعاليات اليوم العالمي للطفل بإيبارشية المنيا    معلومات من مصادر غير متوقعة.. حظ برج الدلو اليوم 7 يونيو    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



المنقبات والعاريات !


عبدالله كمال 10 أكتوبر 2009 12:00 م

الحرب الصامتة ضد مصر
‮ ‬في‮ ‬يوم ‮4 ‬أكتوبر الجاري أصدر الملك عبدالله بن عبدالعزيز عاهل السعودية المرسوم الملكي التالي‮: ‬نحن عبدالله بن عبدالعزيز آل سعود‮.. ‬ملك المملكة العربية السعودية‮.. ‬أمرنا بأن‮ ‬يعفي الشيخ الدكتور سعد‮ ‬بن ناصر بن عبدالعزيز الشثري عضو هيئة كبار العلماء والعضو المتفرغ‮ ‬في اللجنة الدائمة للبحوث والفتوي المتفرعة من عمله‮.. ‬ويبلغ‮ ‬أمرنا هذا للجهات المختصة لاعتماده وتنفيذه‮.‬
هذا القرار المفاجئ وغير المتوقع من الملك كان هو رد الفعل الأهم والأسرع من أعلي مستوي في السعودية علي التعليق أو الفتوي التي أدلي بها الشيخ سعد الشثري في قناة‮ ‬المجد‮.. ‬محذرا من الاختلاط في جامعة الملك عبدالله بن عبدالعزيز للعلوم التقنية التي افتتحتها السعودية في إطار تحول مهم بدوره قبل أن‮ ‬يدلي الشيخ بما قال بنحو‮ ‬يومين‮.‬
القرار الأول جاء لحماية الخطوة‮ ‬غير المسبوقة التي أسست لوجود التعليم الجامعي المختلط في السعودية لأول مرة‮.. ‬ويمكن القول أن قرار الملك قد ألجم إلي حد بعيد أصواتا كثيفة كانت تستعد للانطلاق في اتجاه انتقاد الجامعة‮ ‬غير المألوفة في السعودية‮.. ‬وتحريمها والتحذير من الاختلاط فيها‮.. ‬مما قد‮ ‬يؤدي إلي تفريغ‮ ‬تلك الخطوة التي تمثل نقلة حضارية كبري في المملكة من محتواها‮.‬
إن فهم حجم وأبعاد دور‮ ‬هيئة كبار العلماء‮ ‬في السعودية ومدي انتشار تأثيرها وتغلغلها في عقلية المجتمع السعودي وارتباطها بشرعية الحكم السعودي،‮ ‬يمكن أن‮ ‬يحدد لنا ماهية القرار الذي أصدره الملك والرسالة الناتجة عنه‮.‬
مفارقات ‮9002‬
وفي المقابل فإن مصر ليس فيها إلا جامعات مختلطة‮.. ‬وهي،‮ ‬تاريخيا،‮ ‬فضت القيود عن المرأة قبل ما‮ ‬يزيد عن مائة عام حين رفع قاسم أمين شعاره العظيم‮: ‬تحرير المرأة‮.. ‬غير أنه في العام الذي نالت فيه المرأة المصرية واحدا من أهم إنجازاتها الحضارية والسياسية‮.. ‬في ‮9002. ‬أي الحصول علي نسبة مقررة بحكم القانون والدستور من مقاعد مجلس الشعب للنساء‮.. ‬كان هذا المجتمع مضطرا لأن‮ ‬يخوض جدلا كبيرا ضد انتشار النقاب بين بنات أجياله الجديدة‮.‬
مفارقات متنوعة جدا ومؤسفة للغاية تقرأها في المشهد المصري،‮ ‬بخلاف هذا التناقض الزمني بين ‮11 ‬عقدا منذ عصر قاسم أمين إلي الآن‮.. ‬
مجتمع‮ ‬يرتضي الاختلاط‮.. ‬لكن بناته‮ ‬يعلن الإصرار علي الانعزال خلف الأستار السوداء‮.. ‬كل منهن تعيش في خيمتها الخاصة‮.. ‬خلف حجب آتية من‮ (‬تورا‮- ‬بورا‮) ‬ولايمكن أن تكون متناسقة مع العمر الحضاري للقاهرة‮.‬
جيل‮ ‬يفترض أنه‮ ‬يخوض‮ ‬غمار شبابه‮.. ‬لكنه‮ ‬يذهب بعيدا منجرا وراء كهولة الاختفاء‮.. ‬دافنا أحلامه‮.. ‬ومحاصرا لانطلاقه‮.. ‬وقاتلا لحيويته‮.. ‬ورافضا للعصر‮.. ‬كما لو أنه‮ ‬يعيش هجرته الخاصة مذكرا إيانا بسنوات شكري مصطفي الذي أقنع في تنظيم‮ (‬التكفير والهجرة‮) ‬قدرا لا بأس به من الجامعيات بأن‮ ‬يهبن أنفسهن لمجتمع جاهل جهول بناه هو في مخيلة ذاته وبعيدا في مكان قصي من المجتمع‮.‬
جامعيات‮.. ‬يفترض فيهن أن‮ ‬يسعين وراء العلم‮.. ‬فأمسكن بتلابيب الأزمنة الغابرة قبل الأديان‮.. ‬والانطباع المتوقع منهن هو أن‮ ‬يكن مناديات بحقوق النساء والمساواة‮.. ‬فإذا بكل منهن تتحول إلي حبيسة في زنزانة اختيارية متنقلة‮.. ‬ترفض أبسط دلائل الحضارة‮.. ‬التواصل من خلال وجه معلن‮.. ‬لكي‮ ‬يبين الرجل من المرأة‮.. ‬والحق من الباطل‮.. ‬ويا لها من عقول تريد أن تقود المجتمع في الزمن القادم‮.‬
إن علينا أن نحترس لأن العجلة ترجع إلي الخلف‮.‬
ومن المثير للدهشة أن القناة التي تسببت في عزل الشيخ السعودي سعد الشثري من هيئة كبار العلماء بأمر ملكي‮.. ‬أي قناة المجد‮.. ‬هي نفسها أحد مقومات منظومة فضائية راسخة وواسعة الانتشار‮.. ‬تروج في مصر وغيرها لفقه النقاب والانعزال ومحاربة التواصل‮.. ‬والدعوة إلي المجتمعات المنشطرة‮.. ‬ضد الفطرة‮.. ‬منظومة تبيع فكرا‮ ‬يعود إلي عصور سحيقة رغم أنها تعتلي قنوات بث فضائي في أحدث منتجات العلم‮.. ‬الأقمار الصناعية التي من المؤكد أن من بين صناعها عشرات من النساء الغربيات اللواتي شاركن الرجال في عمل بهذه الضخامة‮.. ‬لكي نأتي نحن بمنتهي التخلف ونحول هذه الآلات إلي وسيلة لركوب ماكينة الزمن ونضبطها علي مؤشر‮ ‬يرجع بنا إلي ما قبل الإنسانية‮.‬
العادة والعبادة
ما هذا القرف‮.. ‬أعلينا في عام ‮9002 - ‬بينما الإسرائيلية‮ (‬عداة‮ ‬يونات‮) ‬تحصل علي نوبل في الكيمياء‮.. ‬والألمانية هيرتا موللر تنال نوبل في الآداب‮.. ‬وبينما العالم‮ ‬يفض أسرار تركيبة جينات الإنسان‮.. ‬ويجهز رحلة إلي المريخ‮ ‬غير مكتفٍ‮ ‬بالقمر‮ - ‬أن نتكلم فيما إذا كان النقاب عادة أم عبادة؟‮.. ‬وهل علي السلطة في البلد أن تتخذ إجراءات لمنع تسكين المنقبات في المدن الجامعية للطالبات؟‮.. ‬هل بعد هذا قرف؟‮!‬
مال بناتنا؟‮.. ‬كيف بفريق منهن‮ ‬يخترن العزلة‮.. ‬ويتظاهرن من أجل أحد أشهر مظاهر التخلف‮.. ‬ويناضلن من أجل الاعتراض علي الإمام الأكبر لأنه قال لطالبة في مثل عمر حفيداته‮: ‬أن اخلعي النقاب‮.. ‬إنه عادة لاعبادة‮.. ‬فتثور عليه الدنيا‮.. ‬ويصبح هدفا لهجوم جحافل التطرف‮.. ‬وبراكين التهييج‮.. ‬تريد أن تشوه صورته‮.. ‬وأن تهز مصداقيته‮.. ‬وأن تستفز كبرياءه‮.. ‬وأن تشكك في علمه‮.. ‬فيما لم‮ ‬يكن بين ناقديه من حصل نصف علمه‮.. ‬وحصد ربع خبرته‮.. ‬أو اعتلي المنابر بقدر ما اعتلي وخطب ووعظ الناس إلي دين الله‮.‬
‮ ‬الهجوم علي صاحب الفضيلة أصبح وسيلة لإلهاب المشاعر‮.. ‬وارتكاب كبائر في حق علماء الدين‮.. ‬الناصحين‮.. ‬الذين كان أمامهم من الجراءة والثقة في العلم بحيث إنه أعلن قولة الحق‮.. ‬وواجه التطرف بصوت الحكم السليم‮.. ‬ورفض أن‮ ‬يتراجع‮.. ‬في حين تلاحقه كاميرات التخلف واستديوهات اللغو الليلي وجرائد لا شاغل لها سوي أن ترتكب أي حماقة بغض النظر عن تأثير ذلك علي شخصية المجتمع‮.. ‬وتلك نقطة تدعونا مجددا لكي نتساءل‮: ‬هل رجال الأعمال الذين‮ ‬ينفقون علي تلك الوسائل الإعلامية الخاصة‮ ‬يقبلون منها رسالتها تلك‮.. ‬هل‮ ‬يريدون مجتمعا منقبا؟
منارات الظلام‮!‬
كانت صحف مصر من قبل أهم أدوات تنويرها‮.. ‬وكان من الشاذ أن تكون أي صحيفة مؤيدة للتطرف‮.. ‬الآن أصبحت الصحف آليات ترويج وتحريض وإظلام‮.. ‬وتعج بما‮ ‬يقود المجتمع إلي مزيد من التطرف‮.. ‬إما بتأييد وتسويق جماعات التخلف‮.. ‬أو بالمزايدة علي أصوات العودة إلي الماضي‮.. ‬أو بالاختلاق والتلفيق كما حدث في الواقعة الأخيرة التي تخص شيخ الأزهر‮.. ‬فناقل روايتها لم‮ ‬يكن موجودا رغم أنه أكد حضوره المشهد في بعض برامج التليفزيون‮.. ‬ويا لها من مهمة مدمرة تقوم بها الصحافة الخاصة ضد البلد وخصائصه الاجتماعية‮.‬
ومن ثم فإن المجتمع بين قبضتي حصار‮.. ‬سماء تمطر فكرا متطرفا في قنوات سلفية تحض المرأة علي ألا تصافح الرجل وأن تتحول إلي ثقب خيمة متجول إن تجولت‮.. ‬وأرض تلتهب نارا بصحف تحريض وإغلاق عقول‮.. ‬لا تنتقد تراجعا ولايعنيها أن تحمل رسالة من أجل البلد‮.. ‬بل أن تصب مزيدا من البنزين لعل هذا‮ ‬يمكن أن‮ ‬يرفع التوزيع ولو نسختين‮.‬
هذه المنظومة هي التي أعاقت ولم تزل محاولات وزير الأوقاف أن‮ ‬يوحد آذان الصلاة في المساجد بدلا من تلك الفوضي التي تعتلي المآذن‮.. ‬وهي التي ألهبت النار حين قال وزير الثقافة رأيا في الحجاب‮.. ‬وهي التي شنت حربا بدعوي حرية العقيدة ضد شيخ الأزهر لأنه قال أن النقاب عادة لا عبادة‮.. ‬وصار عليه أن‮ ‬يفسر من جديد ما أصبح معلوما من الدين بالضرورة‮.. ‬وأصبح علي المجتمع ألا‮ ‬يناقش الحجاب وإنما أن‮ ‬يجادل في أمر النقاب‮.‬
أهذه‮.. ‬مصر؟‮!‬
لقد حذرنا من ذلك قبل ما‮ ‬يزيد علي عامين‮.. ‬وقلنا أن خوض معركة النقاب بإيقاع هادئ وغير حاسم وجدل شبه صاخب‮.. ‬سوف‮ ‬يقود المجتمع إلي حالة تفاوض مع التطرف‮.. ‬بحيث علينا أن نقبل انتشار الحجاب في عام ‮9002. ‬بدلا من النقاب‮.. ‬ومضي الوقت بدون حسم‮.. ‬فأصبح النقاب محل ثبات‮.. ‬لا‮ ‬يقبل التطرف نقاشا له‮.. ‬ويعتبر من‮ ‬يقترب منه إنما‮ ‬يرفض حياء البنات‮.. ‬وحماية الأخلاق من الانحراف‮.‬
مرة أخري الذي أعطي مبررا هائلا للادعاء بانفلات المجتمع بحيث تحتاج الأنثي إلي أن تحمي نفسها فيه هو وسائل الإعلام التي روجت لأساطير التحرش في الشوارع كما لو أنها صارت واقعا‮.. ‬وكما لو أن البنات في مصر‮ ‬يتعرضن للاختطاف والاغتصاب من الرجال الوحوش علي مدار الساعة‮.. ‬وكما أننا لسنا مجتمعا من ‮08 ‬مليون شخص‮.. ‬من الطبيعي أن توجد فيه بعض المشكلات‮.. ‬تلك صفة المجتمعات‮.. ‬لو أن كل مواطن من ال ‮08 ‬مليون حك وجهه بظفر إصبعه لكان علينا أن نتوقع عشرات من الظواهر‮.. ‬لكن نار الأرض‮ (‬الصحافة الحمراء‮) ‬أقنعت الناس بأن الشوارع صارت ملجأ للشياطين فأصبح علي الجميع أن‮ ‬يخشي علي‮ (‬القوارير الأنثوية‮) ‬من التكسير‮.. ‬فأودعن أنفسهن قيود الحماية والصون المسماة بالنقاب‮.‬
وصرت تناقش الناس في خطورة هذه الظاهرة‮.. ‬وتقول أنها تغير في طبيعة المجتمع‮.. ‬أنها ضد ثقافته‮.. ‬هذه ليست صورة مصر‮.. ‬وإذا كانت تتحول فإن علينا أن نقودها إلي الوجهة الصحيحة‮.. ‬أن ندق أجراس الانتباه حتي‮ ‬يصحو الناس من‮ ‬غفلة الرجوع إلي الخلف‮.. ‬هذا حقنا‮.. ‬أن نحافظ علي بلدنا‮.. ‬وأن نروج فيما بين فئاته النموذج العصري الملفوظ‮.. ‬إذا كان التطرف‮ ‬يمارس عملية التسويق الدائمة للنموذج الأسود المتخلف طيلة الوقت‮.‬
إن من المهم هنا أن نشير إلي أن المحكمة الدستورية المصرية كانت قد أصدرت حكما واضحا لا لبس فيه في مايو ‮6991‬،‮ ‬رفض منح الحق لطالبة في أن تدخل مدرسة بنقابها،‮ ‬وفي نص الحكم نجد ما‮ ‬يلي‮: ‬في كشفها لوجهها أعون علي اتصالها بأخلاط من الناس‮ ‬يعرفونها ويفرضون نوعا من الرقابة علي سلوكها،‮ ‬وهو كذلك أكفل لحيائها وغضها من بصرها وأصون لنفسيتها وأدعي لرفع الحرج عنها‮.‬
هذا هو نص الحكم التاريخي‮ ‬غير أن تلك المناقشات تواجه بحجج‮ ‬غريبة‮.. ‬وردود عجيبة‮.. ‬فتجد من‮ ‬يقول أن هؤلاء المنقبات الحرائر إنما‮ ‬يمارسن حرية دستورية‮.. ‬وحقوقا عقيدية‮.. ‬وأن علي السلطات الإدارية التي تمنع دخول المنقبات إلي المدن الجامعية كنوع من التأمين والأمان‮.. ‬أن تواجه عوضا عن ذلك العاريات السافرات‮.. ‬مرتديات‮ (‬المحزق والملزق‮) ‬كاشفات البطن والصدر والسيقان‮.. ‬هذا ما‮ ‬يقولون‮.. ‬ويتخيلون أننا بهذا سوف نتراجع إلي الخلف‮.. ‬لئلا نكون من أنصار العري والفجور المصور أمام مستمعي النقاش في المجتمع‮.‬
ولكن من قال أن العري هو بديل النقاب‮.. ‬ومن زعم أن الفتاة التي لاتغطي وجهها وتتحول إلي كتلة من ليل أسود في نهار المجتمع عليها أن تصبح عارية البطن والصدر والساقين‮.. ‬لا هذه هي مصر‮.. ‬ولا تلك هي أيضا‮.. ‬نريد مصر طبيعية‮.. ‬لا هي معقدة ولا هي منحرفة‮.. ‬مصر فطرية‮.. ‬غير شاذة‮.. ‬أو متطرفة أيا ما كانت صور التطرف والشذوذ‮.‬
ثم ما هذا التصور الريفي الكلاسيكي البالي عن أن الجامعة هي بيت العري‮.. ‬وإنها مرتع للماجنات اللواتي‮ ‬يحاولن إغواء الشباب الغض الغرير؟‮.. ‬هل نسيتم أن الجامعة بيت العلم‮.. ‬وأن المعهد الديني بيت علم من نوع آخر‮.. ‬أم أن الصورة الذهنية الأسطورية المتخيلة التي صنعها التطرف عن الاختلاط جعلت العقول تذهب إلي مساحات من الخيالات العابثة المريضة‮.‬
تناقضات مصرية
إن هذه المناقشات تضع أيدينا مجددا علي تناقضات تلخص تناحرات توجزها مجادلات النقاب الجارية الآن‮.. ‬وهي في حد ذاتها تقودنا إلي عدد من مشكلات المجتمع التي ولابد أن تجد حلا ومعالجة‮.. ‬بخلاف المواجهة الثقافية الإدارية الحالية‮.‬
فمن جانب نحن أمام نقيض ريفي في مواجهة نقيض مدني‮.. ‬ذلك أن الفتيات المستهدفات بقرار الجامعات العامة هن ساكنات المدن الجامعية‮.. ‬أي الآتيات من الريف‮.. ‬والقادمات من مهاجر بعيدة‮.. ‬ومن المعتاد في أي مجتمع أن تكون هناك فجوة ما بين الفئات المجتمعية التي تنتمي للأماكن الجغرافية المثيلة‮.. ‬ولكن أن تتسع الفجوة لكي تصبح هوة‮.. ‬وأن تصبح بنت المدينة رمز العري وبنت الريف رمز النقاب‮.. ‬وأن تخضع كثير من بنات المدينة للضغط الاجتماعي والديني من بنات الريف‮ - ‬معوما بوسائل متنوعة‮ - ‬فإن هذا‮ ‬يحول الفجوة إلي هوة‮.. ‬ويؤدي إلي مشكلة كبيرة‮.. ‬وتغيير مجتمعي صارخ‮.‬
ومن جانب ثان نحن أمام صراع طاحن بين المؤسسة المستنيرة المعبرة عن دين سمح‮ ‬غير متطرف‮.. ‬وبين المؤسسة‮ ‬غير القانونية للتطرف‮.. ‬الثانية تواصل الطعن في الأولي طيلة الوقت لكي تفقدها مصداقيتها‮.. ‬ولكي تجعل شرعية تثقيفها للناس بصحيح الدين محل شك وريبة‮.. ‬وبحيث تجعل الإمام الأكبر بكل ما له من مكانة وقيمة كما لو أنه‮ ‬يخضع للإملاء‮.. ‬ولايراعي في فتواه وتوجيهه صحيح العلم وصائب الدين‮.‬
هذه حرب مستعرة منذ زمن بعيد‮.. ‬ووجب علينا أن ننتبه إليها من جديد‮.. ‬أن نوقف الهجوم علي المؤسسة الدينية للمجتمع‮.. ‬فهي ليست مؤسسة للدولة‮.. ‬وأن نعضدها ونساندها وأن ندلها علي مزيد من طريق الاستنارة لكي تقف في وجه طغيان التطرف الذي‮ ‬يريد أن‮ ‬يحقق فصاما مجتمعيا‮ ‬يفصل بين الناس ونخبتهم وبين القرية والمدينة وبين المسئول والمواطن‮.. ‬من أجل تحقيق هدف بعيد لا علاقة له إطلاقا بالنقاب أو العري وإنما لها علاقة بالسياسة والسعي إلي السلطة‮.. ‬ولذا‮ ‬يجب أن ننتبه إلي أن الذين‮ ‬يقودون حملة تشويه شيخ الأزهر هم الإخوان المحظورون‮.‬
ومن جانب ثالث نجد تناقضا بازغا ناميا بين الرجل والمرأة‮.. ‬تناقضا‮ ‬يتراوح ويتماهي بين مربعات متقاطعة‮.. ‬فإما أن الرجل مجرد وحش‮ ‬يجب أن تحتمي منه المرأة‮.. ‬وإما أن الرجل‮ ‬ينضم إلي معسكر الملائكة الأطهار في مقابل مجموعة أخري من الرجال الشياطين‮.. ‬وبالتالي تجد أن فريقا من الذكور‮ ‬يدافع بطريقة مروعة عن نقاب النساء وتشعر من الدفاع أن قرار ارتدائه ليس نسائيا خالصا وإنما صدر بأمر رجل قرره للابنة أو الزوجة أو الأخت‮.. ‬وفي النهاية تتسع الهوة بين الرجل والمرأة ونخرج من مجتمع المساواة والتواصل الذي نسعي إليه ونجاهد من أجله في عصر حقوق الإنسان‮.‬
جولات في حرب
‮ ‬تلك جميعا تناقضات معضلات تحتاج إلي عمل كثيف‮.. ‬لا‮ ‬يجب أن‮ ‬يقف عند حدود إصدار قرارات إدارية بمنع دخول المنقبات إلي المدن الجامعية‮.. ‬وبمنع تواجد المنقبات في المعاهد الدينية‮.. ‬الموضوع أعمق من هذا ويحتاج إلي عمل ثقافي وديني وإعلامي وتعليمي مستمر ومتواصل‮.. ‬لن‮ ‬ينتهي بين‮ ‬يوم وليلة‮.. ‬ولابد له من خطة مكثفة لايفقد فيها عنصر طاقته ولايتراجع فيها طرف عن إرادته‮.‬
لقد خاض وزير الصحة من قبل معركة ضارية ضد الممرضات المنقبات‮.. ‬وواجه عنتا وعنفا لفظيا وحربا لم‮ ‬يسانده فيها سوي روزاليوسف‮.. ‬وخاض وزير الأوقاف معركة تالية ضد النقاب فكان أن ووضع علي لوحة التنشين من قبل المتطرفين‮.. ‬وظل هكذا‮ ‬يواجه سيلا من الطلقات كلما أقدم علي خطوة لإصلاح العقل الجمعي العام تجاه مثل تلك الأفكار‮.. ‬وها هم رؤساء الجامعات ووزير التعليم العالي ومن قبلهم شيخ الجامع الأزهر‮ ‬يواجهون أيضا معركة جديدة‮.‬
ليس علينا إلا أن نعتبر هذا كله حربا واحدة من جولات مختلفة‮.. ‬وأن تتكاتف الجهود ليس لأننا نرفض أن‮ ‬يكون كل فرد حر‮ ‬يرتدي ما‮ ‬يشاء‮.. ‬حتي لو كان نقابا‮.. ‬وإنما لأننا نريد أن نحمي صفات البلد‮.. ‬حتي لا نفاجأ أننا قد أصبحنا مجتمعا أفغانيا من عصور ما قبل التاريخ‮.. ‬نركب البغال ونطلق اللحي كما سكان الجبال وتختفي نساؤنا خلف أستار من الظلام.
عبد الله كمال
يمكنكم مناقشة الكاتب وطرح الآراء المتنوعة علي موقعه الشخصي
www.abkamal.net
www.rosaonline.net
أو علي المدونة علي العنوان التالي‮: ‬
htt//:alsiasy.blogspot.com
Email: [email protected]


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.