عندما تتداخل الحقيقة مع الأسطورة، وتختلط الأحلام بالأوهام، والنميمة بالشائعات والخيال بالواقع.. يصبح الحديث عن المؤامرات والانقلابات والاغتيالات أمراً مألوفاً فى التعامل مع الأنباء المثيرة والسيناريوهات المدهشة والعناوين الساخنة مؤخراً حول تعرض حمد بن خليفة أمير قطر لمحاولة انقلاب لإبعاده عن الحكم.. استعدادات لإعادة الأمير الأب من منفاه.. مصادمات مسلحة بالقرب من القصر الأميرى، قتلى وجرحى يسقطون فى المواجهات. اعتقال عشرات من حرس الأمير المتورطين فى الانقلاب، اختفاء ولى العهد الأمير جاسم بن حمد.. الغموض يحيط بقائد الانقلاب الجنرال حمد بن على العطية.. فرض حظر التجوال فى شوارع الدوحة.. تشديد الحراسة على قناة الجزيرة الفضائية، وتجهيز مواد مصورة عن تاريخ قطر لإذاعتها فى الوقت المناسب.. مروحيات أمريكية تنقل أفراد الأسرة الحاكمة إلى مدينة الظهران فى شرق السعودية.. الأمير يدخل المستشفى.. القوات الأمريكية تتدخل بسرعة وتعيد إليه عرشه.
[المالكي] هذه عناوين تم تداولها فى وسائل إعلام عديدة خاصة فى إيران.. سوريا.. العراق.
الصراع على الحكم فى إمارة قطر ليس ابتكاراً جديداً، لكن الملابسات التى أحاطت بالانقلاب الأخير تثير العديد من علامات الاستفهام حول التوقيت والكثير من التفاصيل التى يمكن أن تشير إلى وجود طرف آخر حاول استثمار مثل هذا الخبر سياسياً لتحقيق أهداف استراتيجية.. ترى من الطرف المستفيد مباشرة من ترديد أقاويل عن حدوث انقلاب عسكرى فى قطر فى هذا التوقيت بالذات؟ ولماذا؟
بالمصادفة كانت الدوحة تستضيف مهرجانا سنويا للأفلام الوثائقية فى نفس التوقيت الذى تحدث عنه مروجو الانقلاب.. أغلب من شاركوا فى المهرجان لم يشعروا بأى تحركات غير عادية فى الدوحة ولم يلمسوا أى تعديل فى برنامج المهرجان ولم يتلقوا تعليمات من إدارة الفندق أو وزارة الإعلام أو غيرها تتعلق بأن احتياطات معينة يتم اتخاذها فى مثل هذه الأوضاع، حتى إن بعضهم لم يسمع بنبأ الانقلاب إلا بعد مغادرة الدوحة .
كان لافتاً أن الإيرانيين أكثر من تحمسوا لتداول أنباء الانقلاب غير المؤكدة.. وراحت قنواتهم تعيد وتزيد فى صراع الأسرة الحاكمة، وحالة الغضب التى يعيشها وجهاء الإمارة ضد سياسة أميرها .. لم تنس وسائل الإعلام الإيرانية الإشارة إلى تعارض سلوك بعض أفراد الأسرة الحاكمة مع الشريعة الإسلامية، ولم تغفل أيضاً التلميح بالعلاقة الوثيقة مع كل من واشنطن وتل أبيب.
أما وسائل الإعلام المقربة من الحكومة العراقية فقد وجدتها فرصة ذهبية للانتقام من قطر التى استقبلت نائب الرئيس العراقى طارق الهاشمى، بل عرضت عليه حق اللجوء السياسى فى الدوحة حتى تنتهى معركته مع رئيس الوزراء العراقى نورى المالكى.. صحف ومواقع ووكالات عراقية توسعت فى تحليل خبر الانقلاب.. ونسجت قصصاً حول تفاصيل المصادمات المسلحة والقتلى والجرحى وتعليق حركة الطيران وتحليق الطيران الحربى فى سماء الدوحة، وهو الأمر الذى لم تتناوله سوى وسائل الإعلام المتضررة من سياسات قطر وأميرها.
مصادر غربية تقيم بالدوحة فسرت ما تردد عن الانقلاب بأن سببه يرجع إلى حادث وقع بالقرب من مجمع سكن الأمير حمد بالدوحة، حيث اصطدمت شاحنة نقل وقود بشاحنة نقل أخرى نتج عن الصدام انفجار وحريق أدى إلى تدخل قوات الشرطة والجيش القطرى، وتم تحويل حركة المرور بالمنطقة لعدة ساعات إلى أن عادت الحركة إلى طبيعتها من جديد مرة أخرى.
لا تعليق.. رد جاهز من جميع المسئولين القطريين على أى استفسار يتعلق بما رددته بعض وسائل الإعلام حول قيام الجنرال حمد بن على العطية بانقلاب عسكرى.. هذا الغموض والصمت القطرى ساهم بشدة فى تأكيد الخبر وتصديقه.. الانقلاب أطلق شرارته خبر قصير بثه موقع العربية نت السعودى، وأسرع بالاعتذار عنه بعد دقائق معدودة.. الموقع أجرى تحقيقاً سريعاً انتهى إلى أن الخبر كان مدسوساً وربما جاء نتيجة قرصنة إلكترونية.
باحثة قطرية اعترفت بأن قطر لن تنجو من رياح التغيير التى هبت على أغلب الدول العربية خاصة أن مستوى الحريات العامة بالإمارة لايزال متدنيا ولايرضى عنه المثقفون القطريون، وأنها هى وزملاء لها غاضبون من انتشار الفساد وعدم التوزيع العادل للثروة والسلطة على جميع المواطنين، كما يناضلون من أجل وجود دستور جديد وبرلمان وحكومة منتخبة، لكنها نفت فى الوقت نفسه وقوع انقلاب عسكرى للإطاحة بالأمير، وأنها لم تلمس أى تغيير فى الأوضاع وأن لها أقارب يعملون فى أجهزة الأمن والجيش لم يبلغوها بذلك الأمر.
[بشار]
فى محاولة لحل لغز الانقلاب العسكرى الأخير.. دبلوماسى قطرى اتهم المخابرات السورية بنسج خيوط هذا الانقلاب انتقاماً من الأمير حمد بسبب دعوته مؤخراً لدعم وتسليح الجيش السورى الحر لإنهاء الموقف فى سوريا ووضع حد لنظام حكم الرئيس بشار الأسد.
الدبلوماسى القطرى أشار إلى أن القصة بدأت من دمشق، حيث إن لدى المخابرات السورية قسما خاصا بتتبع المواقع الإلكترونية ونشر الشائعات من خلالها، والسعى إلى اختراق بعض المواقع الإخبارية لدس أخبار مغلوطة بهدف التشويش وإثارة البلبلة.. خبر الانقلاب وما حدث مع موقع العربية نت نموذج يكشف بوضوح أن السوريين يقفون وراء تعمد ترويج هذه الشائعة المغلوطة لأن الموقع فوجئ بظهور الخبر وأصدر بياناً نفى فيه نشره أى خبر من هذا النوع.
يضيف أن سيناريو التعامل مع شائعة الانقلاب يكشف وجود تنسيق كامل بين مثلث دمشق وطهران وبغداد .. هذا يفسر تلقف تلك الدول بالذات الخبر بلهفة والتعامل معه كأنه حقيقة، كان الهدف من هذا الخبر أن يسحب الاهتمام العربى عن الجرائم التى يرتكبها النظام المترنح فى سوريا بحق شعبه، ومحاولة يائسة لإرهاب قطر أو أى دولة عربية أخرى ترغب بالوقوف بجانب الشعب السورى فى معركته للتخلص من النظام الفاسد.. لذلك أصبحت العواصم الثلاث تشكل مؤخراً حلفاً سياسياً «شيعياً» يسعى إلى التوسع فى المنطقة والهيمنة على مصالحها مستغلين انشغال مصر بأوضاعها الداخلية بحيث يتم ملء الفراغ الذى تركته مصر على المستوى الإقليمى، وبما أن أمير قطر واحد من السياسيين العرب الذين جاهروا بضرورة إزاحة النظام السورى عن السلطة حتى لو وصل الأمر إلى تسليح الجيش السورى الحر، وردد نظام الأسد بالترويج للكلام عن الانقلاب.
دبلوماسى مصرى عمل فى قطر قال: إن الأوضاع السياسية فى قطر هادئة، كما أن الإمارة لم تشهد أى انقلاب منذ إجهاض محاولة بعض أفراد الأسرة إعادة الأمير الأب خليفة آل ثان عام 1996 بعد عام واحد من قيام حمد بإبعاده عن السلطة.. بعدها عين ابنه جاسم ولياً للعهد ومشرفاً على الملف الأمنى ومديراً لجهاز المخابرات، ثم أقنع باقى أبنائه بمعاونة شقيقهم على تحمل المسئولية.