أخطر ما في المهندس خيرت الشاطر أنه شاطر فعلا.. وأخطر ما في طريقة تفكيره أنه يعتبر الأصوات التي تنتقد ترشحه للرئاسة ناتجة عن عدم معرفة بمكانته أو عن رغبة في الانتقاص من قدراته أو هجوما شخصيا عليه. أخطر ما يمكن أن يحدث أن يفكر المهندس خيرت الشاطر أو من يفكر له ومعه أن الهجوم عليه هو نتيجة مؤامرة يتعرض لها. وأن كل صوت يهاجمه أو يهاجم الخطوة التي أقدم عليها، وكأنه عدو يجب محاربته ومطاردته والانتقام منه. إذ أن هذه هي نفسها طريقة تفكير كبار الطغاة وعتاة الدكتاتوريين في العالم كله. فضلا عن أنها طريقة تفكير إقصائية وربما تكفيرية تقسم المصريين إلي معسكرين، والحقيقة أن هذا مخالف لأبسط قواعد الديمقراطية والرأي والرأي الآخر. ولعله من الغريب والغريب جدا أن يختار المهندس خيرت الشاطر أن يتحدث للرأي العام للمرة الأولي عبر هيئة سلفية هي الهيئة الشرعية للحقوق والإصلاح. وأن يكون تصريحه الأول الموجه للرأي العام بعد إعلانه عن ترشحه للرئاسة أن الشريعة كانت وستظل مشروعه وهدفه الأول والأخير، والحقيقة أنه لا أحد في مصر يختلف حول الشريعة الإسلامية، وإن كان هناك خلاف كبير حول فهم الشريعة وهل هي حقوق للمسلم أم حدود تقام عليه. كان من اللافت للنظر أن يتجاهل مرشح الإخوان الحديث عن البطالة والتعليم والصحة والأوضاع الاقتصادية المتردية والعدالة الاجتماعية الغائبة. وأن يتحدث عن تطبيق الشريعة دون أن يقول لنا ما هو فهمه للشريعة وما إذا كانت تشتمل علي هذه الحقوق أم لا. ورغم أن الهيئة الشرعية للحقوق والإصلاح التقت من قبل مرشحين إسلاميين للرئاسة إلا أن اختيار الرجل أن تكون إطلالته الأولي علي الرأي العام من خلال لقاء مع الهيئة السلفية المتشددة هو بكل تأكيد رسالة لا تخفي علي اللبيب. والأخطر هو التصريح الذي أطلقه خيرت الشاطر وقال فيه إنه سيعمل علي تكوين مجموعة من أهل الحل والعقد لمعاونة البرلمان في تطبيق الشريعة. ولعل خيرت الشاطر لا يقصد سوي حكم رجال الدين أو حكم الملالي في إيران حيث ولاية الفقيه التي تعلو كل سلطة وأي سلطة ولم يقل لنا مرشح الإخوان المسلمين من الذي سيعين أهل «الحل والعقد» هؤلاء، وما معايير اختيارهم. وكيف سيتم فرضهم علي السلطة التشريعية وإلي أي سلطة سينتمون، رغم أن الشعب لم يخترهم ولم يأت بهم، وإذا لم يكن هذا هو حكم رجال الدين.. وإذا لم تكن هذه هي الدولة الدينية فماذا تكون إذا؟ الأكثر خطورة وفيما يعتبر مؤشرا مهما لموقف المرشح الإخواني من الحريات أن الرجل في نفس التصريح هاجم الإعلام مستخدما سلاح التخوين حيث صرح قائلا «إن الإعلام من أخطر الأسلحة التي استخدمت ضد الثورة بشكل عام. والإسلاميين بشكل خاص وأنه يجب تقوية الإعلام الرسمي وتقديم أصحاب الرؤي الحقيقية في المنظومة الإعلامية»، والحقيقة أن تصريح الرجل أكثر من خطير ليس فقط لأنه يكشف عن نية واضحة للعصف بحرية الإعلام، ولكن لأنه ينطوي علي مغالطة ومخالفة للحقيقة. حيث لعبت معظم وسائل الإعلام الدور الأكبر في تهيئة الناس للثورة وتشجيعهم عليها وتبشيرهم بها في الوقت الذي كانت جماعة الإخوان تدرس الموقف لتقرر هل تشارك في الثورة أم لا؟ كما أن وسائل الإعلام مازالت تؤيد الثورة وتهاجم من تخاذلوا عن نصرتها. ∎ ثم يأتي حديث الرجل عن ضرورة تقوية الإعلام الرسمي.. دون أن يوضح لنا أحد ما هو الإعلام «الرسمي» وهل المقصود الإعلام «القومي» الذي يعبر عن كل المصريين أم الإعلام «الرسمي» الذي يعبر عن الجماعة وأهدافها باعتبار أن الجماعة أصبحت هي السلطة الجديدة والحزب الوطني الجديد. في هذا السياق يبدو من المهم التوقف أمام المعالجات الإعلامية لخبر ترشح خيرت الشاطر للرئاسة، حيث تنشر صحيفة حزبه صفحات علي شاكلة.. ترشيح الشاطر في عيون العائلة.. و«الشعب المصري يكسب باختيار الشاطر رئيساً» أو «قدراته تجعله قائداً للعرب وليس لمصر فقط»»! أو خيرت قال لنا «لن أترك مصر تضيع ولو علي رقبتي»!. أو أن ينشر موقعه تصريحات لقادة الإخوان المسلمين من عينة «مصر تحتاج إلي الشاطر»!! وهي ذاتها نفس العناوين والموضوعات التي عرفتها مصر طوال ثلاثين عاماً من حكم مبارك، حيث لا تحتاج سوي أن تنزع اسم مبارك وتضع مكانه اسم الشاطر ليبدو كل شيء كما كان بالضبط ولا كأن أي شيء تغير.. وكأن صفوت الشريف هو الذي يدير الحملة الإعلامية للشاطر من محبسه ، كل شيء كما هو تماماً من حيث اختصار الوطن في شخص لتصبح مصر هي خيرت ومستقبل مصر هو مستقبل خيرت، ولا يبقي سوي أن يقال إن مصر ولدت يوم أن وُلد خيرت! بل إن تحليلاً سريعاً لما ينشره إعلام الجماعة طوال الأيام الماضية يكشف أنه تم اختصار الجماعة ذات ال80 عاماً والنصف مليون عضو في شخص خيرت الشاطر، ولا حديث عن مشروع الإخوان، ولا عن رؤية الإخوان، ولا عن تاريخ الإخوان، ولكن عن تاريخ الشاطر وعبقرية الشاطر واحتياج مصر للشاطر. ∎ علي مستوي آخر يجب أن يعي المرشح الإخواني أن ما كان بالأمس لا يمكن ولا يجب له أن يستمر في اليوم، وأن ما كان سرياً ينبغي له بحكم طبائع الأمور أن يصبح علنياً وإلا كان في الأمر شيء خاطئ. لقد كانت الجماعة محظورة ومضطهدة وبالتالي كان يمكن تفهم أن تظل ميزانياتها واستثماراتها سراً مدفوناً في قلب خيرت الشاطر وثلاثة أو أربعة آخرين.. لكن الأمر الآن بكل تأكيد ليس كذلك، نفس الأمر ينطبق علي خيرت الشاطر نفسه فهو كان رجل أعمال ناجحاً ينتمي للجماعة ثم أصبح من قادتها.. وكان من حقه أن يحتفظ بتفاصيل ثروته وأعماله لنفسه.. لكن الآن ليس كذلك.. ومن حق الشعب الذي يطرح الرجل نفسه لقيادته أن يعرف ما تفاصيل ميزانية الجماعة وما تفاصيل ثروة خيرت الشاطر كرجل أعمال وما الحدود الفاصلة بين استثمارات الجماعة وبين ثروة الشاطر الشخصية، ومن حق الرأي العام أن يعرف هل الرجل أمين استثمار أو ناظر وقف خيري يدير للجماعة أموالها بكفاءة «وأظنه كذلك» أم هو رجل أعمال يعمل في ماله الخاص أم هو مزيج من هذا وذاك؟ في نفس الإطار كثرت أحاديث ذات شواهد تتحدث عن علاقات خاصة بين الرجل ودوائر السياسة الأمريكية برعاية قطرية. وقيل إنه سافر للدوحة خصيصا لمقابلة السيناتور الأمريكي «جون ماكين». وتناثرت أحاديث عن علاقات ومشاريع اقتصادية تربطه بقطر.. وعن دعم مادي كبير واستثمارات قطرية يمكن أن تأتي لمصر إذا ما تولي الرجل رئاسة الحكومة أو رئاسة الجمهورية.. وكبرت هذه الأسئلة وتكاثرت حتي ملأت الدنيا وشغلت الناس والرجل صامت لا يتحدث.. رغم أن اليوم لم يعد مثل الأمس. وحكم بلد مثل مصر يختلف عن إدارة تنظيم سري. ∎ وعلي هامش هذه الأسئلة يبقي سؤال آخر يتعلق بالماضي حيث كتب المهندس خيرت الشاطر في سيرته الذاتية أنه انخرط في العمل الإسلامي العام منذ 1967 والرجل بهذا يحذف جزءا من تاريخه.. حيث يجمع العشرات من مجايليه أنه عضوا في منظمة الشباب بالمنصورة. وكان ذا توجهات يسارية. ناصرية وإن لم ينخرط في أي تنظيم يساري.. هذه ليست هي القضية.. ولكن القضية هي لماذا يخفي خيرت الشاطر جزءا من تاريخه.. وهل يعتقد مثلا أن اعتناق أي شخص لأفكار مختلفة عما يسميه الآن عار يستحق الإخفاء؟ هل يحتقر الأفكار المخالفة له حاليا لدرجة أن يسقطها من تاريخه.. أليست الحياة مراحل.. ثم أليس هذا نوعا من الكذب وإخفاء الحقائق.. نحن نؤمن أن خيرت الشاطر شاطر.. لكن للأسف الشيطان شاطر.