ريشة كريم عبد الملاك الطلاق تجربة مؤلمة للمرأة خاصة فى مجتمعنا العربى الذى يفرض قيوداً على المطلقة، فما بالنا لو كانت شابة فى العشرين أو تجاوزتها بقليل! الجهاز المركزى للتعبئة والإحصاء يكشف مؤخراً عن ارتفاع عدد المطلقات فى مصر والذى وصل إلى مليون و495 ألف مطلقة! هذا الخبر كان منشوراً منذ أيام فى الصفحة الأولى لإحدى الجرائد القومية الكبرى.. مع هذا الرقم المفزع لتزايد حالات الطلاق ومع الرسائل الإليكترونية الكثيرة التى أتلقاها حول الطلاق ومشاكله وأسبابه قررت أن أكتب عن هذا الشبح الذى يهدد استقرار الأسرة والمجتمع. الطلاق كلمة بغيضة يكرهها كل الناس.. الطلاق كلمة واحدة صغيرة ولكنها جليلة وعظيمة وخطيرة.. الطلاق هو الوداع والفراق.. الجحيم الذى لا يطاق.. هو نهاية علاقة مقدسة بين رجل وامرأة جمع الله بينهما فى لحظة ما.. والطلاق هو الإعلان الصريح عن فشل رجل.. وفشل امرأة وهما معاً فاشلان!! وليس أحدهما فقط.. فالاثنان فشلا فى تكريس وفهم المعنى الحقيقى للحياة!! اللحظات التى تتم فيها فعليا إجراءات الطلاق هى لحظات حزينة حقاً.. لا يعرف مرارتها إلا اثنان مرا بهذه التجربة التعسة حتى الذى سعى للطلاق سعياً كبيراً وتمناه هرباً من المعاناة فإنه فى هذه اللحظة يحزن حزناً كبيراً.. إنها اللحظة التى يشعر فيها الإنسان بالفشل الحقيقى.. فى هذه اللحظة لا ينفع الإنسان علم أو ثقافة أو مال.. إنها لحظة انهيار.. انهيار قيمة وضياع هدف.. إنها لحظة تتألم فيها القلوب وتتعذب الأرواح وتشقى العقول!! ولكن قد يتساءل البعض: لماذا كثر الطلاق بهذه الصورة هذه الأيام ولماذا لايزال فى تزايد مستمر؟ كثر الطلاق هذه الأيام بسبب الأنانية.. الزواج المبكر.. ولرفض طرف أو الطرفين لتحمل المسئولية.. أو تحمل طباع الآخر.. لا أحد يريد أن يتحمل.. لا أحد يريد أن يبذل مجهوداً لفهم واحتواء الآخر.. لا أحد يريد أن يبذل مجهوداً للحفاظ على الزواج واستمراريته.. كثر الطلاق لكثرة حالات «الندية» بين الزوج والزوجة. كثر الطلاق لكثرة النمامين والحساد والواشين والتدخل الخاطئ من الأهل.. كثر الطلاق بسبب كثرة الطمع المادى والزواج الذى يرتكز على المصلحة والصفقات.. كثر الطلاق لقلة الوعى والنضج ونقص الثقافة الجنسية. كثر أيضاً لسوء الاختيار منذ البداية والطناش على الأخطاء والطباع السيئة وسوء الخلق من أجل هدف إتمام الزواج والسلام ولتخلص الفتاة من لقب «عانس» وهى تريد بأى وسيلة أن تنال شرف كلمة «متزوجة» بأى طريقة حتى لو كان اختياراً سيئاً وخاطئاً من البداية وهى تعلم ذلك ولكن لا يهم ذلك، الأهم هو أن تتخلص من اللقب الذى تعتبره عارا وهو كلمة «عانس»!! أعرف فتاة من أسرة متواضعة أتمت الثلاثين من عمرها وأزعجها بشدة لقب عانس فى وسط محيطها من الأهل والأقارب خاصة أن معظم بنات عائلتها قد تم زواجهن.. وتقدم لها عريس، أقصد تقدمت عائلته لأن العريس يعمل فى إحدى الدول العربية وتعرفت عليه عن طريق النت وأرسل العريس توكيلا لأبيه لكى يتزوج الفتاة التى أقامت فرحاً وحفل زفاف ودعت إليه أهلها وأقاربها وأهل العريس وارتدت ثوب الزفاف والتقطت صوراً تذكارية.. كل ذلك فى غياب أهم شخص وهو «العريس» مر على هذا الفرح العجيب عامان وهى حتى الآن لم ترى عريسها ولا مرة سوى من خلال شاشة الإنترنت!! كثر الطلاق أيضاً لكثرة الخيانات الزوجية وازديادها الملحوظ من الرجل والمرأة... كثر الطلاق لسوء معاملة الرجل لزوجته.. اهمالها.. عدم مراعاة مشاعرها وأحاسيسها.. أيضا كثر الطلاق بسبب العناد وكثرة النقد.. وفقد الحوار والاحترام! كثر الطلاق لأن ناسا كثيرين يتزوجون ولا يفهمون معنى الزواج من أساسه.. معتقدين إنها رحلة طويلة فى شهر العسل ولا يفهمون ولا يدركون إنها رحلة مفعمة بالمسئوليات والصدمات والأزمات!! والمطلوب فيها الصبر والاحتمال وتقديم التضحيات والتنازلات! متى يحدث الطلاق؟ الطلاق لا يحدث فجأة إلا فى حالة اكتشاف حالة زنى أو خيانة واضحة.. وبعيداً عن ذلك فإنه يبدأ كإحساس وشعور ربما سنوات قبل اللحظة الفعلية التى يتم فيها الطلاق.. نقطة البداية هى توقف المشاعر، تجمد العواطف.. ربما من طرف تجاه طرف وربما الاثنين معاً.. قد يحدث ذلك بعد شهر أو سنة أو سنوات من بدء الزواج.. تحدث مشاحنات.. صراعات.. عدم ارتياح.. ويستمر ذلك ويكبر حتى يصل الطرفان لطريق مسدود، يفتقدان معه للحوار، يفتقدان للتواصل والتفاهم.. يزداد ويكبر جدار الألم والعزلة ويعلو جبل الجليد وتبرد كل عاطفة فى القلوب وتكون النتيجة النهائية الحتمية هى الطلاق!! على من تقع مسئولية الطلاق؟؟ على من تقع مسئولية الطلاق؟ الرجل أم المرأة؟؟ غالباً ما يحمل الجميع مسئولية الطلاق على المرأة وحدها، فهل هذا عدل؟؟ ربما استنادا على المثل الدارج الذى يقول « الست تعشش والرجل يطفش» أى أن المرأة تقع عليها مسئولية استقرار الأسرة رغم أن الرجل فى النصف الثانى من المثل «يطفش» أى يهدد الاستقرار العائلى.. فى الطلاق تتغير صورة المرأة، فهى إما رافضة أو مرفوضة، رافضة يعنى رفضت الصورة التقليدية لها كزوجة وكأم!! وبالتالى هى «متمردة» وليست هناك صورة إيجابية للمرأة المتمردة فى المجتمعات العربية. أو مرفوضة لأنها مطلقة أى أن الرجل هو الذى رفضها وطلقها لأنها غير جديرة ببناء أسرة لأنها مدللة ولا تتحمل المسئوليات لأنها أخطأت فى شىء ما، أو إنها نكدية تنكد عليه عيشته طوال الوقت ولا تكف عن الطلبات والأوامر والنقد، أو لأنها كبرت وتقدمت فى العمر من وجهة نظره وأصبحت بلغة الرجال «منتهية الصلاحية»، «denipxe» فما أن تتم المرأة الأربعين من عمرها حتى يقول معظم الرجال هذا المصطلح على زوجاتهم وهى موضة تسرى بقوة فى المجتمع الآن فى معظم الأحيان يقولها الرجل لأصدقائه الرجال فى جلساتهم ولكن فى بعض الأحيان يكون الرجل أنانيا وبالغ القسوة وعديم المشاعر ويقولها لزوجته مباشرة فى وجهها!! وما أقسى هذا الشعور على المرأة وشدة الجرح والألم والمعاناة!! فقد تلقيت سيلاً من الرسائل والاتصالات من زوجات فى الأربعينيات من أعمارهن ويشكين نفس الشكوى المريرة جداً.. يروين مأساتهن وهن فى حالة صراخ وبكاء وعويل لا يتصوره أحد!! الأسبوع القادم نستكمل باقى موضوع الطلاق!!