لطالما حذرنا من خطورة ما قد يحدث. كل المهمومين بأمر هذا الوطن.. تكلموا.. وكتبوا. كل الذين لاتشغلهم مواقع السلطة وأضواؤها.. تخلوا عن الحذر الملعون.. وواجهوا ما يدبر فى كهوف الظلام بكل شجاعة وجرأة.. وتكلموا وكتبوا. علماء ومفكرون.. ومثقفون.. وكتاب.. وفنانون.. أطلقوا صيحات التحذير عشرات المرات.. ولم ييأسوا. ولكن لم يستمع لهم أحد.. ولم يحاول أن ينتبه، وأن يفكر ويحلل فى الظواهر والتداعيات.. لأن الثقة المتضخمة بالنفس جعلتهم يتصورون أنهم الأقوى والأذكى.. فناموا مطمئنين بعد أن فرضوا على الجميع ستائر التعتيم ودعاوى التسطيح! حتى حدثت الصدمة.. ليكتشف النائمون حقيقة ما يدبر للشارع المصرى فتن ومظاهرات بالسنج والسيوف والخناجر وشعارات تتستر بعباءة الدين لمرشحى جماعة الإخوان المسلمين للفوز بمقاعد فى مجلس الشعب القادم.. ثم بعدها التسلل للدعوة والهجوم والسيطرة على كل مؤسسات الدولة.. فى خطة مرسومة لإطفاء أنوار مصر.. وكما عبر عنها الدكتور مصطفى الفقى خلال ندوة بجامعة عين شمس منذ أيام محذرا من أعمال عنف لم تشهدها مصر من قبل بفعل «الشبكة العنكبوتية الظلامية المتطرفة»! وقد خطط الإخوان للدخول إلى هذه الانتخابات بمنطق أنها معركة حربية.. فيها قوات الهجوم.. وقوات الاحتياط.. وقوات لتذليل العقبات أمام الناخبين.. وقوات لتنويع الهتافات أمام اللجان الانتخابية لكسر الملل وبث الحماسة.. ولهذا لم يبالغ المرشد العام للإخوان عندما سماها «ميدان الانتخابات».. وكأنها ميدان المعركة!! وهذه النعرة الزائدة فى استعراض القوة هى التى دفعت نائب الإخوان فى دائرة الرمل بالإسكندرية لأن يصرخ بأعلى صوته: «إن الإخوان لو رشحوا كلباً ميتاً لاختاره واقتنع به المصريون»!! منتهى السفالة والإهانة للشعب المصرى.. فضلا عن ذلك الإحساس البغيض بالتميز والقوة والذى تولد ونما لأنهم وجدوا الأبواب مفتوحة أمامهم. فقد تركنا لهم الساحة ليزرعوا خلاياهم وسط جموع الفقراء والبسطاء وبأسلوب تقديم الخدمات الضرورية من طعام وعلاج.. وملابس وأغطية ومساكن.. ثم تطورت الخدمات إلى مدارس ومستشفيات وأندية وملاعب.. ثم أخذت الخدمات منحنى أكثر إلحاحاً بتشغيل العاطلين وتوفير لهم وظائف ودخل ثابت من خلال المصانع والمزارع التى يمتلكونها وسلاسل المحلات التجارية الضخمة.. وداخل الأجهزة الحكومية بضغط من بعض أعضائها ذوى النفوذ! وكسبت جماعة الإخوان المسلمين الجولة.. لأنها راهنت على الفقراء.. راهنت على الأغلبية.. وصرفت مئات الملايين من الجنيهات لتحقيق هذا الهدف.. دون أن يعرف أحد حقيقة مصدر هذه الأموال!! فى نفس الوقت لايمكن إنكار ما قدمته الدولة من مشروعات لإصلاح البنية الأساسية وتعمير الصحراء وبناء المصانع والمستشفيات والمدارس.. ولكنها تركت هذه المنشآت تحت رحمة بيروقراطية قاتلة.. وبين أيدى أصحاب الحظوة والوسطات.. وبدون رقابة حاسمة.. ومن نجا من أخطبوط البيروقراطية، وقع فى مطب عدم كفاية الاعتمادات المالية للصيانة والنمو.. أضف إلى ذلك التهاون فى محاسبة المخطئين وتراكم قضايا الفساد لسنوات طويلة دون محاكمات عاجلة تعيد الحقوق لأصحابها مما خلق جوا من العبث والفوضى.. وهروب بعض المفسدين.. أو التكتيم على جرائمهم حتى ينساها الرأى العام! وقد استغلت جماعة الإخوان هذه السلبيات لتضخمها وتلبسها أثواباً من الفتاوى الدينية لتسيطر بها على عقول البسطاء لتزعزع بداخلهم قيمة الانتماء والمشاركة السياسية الفعالة. وقدمت لهم هذه الجماعة البديل الفعال من خلال انضمامهم إلى صفوفهم وأفكارهم ونواياهم المقبلة. وبنفس هذا الأسلوب من التسلل والاحتواء.. تسللت جماعة الإخوان إلى بعض الصحف والتليفزيون وأجهزة الاتصال الحديثة.. ثم التسلل إلى النقابات.. ثم إلى مجلس الشعب ابتداء من انتخابات 2005 إلى انتخابات هذه الأيام! هل نحن غافلون عن كل هذا الذى يحدث.. وإذا كنا نسميها بالجماعة المحظورة.. فأخشى أن تكون كلمة «المحظورة» هى اسم الدلع الذى نواجه به هذا المصير الذى يهدد هذا الوطن عندما تغطى حياتنا خيمة سوداء.. تطبق على أنفاسنا وتمنع عنا النور والهواء! والتساؤل كنت قد طرحته فى مقال سابق نشر هنا فى صباح الخير بتاريخ ديسمبر ,2006. ومرت السنوات والسؤال مازال مطروحا فى انتظار انتشال الوطن من هذا المصير.