لم أعرف عن مدينة إسنا إلا أنها فى قلب الصعيد وبعيدة كل البعد عن الحضر.. ويكثر بها الثعابين والعقارب وتحيطها الصحراء والجبال .. حقا أعترف بأن هذا يكون جهلا وتقصيرا منى.. ولذلك عندما أتيحت لى الفرصة لزيارتها لم أتردد لحظة وكانت المفاجأة.. ما شاهدته منذ أن تحركت بى السيارة من مدينة الأقصر فى طريقها لمدينة إسنا.. كنت أسأل السائق سؤالا دائما هل حقا نحن ذاهبون إلى إسنا.. فيقول: نعم.. وكان سبب سؤالى المتكرر هو ما أراه على جانبى الطريق من أشجار ونخيل وثمار البلح الأحمر تتدلى منه فى لوحة ربانية رائعة الجمال وأزهاره الجهنمية بكل ألوانها الأحمر والأبيض والأصفر بطول الطريق المسفلت وكأنى أسير من ولاية إلى أخرى فى الولاياتالمتحدةالأمريكية .. ولم أصدق نفسى حتى وصلت إلى هاويس إسنا الشهير الذى أدخلت عليه تحسينات وتطورات لتواكب الزيادة فى عدد البواخر السياحية التى تعبر النهر من خلاله وأخيرا وصلت إلى إسنا وكانت وجوه أهلها السمراء التى تشبه وجه إخناتون ونفرتيتى «جميلة الجميلات» فى انتظارنا نحن القادمون من العاصمة.. وبصحبة المحافظ الدكتور سمير فرج والأستاذ محمود صالح مدير مشروع مبادرة السيدة الفاضلة سوزان مبارك لتطوير المدارس كانت المحطة الأولى فى قرية الدير التى كانت تسمى من قبل دار أم على ثم أصبحت الدير أو الدار .. لقد خرجت من هذه القرية الطالبة الثانية على الجمهورية فى الثانوية العامة فى العام الماضى ريم عبد الرحمن .. ويخرج منها دائما أوائل المحافظة فى الشهادة الابتدائية والإعدادية ولذلك كان لابد من بدء تطوير مدارسها لكى تتاح الفرصة للكشف عن نوابغ فى جميع المجالات من أبناء مصر فى المدن البعيدة عن العاصمة والمدن الكبرى.. وبما أن بلدنا عظيمة بأبنائها الأوفياء والشرفاء فليس غريبا أن نجد أمثال أعضاء جمعية مصر الجديدة.. والتى أخذت مشروع مبادرة حرم رئيس الجمهورية لتطوير مدارس الأقصر (150 مدرسة) ففى المدرسة الإعدادية والابتدائية والثانوية بالقرية التى تم بها التطوير الشامل فى الفصول والخدمات وحتى البشر الأهالى البسطاء كم كانت سعادتهم وعودة الروح والأمل لهم مرة أخرى بأنهم مازالوا على خريطة مصر .. ولم يستبعدوا منها قال لى هذا أحد أبناء القرية.. كما قال لى أيضا عندما شعرنا بهذا عادت لنا روح الحب والانتماء.. وأول مشروع جمالى قمنا به نحن أبناء القرية هو جمع 120 ألف جنيه لعمل سور حول جبانات ومدافن القرية.. ونجمع أموالاً أخرى لعمل مشاريع أخرى للقرية.. لقد عادت لنا المحبة والتعاون مرة أخرى. وقال آخر نريد بناء كوبرى يصل بين جانبى الطريق ووحدة صحية حقيقية بها أطباء وإسعافات. أما السيدات فكانت لهن مطالب أخرى بسيطة وعجيبة فقالت لى إحداهن: تصورى يا أستاذة إن خلفة طفل أرخص من من شراء (أحد موانع الحمل) الناس غلابة وموانع الحمل غالية عليهم.. والنتيجة كثرة الإنجاب وكثرة الفقر والمرض.. وقالت أخرى: زواج القصر وتسجيل الأبناء باسم آخرين يتسبب فى مشكلة كبرى فى القرية والقرى المجاورة.. وجاءت على حديثنا سيدة ترتدى الزى الصعيدى المتميز.. البوردا قائلة: أنتم نسيتم مشكلتنا الكبرى.. أن عددًا كبيرًا من الستات من غير عائل.. الرجالة سافرت ليبيا والعراق والبندر ومارجعتش ومالناش حد يرعانا إحنا وعيالنا عايزين نشتغل أو نتعلم أى حاجة نصرف على العيال وناكل.. شاركت فى الحوار سيدتان كن المرشحتين لمجلس الشعب.. فقالت إحداهن: الحمد لله نظام الكوتة الذى سمح للمرأة الصعيدية بممارسة حقها الاجتماعى والسياسى.. وإن شاء الله بما إننا منكم ونعرف مشاكلكم الحقيقية سنسعى بكل جهدنا فى حلها. رجعت من إسنا وأنا سعيدة وكلى أمل إن فعلا هذه المشاكل ستحل فمشوار الألف ميل يبدأ بخطوة، وقلت لنفسى هذه هى مصر الجديدة بأبنائها الأوفياء والمخلصين.