لم يكن قد مضى على قيام ثورة 23 يوليو 1952 سوى أسابيع قليلة عندما علم «جمال عبدالناصر» بأن أحد الضباط الأحرار من سلاح الفرسان وهو «جمال منصور» يقول فى أحد الاجتماعات: نحن لم نخلع فاروق حتى نأتى ب 13 فاروق!! (فى إشارة واضحة لأعضاء مجلس قيادة الثورة والذين كان عددهم يومها 13 ضابطاً يرأسهم جمال عبدالناصر).!! لقد دفع «جمال منصور» وآخرون من الضباط الأحرار ثمن هذا الموقف وثمن إصرارهم على ضرورة إقامة حياة ديمقراطية سليمة إعمالاً للمبدأ السادس من مبادئ الثورة الستة. ولمن لا يعرف من قراء وأبناء هذه الأيام فقد كان جمال منصور هو الذى ابتدع اسم «الضباط الأحرار» وهو الذى كتب أول منشور باسم الضباط الأحرار تحت عنوان «نداء وتحذير» وهاجم فيه الملك فاروق.. و.. وهو الذى وضع مبادىء الثورة الستة مع باقى أعضاء اللجنة التأسيسية للضباط بسلاح الفرسان، وهو الذى اشترى آلة الطباعة «الرونيو» لطبع المنشورات وذلك باسم «محمد شوقى عزيز» ودفع ثمنها شقيقه «سعد منصور»، وهو الرجل الذى قال عنه الرئيس جمال عبدالناصر بعد سنوات للأستاذ الكبير «محمد حسنين هيكل»: الحقيقة الراجل ده ظلمناه، عمره ما طلب حاجة، وإحنا إدينا للى يسوى وللى ما يسواش ورقينا ناس ملهمش دعوة بالثورة.. وكل واحد أخذ له درجة أو درجتين.. أما جمال منصور فدخل وزارة الخارجية ملحقاً دبلوماسياً وكان أحق من غيره بأن ننصفه.»!! وفى كتاب السفير جمال منصور «ثورة الجيش المصرى: وثائق الإعداد والتمهيد 1945 - 1952 الصادر عن المكتب المصرى الحديث، فى هذا الكتاب عشرات القصص والحكايات والوقائع المدهشة والعجيبة. يقول السفير جمال منصور فى إحدى هذه الحكايات: «لم يكن جمال سالم من الوجوه المألوفة لدى الضباط، وكان ظهوره ضمن أعضاء مجلس قيادة الثورة مبعثاً للتساؤل، وفى حديث لى مع «خالد محيى الدين» فى المكتب برئاسة سلاح الفرسان، سألته عما قدمه جمال سالم من خدمات للثورة أو أى أعمال قام بها لكى يستحق كل هذا التقدير فلم يجب خالد بأى تعليق ولكنه قال إن «جمال سالم» كان يقدم خدمة جليلة لكل أعضاء مجلس الثورة، فقد كان العاذب الوحيد وكان يتولى «النوبتجية» عن أى عضو من أعضاء مجلس الثورة فى مكتب المجلس تحسباً لأى أحداث قد تحدث فى البلاد (!). وفى حكاية أخرى يقول السفير «جمال منصور»: فى أغسطس 1952 وصل إلى رئاسة سلاح الفرسان خطاب من كلية أركان حرب يفيد بأن السيد «حسين الشافعى» لم ينجح فى كلية أركان حرب وتسلم الخطاب السيد خالد محيى الدين بحكم موقعه فى رئاسة سلاح الفرسان، وقام خالد بتسليم الخطاب إلى السيد «حسين الشافعى» وما أن علم الشافعى بخبر عدم نجاحه حتى ذهب إلى القائد العام اللواء «محمد نجيب» وقال له إنه وقد أصبح رئيساً لسلاح الفرسان وعضواً بمجلس قيادة الثورة فإن موضوع رسوبه فى امتحان كلية أركان حرب يؤثر على موقفه وهو فى هذين الموقعين المهمين (!!). ولم يتردد اللواء «محمد نجيب» فأصدر أمره بنجاح السيد «حسين الشافعى» فى امتحان كلية أركان حرب، وبعد أسبوع جاء «حسين الشافعى» إلى سلاح الفرسان فى بدلته العسكرية وظهر على ياقة قميصه العلامات الحمراء التى تدل على أنه أصبح ضابط أركان حرب، وقابله أحد المقربين إليه من الضباط وسأله كيف تضع العلامات الحمراء على ياقة قميصك الكاكى دون أن تكون قد نجحت فى امتحان كلية أركان حرب؟! فرد حسين الشافعى بكل الثقة: لى عظيم الشرف أن أنجح فى كلية أركان حرب بأمر القائد العام! ويضحك خالد محيى الدين عالياً ويقول: لقد نجح حسين الشافعى فى كلية أركان حرب بأمر القائد العام!! وحكاية أخرى يرويها جمال منصور حدثت بعد مقولته الشهيرة «إننا لم نخلع فاروق لكى نأتى ب 13 فاروق فيقول: أصدر مجلس قيادة الثورة قراراً بإبعادى عن مركزى فى رئاسة سلاح الفرسان، ونقلى إلى رفح بالبوليس الحربى، فذهبت إلى حسين الشافعى قائد السلاح أستوضح منه الأمر فقال لى: إن الريح جاية عاتية ويجب أن ننحنى أمامها وعليك بتنفيذ النقل إلى رفح، ثم التقيت بعد ذلك مع ثروت عكاشة قائد ثان السلاح، الذى كان قد عرف بما حدث فقام بوحى من ضميره وأعد خطاباً بنقلى من سلاح الفرسان إلى التدريب الجامعى حيث كنت أعمل قبل قيام الثورة، وذهب ثروت عكاشة لمقابلة جمال عبدالناصر وطلب منه أن يوقع خطاب نقلى إلى التدريب الجامعى فوقعه جمال عبدالناصر وقال لثروت عكاشة: - أنا حأوقع هذا الخطاب ولكن قل لجمال منصور ألا يفتح فمه بكلمة واحدة عن الثورة أو تاريخها وإلا سأرسل له «كمال رفعت»، والمعروف عن هذا الأخير أن له بطولات فى الملاكمة!!» ولم تكن تلك القصص التى رواها جمال منصور إلا بعض غرائب وعجائب ثورة يوليو!!