كنت نائمة تماماً رغم أن الساعة لم تكن قد تعدت العاشرة مساء. رن جرس الموبايل بجوار رأسي، فتحت عيني دون أن أستيقظ ونظرت إلي شاشة التليفون وقرأت اسم «شهيرة» أحب صديقاتي إلي قلبي وأكملت النوم. بعد دقائق - ربما - استيقظت مرة أخري علي صوت يعلن استقبال رسالة sms فتحتها.. قرأت اسم مريض ومكانه في أحد أقسام الجراحة في مستشفي كبير وطلب من صديقتي نفسها أن أحاول مساعدته حيث إن حالته تتطلب تدخلاً عاجلاً، بالطبع أنا أفهم ما تقصده من المساعدة. أي البحث عن «واسطة» أبحث بين معارفي الأطباء عن أحد في نفس القسم أو أحد يعرف طبيباً في القسم.. أو.. بحث قد يطول وقد يقصر للوصول إلي طبيب يشرح لنا حالة المريض، ويحاول وضع اسمه علي قائمة الجراحة في موعد يناسب خطورة الموقف و.. أنهت صديقتي رسالتها بكلمة «تقدري». فأجبت بدون أن أستيقظ برسالة تحتوي كلمة واحدة «ما أقدرش». وألقيت الموبايل بعيداً وعدت إلي النوم العميق. في الصباح كنت أتذكر ما حدث كأنه حلم بعيد. اليوم قالت لي صديقتي: «هل تذكرين المريض الذي رفضت مساعدته منذ شهرين؟!» ضحكت قائلة: أيهم «فهم كثر»! ذكرتني بقصة الرسالة الليلية.. فتذكرت.. أكملت القصة قائلة: ذراع المريض تم بترها.. ألا تشعرين بالذنب؟.. قلت: لا.. طبعاً». لو كانت هذه القصة حدثت منذ 15 سنة لكنت قتلت نفسي شعوراً بالذنب، أما الآن فأثق بالتجربة أن الأمر أولاً وأخيراً ليس بيدي.. هذا لا يعني ألا أحاول المساعدة لكنه يعني أن الحياة ستسير كما هو مقدر لها سواء استطعت المساعدة أو فشلت. أشعر بالذنب فقط إن كانت الظروف تسمح وتكاسلت وأهملت، ولا النسيان. قالت صديقتي: «كنت أحاول أن أعطيك الفرصة لتتطهري من ذنبك وذلك بأن تساعدي المريض علي تركيب ذراع صناعية متحركة». هي بالطبع ترغب بشدة في مساعدة المريض الشاب الذي فقد ذراعه نتيجة ضربة بالشوم عليها أثناء تدخله لفض مشاجرة!! ثم ذهب إلي مستشفي كبير قريب من موقع المشاجرة فقام الطبيب بإجراء خياطة سطحية دون أن ينتبه إلي أن الشريان تمزق بفعل الضربة. وظلت الذراع علي هذه الحالة أياماً حتي عندما دخل المستشفي الثاني والذي كان يتوقع أن أساعده فيه.. حتي ذلك الحين لم يكن يعلم ماذا يحدث داخل ذراعه. ومر الوقت بحيث أصبح إنقاذ الذراع مستحيلاً وتم بترها. الشاب ضحية تعرض للظلم مرتين مرة بسبب شهامته، ومرة بسبب أهمال طبي. لذلك كله أرغب في مساعدته وليس لأنني مذنبة كما تحاول صديقتي العزيزة أن تقنعني.