جزء من عاداتى اليومية أن أستمع إلى المذياع أثناء رحلتى الطويلة من منزلى إلى مقر عملى، لذلك تتاح لى الفرصة أن أستمع فأستمع إلى أغانى هذه الأيام ، لاسيما بعض الأغانى القديمة التى تتخلل البرنامج اليومى لمحطة راديو مصر التى أفضلها وبشدة لأنها تستطيع بيسر وسهولة أن تطلعك على أهم وآخر الأنباء بالاضافة إلى أننى أعتقد أن الأغانى التى يقدمها راديو مصر تخضع لاختيارات معينة. فمن بين خمس أغنيات جديدة تجد أغنية لحليم أو وردة مثلا مما يسبب لى إحساساً جارفاً بالحنين إلى زمن الرومانسية، «الروقان»، زمن الإتقان، وذلك على الرغم من أننى سابقاً كنت أكره من يطلقون على الزمن الماضى بأنه زمن الفن الجميل أما الآن فلا نجد إلا الفجاجة والقبح، كنت أحارب فى مناقشاتى وأقول: علينا أن نبحث من بين الموجود على الساحة على نقطة نور، نقطة تأخذ بأبصارنا بعيدا عن هذه الفجاجة وهذا القبح. إلا أن الأيام لاتأتينا الآن إلا بالأسوأ، فما كنا ننكره منذ خمس أوعشر سنوات أصبح الآن أمرا واقعا أصبح من العادى أن نرى الفتيات الشبه عاريات فى الكليبات فى حين تصطدم فى الشارع بمئات المنتقبات ، أصبح القبح يطالعنا فى كل شىء حولنا بدءا من الشوارع إلى عوادم السيارات إلى المبانى حتى الأشخاص الذين كنا نرى فى سمارهم شيئاً مميزاً وجميلاً أصبح البؤس والغلب وشدة المعاناة مطبوعة على وجوههم، ملامحهم، مما يزيد وجوههم سنوات كثيرة على سنوات عمرهم الحقيقية إلى نشرات الأخبار التى تستمع إليها كل ربع ساعة ونهاية بقبح الأغانى ، والأغانى القبيحة ليس بالضرورة أن تحتوى على ألفاظ تؤذى مشاعرك ولكن «الركاكة» فى جمل الأغنية تجعلك تشعر أن هناك ذبابة قررت أن تعكنن عليك لحظتك فظلت تزن حول أذنك أما أنت يامسكين لا تستطيع أن تبعدها، كل ما تملكه أن تغير إلى محطة إذاعية أخرى لتجد ذبابة جديدة تزن فى أذنك كذلك . لذلك فإننى أحن لحليم وحبك نار ونعم ياحبيبى وعلى قد الشوق، أحن إلى وردة وإلى وأنا مالى، وحشتونى، أحن إلى رومانسية «طلب» وهو يعنى ساكن فى حى السيدة وحبيبى ساكن فى الحسين وحبيبتك وبحبك وح احبك على طول وأغنية لا أستطيع أن أصفها بأنها عاطفية فقط بل إنها حرب وإصرار على المحبوب أحن إلى عبدالوهاب وهو يغنى بفكر فى إللى ناسينى ، وبنسى إللى فاكرنى. لذلك لم تعد نشرات الأخبار هى التى تثير أعصابك بل كل شىء في حياتنا أصبح قبيحا شكلا وموضوعا. آخر حركة «عاقل من يتفرج على العالم» جملة قالها شاعر البرتغال الأشهر فرناندوبيسو ، وأنا أقول مجنون من يتفرج على مصر.