كان الدكتور سمير سرحان «1941- 2006» الرجل المناسب فى المكان المناسب دائمًا باعتباره وجهًا ثقافيًا بارزًا وهو ما أهله لتولى عدة مناصب فى وزارة الثقافة، منها على سبيل المثال رئيس أكاديمية الفنون ورئيس المجلس الأعلى للثقافة ورئيس هيئة قصور الثقافة حتى استقر به المطاف أخيرًا فى هيئة الكتاب التى تولى رئاستها من عام 1984 وحتى خروجه على المعاش عام 2003، وقد نجح الدكتور سمير سرحان خلال تلك الفترة فى تحويل معرض القاهرة الدولى للكتاب من مجرد معرض للكتاب إلى معرض عالمى يقدم الثقافة والإبداع ويجعل القاهرة بؤرة للأحداث الثقافية على مستوى العالم، والأهم فى مسيرة الدكتور سمير سرحان المثقف المهموم بتثقيف الناس فى بلده هو لقاؤه القدرى مع مهرجان القراءة للجميع حيث ما أن بدأ المشروع فى الظهور بفكرة لامعة للسيدة سوزان مبارك وسرعان ما تم تنفيذها، وكان الدكتور سمير سرحان الرجل المناسب للمساهمة فى إنجاح المشروع وتحوله إلى أهم مشروع ثقافى فى تاريخ مصر المعاصر، حيث تولى سمير بحكم منصبه تنفيذ المشروع بالتعاون مع الجهات المشاركة الأخرى وكان رئيسًا للجنة اختيار الكتب المشاركة فى المهرجان ومشروع مكتبة الأسرة أيضاً ، وكان الراحل يقضى طيلة فترة المهرجان فى مكتبه ولا يبارحه حتى تخرج الأمور فى أفضل حال. لدرجة أنه كان يقضى فى مكتبه أغلب ساعات العمل وحسبما كان يقول د. سمير سرحان «إن مهرجان القراءة للجميع ومشروع مكتبة الأسرة يحاولان استيعاب المشهد الثقافى والفكرى والإبداعى فى مصر عامًا بعد عام من خلال طرح أعمال جديدة وتقديم أسماء لم تنشر من قبل فى هذين المشروعين الرائدين بهدف اقتحام مجالات فكرية وثقافية وأصوات إبداعية جديدة. ويضيف: «سيظل هدفنا هو فتح نوافذ جديدة للقارئ المصرى للاطلاع على منابع الثقافة العربية والعالمية وتكوين ثقافته ومعرفته بأيسر السبل والوقوف أمام ما أنتجته عبقرية الأمم ممثلة فى تراثها الأدبى والثقافى والعلمى والفكرى المستنير حتى يستطيع القارئ مواجهة العنف والأصولية». وهنا نتوقف عند حكاية رواها لى عدد من أصدقاء الراحل وزملائه فى العمل وتعود الحكاية إلى أوائل التسعينيات حين كانت الجماعات الإرهابية تسيطر على المشهد الفكرى فى مصر مما دعا د. سمير سرحان إلى مواجهة تلك الأفكار الظلامية بأفكار مستنيرة وهو ما تمثل فى سلسلتى كتب المواجهة والتنوير الصادرتين عن الهيئة العامة للكتاب، ولكنهما لم تحققا النجاح المطلوب وكان مهرجان القراءة للجميع ومكتبة الأسرة بمثابة طوق النجاة لأفكار وأحلام د. سمير سرحان الذى أبدع من خلال دوره المهم فى المشروعين وحصد النجاح والتميز مع جميع العاملين فى المشروعين المهمين. وكان للدكتور سمير سرحان جهد كبير فى نجاح مهرجان القراءة للجميع منذ انطلاقه، حيث أشرف على المهرجان منذ بدايته بحكم منصبه كرئيس هيئة الكتاب الجهة التى كان موكلا إليها تنفيذ المشروع بالتعاون مع الجهات المشاركة الأخرى، كما أشرف على إصدارات مكتبة الأسرة، التى صدر منها من عام 1994 إلى الآن أكثر من 8 آلاف عنوان تمثل 60 مليون نسخة كتاب، ولعب سرحان دورا جوهريا فى نجاح المهرجان وكان بمثابة الدينامو فيه وقد استفاد من خبرته الطويلة فى العمل الثقافى وتعلمه على يد أساتذة كبار فى الحقل الثقافى مثل د. رشاد رشدى ووظف ما تعلمه لصالح المهرجان منذ بدايته. وبفضل جهود العاملين فى المهرجان منهم سرحان طلبت هيئة اليونسكو تطبيق التجربة المصرية فى القراءة للجميع ومكتبة الأسرة مع كل دول العالم الثالث حتى يساهم اليونسكو بدعم مادى ضخم لكل دولة تطبق التجربة ،كما قامت المنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم بتطبيق التجربة المصرية بمكتبة عربية، وقد اتخذت الدكتور سمير سرحان خبيراً عربياً فى هذا المجال. وبرغم خروج د. سمير سرحان على المعاش عام 2003 وخروجه من رئاسة الهيئة العامة للكتاب إلا أنه ظل ذا صلة وثيقة بمهرجان القراءة للجميع ومشروع مكتبة الأسرة، ويحسب له أن عدة جهات أكاديمية وثقافية كانت ترشحه لنيل جوائز الدولة إلا أنه كان يعتذر عن الترشح لوجوده داخل المنصب، ولم يقبل الترشح إلا بعد أن ترك وظيفته وقبل وفاته نال د. سمير سرحان جائزة الدولة التقديرية فى الأدب بعد أن رشحته جامعة المنصورة ونال الجائزة عن مجمل أعماله الإبداعية المتنوعة والتى تنوعت بين الإبداع والنقد والمسرحيات مثل مسرحيته المهمة «امرأة العزيز» وكتابه المهم «على مقهى الحياة» الذى سرد فيه جزءًا مهمًا من سيرة حياته وأساتذته ورؤيته للحياة والبشر الذين عاش معهم وتأثر بهم. ود. سمير سرحان برغم رحيله الجسدى عنا سيظل علامة مهمة فى مسيرة مهرجان القراءة للجميع ومشروع مكتبة الأسرة فضلاً عن دوره المهم فى الحياة الثقافية المصرية والعربية. وسرحان تخرج من قسم اللغة الإنجليزية من جامعة القاهرة ثم عمل معيدًا ثم أستاذًا للأدب الإنجليزى بعد حصوله على الدكتوراة من جامعة أنديانا الأمريكية، وكان الراحل متزوجًا من نهاد جاد إحدى العلامات المميزة فى تاريخ الصحافة وابنة «روزاليوسف» وله ثلاثة أبناء هم حاتم الذى رحل عنا من سنوات، وخالد الممثل الشاب وابنة شابة لم تتجاوز الثالثة عشرة من عمرها هى لارا التى كان سرحان يقضى سنوات عمره الأخيرة معها.