أشياء قليلة يجيزها القانون ولكنها تتعارض مع الأخلاق والقيم الإنسانية المتعارف عليها فى التاريخ الإنسانى مثل الكرامة والتعفف والإيثار والتضحية. من بين هذه الأشياء «حق» جميع المصريين فى استخراج قرارات علاج على نفقة الدولة دون النظر إلى الحالة المادية لصاحب الطلب، وما إذا كان يملك بالفعل الصرف على علاجه فى الداخل أو الخارج أو كان فقيرا لا يملك مصروفات أسرته الأساسية. وقد اكتشفنا مؤخرا أن وزراء مازالوا فى الحكومة ومسئولين كباراً قد استخدموا «حقهم» فى العلاج بالخارج بتكلفة تصل إلى الملايين على الرغم من أنهم أغنياء لا يعتمدون على أجورهم الرسمية، ويمتلكون «البزنس» الخاص بهم، والذى نريد أن نصدق أن هذا «البزنس» جاء بجهودهم الشخصية ونطلب من الله أن يبارك فيه بشرط الالتزام بالواجب الأخلاقى نحو المجتمع الذى تعانى نسبة كبيرة منه من تدنى الأجور والدخول والوصول إلى الاستحقاق للحصول على الزكاة. لذلك حين يصرخ أحدهم «ذمتى خط أحمر» ويتحدث آخر عن معاناته فى النوم على ظهره شهوراً ويشكر ثالث كل من تكبد مشقة السؤال والدعاء بالشفاء وجميعهم عولج هو أو زوجته على نفقة الدولة فى الخارج فى أغلى المستشفيات.. لابد أن نقول لهم وبكل الصدق: صحيح أنكم لم تخالفوا القانون ولكنكم استحللتم وأنتم الأغنياء أموالا كانت كافية لعلاج آلاف الفقراء الذين يقفون على أبواب المستشفيات طالبين العلاج من السرطان والفشل الكلوى وأمراض الكبد. وأنكم لو دفعتم تكاليف علاجكم من ثرواتكم الكبيرة عملا بقيم الكرامة والتعفف والإيثار، كنتم ستحصلون على الرضا النفسى ورضاء الله ودعوات الفقراء وهى أشياء غالية جدا لو كنتم تعلمون! القضايا التى ترتبط بحياة الناس تحتاج إلى اهتمام ورعاية أكبر وأسرع حتى تتم محاسبة الجانى ومعاقبته وحتى يخاف المسئول ولا تتكرر الأخطاء والكوارث وحتى وهو الأهم أن يشعر المواطن أن هناك عدالة تعيد له حقوقه. ومن أهم قضايا الفساد التى ظهرت فى الشهور الأخيرة قضية مبنى معهد الأورام الذى تصدع قبل مرور 14 عاما على تسلمه، والذى استدعى إخلاء معظم أجنحة المبنى وتشرد مرضى السرطان وهو أكثر الأمراض خطورة وإيلاما وعذابا ما بين الأرصفة والمستشفيات التى لا تملك إمكانيات العلاج المتخصص. لقد نامت القضية مع نوم الآلاف من مرضى السرطان على الأرصفة وأصبحت النغمة السائدة هى البحث عن أماكن أخرى للعلاج وبحث هدم المبنى أو ترميمه وأيهما أقل فى التكلفة. لقد شارك فى بناء المعهد شركات قطاع عام ومقاولون قطاع خاص وأشرف على التنفيذ والاستلام لجان من لجنة الأبنية وأساتذة الجامعة ومستشارون من وزارة الصحة، مما يعنى أن المسئولية متشعبة بين أكثر من وزارة؛ «التعليم العالى والصحة» وأكثر من هيئة وأكثر من مسئول، ولكن الغريب أن التحقيقات الأولية أكدت أنها لم تجد الملف الخاص بالمبنى والمسجل به كل التفاصيل والأسماء؛ فكيف يختفى ملف بهذه الأهمية رغم أن عمر القضية لم يتعدَّ عشرين عاما؟! وماذا عن الملفات الأقدم التى قد نحتاجها فى أى وقت؟! هل نبحث عنها عند باعة التسالى؟! الأغرب أن التحقيقات الأولية أكدت أيضا أن المسئولين عن استلام المبنى ماتوا أو يعانون من مرض الموت، وبذلك لم تجد من يقوم إلى المحاكمة. الأخطر أن سبب تصدع هذا المبنى هو استخدام أنواع من الأسمنت المستورد الفاسد والذى تسبب فى تأكسد الحديد، فهل مات كل من استورد أو وافق على استيراد هذا الأسمنت أيضا؟! وهل اهتم أحد بتحديد كل المبانى التى بنيت فى هذه الفترة بنفس أدوات البناء المغشوشة، وبالتأكيد منها مدارس وعمارات ومصانع حتى تتم صيانتها أو ترميمها قبل أن تهدم على رءوس من فيها؟! اهتموا بالقضايا الخطيرة التى ترتبط بحياة الناس.. قبل فوات الأوان.؟