تنسيق الجامعات 2025، فتح موقع التنسيق أمام الطلاب للتسجيل.. 10 خطوات لكتابة الرغبات وطريقة ترتيبها.. ومفاجآت بشأن مؤشرات القبول بالكليات    نائب رئيس جامعة الإسكندرية يزور فرع الجامعة في تشاد    هيئة الإسعاف: نجحنا في نقل 30 ألف طفل مبتسر بشكل آمن خلال 2025    «التضامن» تقر تعديل وتوفيق أوضاع جمعيتين في القاهرة والبحيرة    السيسي يصدر قانونا مهما، تعرف عليه    التحليل الفني لمؤشرات البورصة المصرية اليوم الثلاثاء 29 يوليو 2025    أسعار الأسماك اليوم الثلاثاء 29 يوليو 2025 في شمال سيناء    المشاط: 22.2 مليار دولار إجمالي تمويلات المؤسسة الدولية الإسلامية لمصر    رصيف محطة هاتشيسون بميناء السخنة يستقبل 3 اوناش عملاقة من طراز STS    منال عوض تبحث الموقف الحالي للتعاون مع شركاء التنمية والمشروعات البيئية الحالية    وزير الخارجية: مصر لن تقبل بتصفية القضية الفلسطينية    وزير الخارجية يؤكد على استمرار مصر في جهودها الحثيثة للوساطة للتوصل لاتفاق لوقف إطلاق النار    برنامج الأغذية العالمي: حاجة ملحة لزيادة المساعدات لغزة قبل فوات الأوان    الكشف عن ترتيب محمد صلاح في أفضل صفقات الدوري الإنجليزي عبر التاريخ    «مفاوضات صعبة».. الكشف عن آخر تطورات موقف ديانج مع الأهلي    وزير الشباب والرياضة يُطلق «يوم مصر الرياضية» احتفالًا بأول إنجاز أوليمبي مصري    إحالة عاطل للجنايات بتهمة تزوير مستندات والنصب على راغبي السفر بالقاهرة    حر نار.. حالة الطقس اليوم بالبلاد وارتفاع شديد في درجات الحرارة    التعليم تعلن عن وظائف بمدارس التكنولوجيا التطبيقية.. الشروط والتفاصيل    مصرع أستاذ جامعي في حادث انقلاب سيارة بالشرقية    ضبط 4 أطنان دقيق «مدعم وحر» في حملات تموينية على الأسواق خلال 24 ساعة    «الداخلية»: ضبط 117 ألف مخالفة مرورية وفحص 3014 سائقا خلال 24 ساعة    خالد سليم وهشام خرما في ختام فعاليات صيف الأوبرا 2025 باستاد الإسكندرية    يوسف معاطي يكشف كواليس وأسرار من مسيرته الفنية: "سعاد حسني تمنت العودة للمسرح ومحمود ياسين انسحب بسبب المرض"    الصحة: إصدار 28 ألف قرار علاج على نفقة الدولة لمرضى التصلب المتعدد    «الصحة» توقع مذكرة تفاهم لتطوير رعاية مرضى التصلب المتعدد    رئيس هيئة الرقابة الصحية: التأمين الصحي الشامل يحفز القطاع الخاص لتحسين جودة الرعاية الأولية    وزير العمل: التعليم الفني يشهد طفرة كبيرة في السنوات الأخيرة بتعاون وجهود ملحوظة من القطاع الخاص    معيط: دمج مراجعتي صندوق النقد يمنح مصر وقتًا أوسع لتنفيذ الإصلاحات    نقيب المهندسين ل طلاب الثانوية العامة: احذروا من الالتحاق بمعاهد غير معتمدة.. لن نقيد خريجيها    ارتفاع حصيلة ضحايا إطلاق النار فى نيويورك ل5 أشخاص بينهم ضابط شرطة    رئيس اتحاد طنجة: عبد الحميد معالي اختار الانضمام إلى الزمالك عن أندية أوروبا    كريم رمزي يعلق على ستوري عبد القادر.. ويفجر مفاجأة بشأن موقف الزمالك    ثنائي المصري أحمد وهب وأحمد شرف ضمن معسكر منتخب الشباب استعدادًا لبطولة كأس العالم بشيلي    إسرائيل ترفض إتهامات جماعات حقوقية إسرائيلية لها بارتكاب إبادة جماعية في غزة    مصرع 30 شخصًا في العاصمة الصينية بكين جراء الأمطار الغزيرة    من «ظلمة» حطام غزة إلى «نور» العلم فى مصر    بدء اختبارات مشروع تنمية المواهب بالتعاون بين الاتحادين الدولي والمصري لكرة القدم    وزير الثقافة يشهد العرض المسرحي «حواديت» على مسرح سيد درويش بالإسكندرية    لا تليق بمسيرتي.. سميرة صدقي تكشف سبب رفضها لبعض الأدوار في الدراما    تحت عنوان «إتقان العمل».. أوقاف قنا تعقد 126 قافلة دعوية    السيطرة على حريق بمولدات كهرباء بالوادي الجديد.. والمحافظة: عودة الخدمة في أقرب وقت- صور    مرشح الجبهة الوطنية: تمكين الشباب رسالة ثقة من القيادة السياسية    «النادي ممكن يتقفل».. رسائل نارية من نصر أبوالحسن لجماهير الإسماعيلي    صراع على السلطة في مكان العمل.. حظ برج الدلو اليوم 29 يوليو    توماس جورجيسيان يكتب: دوشة دماغ.. وكلاكيت كمان وكمان    غادة عادل vs صبا مبارك.. انطلاق تصوير «وتر حساس» الجزء الثاني    محافظ سوهاج يوجه بتوفير فرصة عمل لسيدة كفيفة بقرية الصلعا تحفظ القرآن بأحكامه    الرئيس الفلسطيني يثمن نداء الرئيس السيسي للرئيس الأمريكي من أجل وقف الحرب في غزة    الاندبندنت: ترامب يمنح ستارمر "الضوء الأخضر" للاعتراف بدولة فلسطينية    أخبار 24 ساعة.. انطلاق القطار الثانى لتيسير العودة الطوعية للأشقاء السودانيين    لها مفعول السحر.. رشة «سماق» على السلطة يوميًا تقضي على التهاب المفاصل وتخفض الكوليسترول.    للحماية من التهاب المرارة.. تعرف على علامات حصوات المرارة المبكرة    مي كساب بإطلالة جديدة باللون الأصفر.. تصميم جذاب يبرز قوامها    ما الوقت المناسب بين الأذان والإقامة؟.. أمين الفتوى يجيب    هل "الماكياج" عذر يبيح التيمم للنساء؟.. أمينة الفتوى تُجيب    إلقاء بقايا الطعام في القمامة.. هل يجوز شرعًا؟ دار الإفتاء توضح    أحمد الرخ: تغييب العقل بالمخدرات والمسكرات جريمة شرعية ومفتاح لكل الشرور    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



واحة وبشر!
نشر في صباح الخير يوم 13 - 04 - 2010

ظلت منعزلة آلاف السنين.. سكانها بسطاء لأبعد الحدود.. لكنهم فى غاية الذكاء نسبة الجريمة لديهم تكاد تقترب من الصفر وجرائم القتل تحدث مرة كل 20 أو 30 عاماً وقد لا تحدث على الإطلاق.. أنها محافظة الوادى الجديد أو الصحراء الجنوبية كما كان يطلق عليها حتى عام 1958.
جاء خطاب الرئيس جمال عبدالناصر مساء يوم الثلاثاء 23 ديسمبر 1958 بمناسبة الاحتفالات بأعياد النصر ببورسعيد ليحمل المفاجأة إنشاء وادى جديد موازٍ لوادى النيل بالصحراء الغربية، وتكليف وزارة الحربية بدراسة وتنفيذ المشروع، ووصلت أول قافلة للتعمير من سلاح المهندسين المصرى إلى أراضى الواحات الخارجة مساء يوم الأحد 3 أكتوبر ,1959. وبدأت رحلة البحث عن الحياة فى الصحراء الجنوبية وهو الاسم الذى كان يطلق على منطقة الواحات الداخلة والخارجة والفرافرة وباريس قبل أن تسمى محافظة الوادى الجديد وقد صدر القرار الجمهورى بالاسم الجديد للمحافظة فى أكتوبر 1961.
كان الهدف من قرار الرئيس عبدالناصر إنهاء عزلة الواحات التاريخية عن الوادى والدلتا وزرع المزيد من البشر فى تلك المنطقة التى تمثل 44% من ساحة مصر ولا يزيد عدد سكانها فى ذلك الوقت على بضعة آلاف من السكان، فمما لا يعرفه الكثيرون أن أهالى الواحات لم يشعروا بقيام ثورة 23 يوليو 1952 كما شعر بها سكان الوادى والدلتا فى محافظات الصعيد ووجه بحرى، حيث كانت المحافظة منعزلة تماماً عن مصر ولا توجد بها طرق ممهدة أو مرصوفة تربطها بالمحافظات الأخرى.. كما لم يطبق فيها قانون الإصلاح الزراعى الذى أصدرته الثورة عام 1953 لعدم وجود طبقة الملاك الزراعيين الذين يملكون مساحات ضخمة من الأراضى الزراعية فيما عرف فى الوادى والدلتا باسم الإقطاعيين، حيث كانت الواحات دائماً جزرا خضراء منعزلة وسط الصحراء..
وكما يقول الحاج إبراهيم خليل مدير مكتبة مبارك العامة بالخارجة كانت حركة نقل البضائع وانتقالات المواطنين من وإلى الواحات تتم عن طريق قطار صغير نفذته شركة إنجليزية كانت تبحث عن المعادن بالواحات عام 1910 حيث وصلت بخط السكك الحديد إلى قرية الشركة التى كانت تسمى برقم «55» كعادة الإنجليز فى تسمية قرارهم وشوارعهم بالأرقام، وكان الرقم لبئر قامت بحفرها الشركة لزراعة المحاصيل الزراعية والخضروات لتوفير المعيشة لعمالها الذين أحضرتهم للعمل فى المشروع، لكن توقف المشروع وإفلاس الشركة أدى إلى توقف القطار إلى أن اشترته الحكومة المصرية وقامت بتشغيله مرة أخرى لخدمة أهالى الواحات وكان محطته الرئيسية متفرعة من محطة سكة حديد أسيوط القاهرة وكان يطلق عليها مواصلة «الواحات» والذى كان ينتهى فى شمال مدينة الخارجة وهو مقر المحطة النادى الاجتماعى للمحافظة الآن..
وكانت رحلة السفر فى هذا القطار تستغرق من 10 إلى 12 ساعة لمدة يوم واحد فى الأسبوع حتى مساء الأربعاء من أسيوط إلى الواحات وصباح الأربعاء من الخارجة إلى أسيوط، ولا توجد أية مواصلات أخرى غير ذلك، أما مواطنو الداخلة والفرافرة فكانوا يحضرون إلى الخارجة لاستخدام هذا القطار عن طريق سيارات لورى من مخلفات الجيش الإنجليزى والتى اشتراها عُمد ومشايخ الداخلة من ورش السبتية بالقاهرة وتم تشغيلها لنقل المواطنين من الفرافرة والداخلة إلى الخارجة وكانت الرحلة تستغرق ما يزيد على 24 ساعة فى طريق غير ممهد ومعاناة شديدة بسبب غرز السيارات فى الرمال مرات عديدة واضطرار الركاب من أهالى الواحات للنزول مرات عديدة لوضع الصاج تحت العجلات لتحريك السيارة ثم الركوب مرة أخرى..
وكان اللورى يطلع مرة واحدة يوم 25 من كل شهر حاملاً المواد التموينية والبوستة والمواد الأخرى التى يريد أهالى الواحات الداخلة بيعها فى الداخلة أو نقلها إلى أسيوط، كذلك كان اللورى يحمل برميلا مليئا بالمياه وآخر به بنزين وعجول وبقرات لتوفير اللحوم لمدينة الخارجة، ويؤكد الحاج إبراهيم أنه ركب هذا اللورى للوصول إلى الفرافرة عام 1962 وظل اللورى سائراً فى الصحراء لمدة 24 ساعة حتى ظنوا أنه تاه فى منطقة بحر الرمال العظيم.
أما الفرافرة فكانت تابعة لمحافظة مرسى مطروح وكانت تعتمد فى معيشتها على حملة تفتيش سلاح الحدود التى كانت تطلع مرة كل 9 شهور حاملة البوستة والطعام ومواد الإعانة لمعسكراتها فى الصحراء ومنها إلى أهالى واحة الفرافرة.
البساطة والذكاء
والناس فى الوادى الجديد بسطاء إلى أبعد الحدود، أذكياء إلى أقصى مدى.. يفضلون الاعتماد على أنفسهم فى كل شىء.. وقد أخذوا هذه الصفات من الواحة التى يقول تعريفها البسيط: هى المكان المزروع بالنخيل والأشجار حول عين الماء وسط الصحراء القاحلة.
إذن فحياتهم سهلة بلا تعقيدات.. آمنة بلا خوف صحيح أن الصحراء المحيطة بواحاتهم قد عزلتهم عن الناس فى الوادى والدلتا لكنها حمتهم أيضاً من الغرباء والطامعين ومازال يذكر التاريخ ماذا حدث لجيش قمبيز فى رمال الصحراء الغربية، كما أن اتساع الأرض القابلة للزراعة ووفرة المياه لم يجعل هناك مجالا للنزاع حول مصادر الحياة الأساسية، كما أن بُعد المساحات بين الواحات والقرى من أقل مسافة بين قرية وأخرى 5 كيلومترات جعلت الاعتماد على النفس فرض عين على كل من يعيش فى القرية أو الواحة، لذلك تجد أن أهالى الواحة يزرعون جميع المحاصيل الزراعية التى يحتاجونها فى حياتهم طوال العام، كذلك يقومون ببعض الصناعات اليدوية المعتمدة على زراعاتهم أو المختلفة فى الواحة أو حتى مخلفات هذه الزراعات مثل صناعة الأثاث الخشبى من جريد النخل، كذلك خلط قش الأرز بالطفلة لصناعة الطوب اللبن الذى مازالت بقاياه موجودة فى قرى كاملة فى الوادى الجديد مثل قريتى القصر الإسلامية وبلاط القديمة التى مازالت مبانيها قائمة رغم مرور ما يقرب من 500 عام على بناء مساكنها بالطوب اللبن المخلوط بقش الأرز.
أما الأشياء الأخرى التى قد يحتاجها أهالى الواحة، فيتم شراؤها فى خلال مواسم التجارة التى يقوم فيها بعض التجار من أهالى الواحة ببيع محصول البلح فى أسيوط أو سوهاج وشراء بعض أنواع الحُلى والملابس لبيعها فى الواحة.
والبلح فى الواحات له وضع خاص مثل محصول القطن عند الفلاحين فى محافظات الدلتا حيث يرتبط بموسم جنى البلح فى الواحات بإقامة الأفراح وحفلات الزفاف.. فالبلح هو المحصول الرئيسى فى الواحة وتتميز الواحات بإنتاج أنواع معينة من البلح تجد إقبالاً كبيراً من المواطنين فى جميع المحافظات، لذلك كان أهالى الواحة يؤجلون الوفاء بجميع ارتباطاتهم المادية لحين بيع البلح.
رد الجميل
وأهم ما يميز أهالى الوادى الجديد أيضاً أنهم يشعرون بالامتنان ويحفظون الجميل لمن يساعدهم فلم ينس أهالى الواحات فى الخارجة والداخلة وباريس جهود المحافظين المختلفين الذين تولوا مهام الإدارة فى الوادى الجديد فلم ينسوا مثلاً المهندس إبراهيم شكرى الذى كان أول من فكر فى مد مياه النيل إلى الوادى الجديد حيث كان يأمل فى إنشاء عدد من المراعى المفتوحة لتربية الماشية بأعداد ضخمة على غرار مراعى وسط أفريقيا، عندما كان محافظاً للوادى الجديد فى السبعينيات، وكذلك الحال مع المهندس كمال الجنزورى الذى أعاد التفكير فى هذا المشروع من خلال توصيل مياه النيل إلى واحة باريس عبر خور توشكى وكانت سياسة التخطيط الجيدة التى اتبعها فى الوادى الجديد سبباً فى اختياره وزيراً للتخطيط فرئيساً للوزراء فيما بعد. أما اللواء أحمد مختار محافظ الوادى الجديد الحالى فيعتبره أهالى الواحات واحداً منهم، فمنذ اليوم الأول لتوليه منصبه كمحافظ الوادى الجديد فى 2006 عمل المحافظ على الاختلاط والالتحام بالناس حيث يشاهده الكثيرون من أهالى الواحات وهو يتجول بشوارع الخارجة والداخلة وباريس، وهو يقوم بشراء احتياجاته الشخصية من السوبر ماركت والمخابز للتأكد بنفسه من مدى صلاحية المواد الغذائية التى تباع فى الوادى الجديد كذلك لمعرفة أحوال السوق عن قرب، ورغم قلة عدد سكان الوادى الجديد الذين لا يزيدون على 200 ألف نسمة إلا أن الخدمات التى نجح اللواء أحمد مختار فى توفيرها لهم تفوق بكثير العديد من المحافظات الأخرى المكتظة بالسكان وذلك فى جميع المجالات بدءًا من تمهيد ورصف الطرق وحتى المستشفيات والخدمات الصحية مروراً بخدمات الإسكان والتعليم.
بداية الحياة
يقول الحاج محمد حسن السيد أحمد عضو مجلس المحافظة وأحد قدامى سكان الواحات وبالتحديد قرية قورمشين بالخارجة: بدأ تعمير الوادى الجديد وزرعه بالبشر من عام 1962 حيث قامت الدولة ممثلة فى سلاح المهندسين بحفر الآبار وبناء البيوت فى القرى المختلفة ثم اختيار الفلاحين من محافظات الصعيد للمجىء للوادى الجديد بشرط أن يكون الفلاح متزوجا وليست لديه سوابق جنائية أو مطلوباً للثأر، ولا يملك أرضاً زراعية فى بلده الأصلية، وذلك حتى يكون متفرغاً لزراعة الأرض الجديدة التى أعطته له الدولة بواقع خمسة أفدنة لكل فلاح بالإضافة إلى منزل ريفى به سرير وكنبة ودولاب وبقرة و20 فرخة، ومخزن به كمية من القمح والغلال تكفى لمدة 40 يوماً.
ويؤكد محمد حسن أن الأراضى الزراعية فى الوادى الجديد خصبة جداً وتصلح لزراعة جميع أنواع الخضار والزراعات البستانية لكن التكلفة العالية لحفر الأراضى تؤخر عملية التوسع الزراعى السريع، فبئر المياه التى تكفى لزراعة مساحة تتراوح بين 200 و 300 فدان تتكلف ما بين 600 ألف ومليون جنيه.. لذلك فأنا أدعو الدولة لأن تساهم بجهودها للمساعدة فى زيادة الرقعة الزراعية فى أراضى الوادى الجديد عن طريق تحملها تكلفة البئر الأولى لزراعة الأرض، كذلك التفكير جدياً فى توصيل مياه النيل إلى الوادى الجديد خاصة أنه مشروع قديم يمكن أن يضيف للرقعة الزراعية ما بين مليونين إلى 3 ملايين فدان لأنه سيقلل تكلفة الاستصلاح بنسبة كبيرة والتى تلتهم تكلفة حفر الآبار العالية الجزء الأكبر منها.
نسبة الجريمة صفر
ويرسم العميد محمد أحمد هارون رئيس مدينة الداخلة مزيداً من ملامح الناس فى الواحات فيقول: مواطن الواحات هو إنسان مهذب مطيع لا يميل للعنف لذلك تجد أن نسبة الجريمة فى الوادى الجديد تكاد تقترب من الصفر، حيث لا تجد الجرائم الكبرى كالقتل والسرقة بالإكراه والاغتصاب تحدث على أراضى الواحات مثلما تحدث كثيراً فى المحافظات الأخرى، وجرائم القتل هنا تحدث مرة كل 20 عاماً وربما 30 عاماً، فالمجتمع هادئ جداً وهو صاحب مزاج متعاون وليس معارضا بالمرة، ويعود ذلك إلى طبيعة الحياة داخل الواحات نفسها كذلك يعود إلى أن الناس هنا تشعر أن المسئولين عن الإدارة المحلية بدءاً من المحافظ اللواء أحمد مختار وكذلك رؤساء المدن وحتى أصغر مسئول فى الإدارة المحلية يبذلون كل ما فى وسعهم لخدمتهم، ويؤكد العميد هارون أن المحافظة تشجع الشباب على استصلاح الأراضى فى الوادى الجديد ولكن ليس بشكل فردى وإنما فى صورة شركات مساهمة للتغلب على التكلفة الكبيرة لعملية الزراعة خاصة بالنسبة لحفر الآبار، وكذلك حتى نتجنب مشكلة تفتيت الأراضى الزراعية التى كانت منها الأراضى الزراعية الثرية فى الوادى والدلتا.
المرأة فى الوحات
كانت زيارتى للوادى الجديد للمشاركة فى ورشة العمل التى نظمها مركز بحوث ودراسات المرأة فى كلية الإعلام برئاسة د. إيناس أبو يوسف بالتعاون مع مؤسسة فريدريش إيبرت الألمانية بعنوان «نحو معالجة أكثر انصافاً لقضايا المرأة فى الوادى الجديد»، بمشاركة نحو 25 صحفياً يمثلون مختلف الصحف القومية والحزبية والخاصة بالإضافة إلى بعض العاملين بالإذاعات وقنوات التليفزيون المختلفة.
وذلك ضمن برنامج التعرف على أحوال المرأة فى المحافظات المختلفة والذى ينظمه مركز بحوث ودراسات المرأة فى كلية الإعلام بالتعاون مع فريدريش إيبرت الألمانية وزرنا خلاله حوالى 22 محافظة على مدى 6 سنوات، والتى بدأت بزيارة الفيوم في 5 مارس 2004 بزيارة الفيوم وكانت ترأس مركر المرأة وقتها د. نجوي كامل وكيل كلية الإعلام الآن والتي تميز أسلوبها بالسرعة والحسم لكن بهدوء وابتسامة فكانت تفعل ما تريد لكن بدون أن تغضب أحداً.
ورغم أننا تعودنا خلال زيارتنا لباقى المحافظات على أن نلتقى بالمحافظ مرة واحدة فى بداية تواجدنا فى المحافظة أو فى نهاية الزيارة، إلا أن اللواء أحمد مختار محافظ الوادى الجديد حرص على أن يقابلنا مرتين وليس مرة واحدة، كانت الأولى فى حفل استقبال فى اليوم الأول لوصولنا مدينة الخارجة والثانية فى آخر يوم لوجودنا فى الوادى الجديد فى مدينة الداخلة، وقد بدأ المحافظ هادئاً فى رده على أسئلة الصحفيين حتى عندما فاجأته أحد الزميلات فى معرض سؤالها عن أحوال المرأة فى الوادى الجديد بالقول «يظهر أنك عدو المرأة» ضحك المحافظ موضحاً أن رؤيته لتمكين المرأة تقوم على تشجيعها وإزالة العقبات أمامها لكى تأخذ حقوقها بنفسها لا أن نأتى لها بهذه الحقوق وهى جالسة فى مكانها، وهو ما اتبعه مع ابتسام أبو رحاب عضو مجلس الشورى المنتخبة عن الوادى الجديد عندما قابلها لأول مرة بعد أن تولى المحافظة فى عام 2006 حيث شجعها على خوض الانتخابات لتكون أول امرأة منتخبة فى مجلس الشورى على مستوى مصر كلها، وهو ما جعل المحافظ يبدو متسقاً مع أفكاره عندما قال أنه ضد كوتة مقاعد المرأة فى البرلمان رغم أن هذا القول فاجأ الصحفيين الموجودين فوجهة نظر اللواء أحمد مختار أن انتزاع المرأة لحقوقها بنفسها مع بعض التشجيع يجعل هذه الحقوق حقاً مكتسباً أبدياً وليس مرتبطاً بمنحة أو ميزة تجد من يعطيها لها اليوم وقد يظهر غداً من يحجبها عنها.
كذلك تميز المحافظ بالرجوع إلى قيادات المحافظة المسئولة عن القطاعات المختلفة بها عندما يتعلق الأمر بأرقام وإحصاءات دقيقة لذلك رأينا مديرى الزراعة والرى والصحة يتحدثون كثيراً فى اللقاء، فمثلاً عند سؤاله عن تناسب مخزون المياه الجوفية بالصحراء الغربية مع خطة التوسع الزراعى فى الوادى الجديد والتى قال المحافظ أنه يخطط لأن تصل إلى 5,6 مليون فدان أكد مدير الرى بالأرقام والدراسات العالمية والمحلية وجود نهر من المياه الجوفية تحت الأرض بالصحراء الغربية لكيفية التوسع الزراعى بدون الخوف من نضوبه لفترات كبيرة قادمة.
أيضاً كان المحافظ صريحاً فى رده عن أسباب عدم وجود جهاز لفحص أورام الثدى فى المحافظة رغم خطورة هذا المرض وانتشاره بصورة كبيرة فى جميع أنحاء مصر، فبينما حاول بعض المسئولين فى المحافظة تجميل الصورة واستخدام عبارات مثل «كأن وحيثما ولأن وبينما» قال الرجل صراحة أن الجهاز غير موجود وعلينا توفيره بدلاً من الكلام عن الاعتماد على مراكز الأورام فى المحافظات المجاورة للوادى الجديد والبعيدة أصلاً عن المحافظة.
وكانت إدارة د. إيناس أسعد يوسف للقاء الصحفيين مع المحافظ ذكية جداً وهو ما يميز د. إيناس فى اللقاءات التى حضرناها مع المحافظين فى جميع المحافظات التى زرناها من قبل حيث تتدخل فى الوقت المناسب وبطريقة ناعمة لإعادة النقاش مع المحافظ إلى مساره الطبيعى بعيداً عن الدخول فى حوارات أو موضوعات جانبية تشتت أذهان الحاضرين بدون فائدة.. خاصة بعد أن ارتفعت حرارة اللقاء بالأسئلة المركزة على الغرض الرئيسى من ورشة العمل، مثل السؤال عن نصيب المرأة فى مشروعات التنمية بالمحافظة بعد أن لاحظنا أن الرجال يسيطرون على معظم إن لم يكن جميع المشروعات التى زرناها، ورد اللواء أحمد مختار قائلاً: إن العمل فى المحافظة يتم بروح الجماعة والمرأة شريكة فى كل المجالات بدون أن تقول إن تلك المشروعات خاصة بالمرأة وهذه خاصة بالرجل.
الكثير لم أكتبه بعد
وفى النهاية مازال لدى الكثير لأكتبه عن الوادى الجديد وأهالى الواحات حيث المكان والبشر مختلفون تماماً عن بقية المحافظات التى زرتها والسطور السابقة هى نبذة مختصرة عما شاهدته خلال خمسة أيام فى هذه المحافظة الفريدة فى كل شىء حتى فى مسئولى الإعلام بها، فقد رافقنا خلال الزيارة الأستاذ عصام يونس وكيل الإعلام بمحافظة الوادى الجديد والذى كان أداؤه مختلفاً فى كل شىء فهو يفهم تماماً طبيعة عمله فى ضرورة تسهيل مهمة الصحفيين فلم تقابلنا أى مشكلة إلا وتدخل لحلها، فكنا نشعر أنه واحد منا وليس مسئول الإعلام الذى كلفته المحافظة بمرافقتنا.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.