استكمالاً لحديثنا السابق عن أبرز الرواد المجددين الإسلاميين الذين ساهمت آراؤهم منذ قرن مضي في تغيير واقع المرأة في مصر، بل كل البلدان العربية يخرج السؤال كيف استطاعوا التأثير في وعي المرأة حينذاك؟ ولكن قبل الاستطراد في الرد علي هذا التساؤل، ينبغي تحديد مفهوم الوعي عند المرأة .. في رأيي الشخصي أنه يتحدد في الجوانب الآتية: أولاً: وعي المرأة بذاتها، أي صورة الذات لديها، ونعني بهذا اقتناعها واعتزازها بكونها أنثي وامرأة، وبالتالي التعامل مع جسدها وعقلها بنوع من الثقة والاستقلال، وعدم إحساسها بالدونية نتيجة لوجود فروق تشريحية بينها وبين الرجل. ثانياً: وعي اجتماعي، يتعلق بعملية تقسيم العمل الاجتماعي بين المرأة والرجل في المجتمع، وفهم المرأة وإدراكها للأسباب والأبعاد الاجتماعية التاريخية لعملية التمييز بينها وبين الرجل في العمل والتعليم والأسرة والمشاركة السياسية إلي غير ذلك من مجالات. كذلك إيمانها بأهمية دورها الاجتماعي ومشاركتها في بناء المجتمع وتنميته... وأن عملية الإنجاب ليست في الحقيقة وينبغي ألا تكون السبب الرئيسي وراء حصارها في الأدوار التقليدية العائلية التي تفرض عليها أشكالاً من القهر والاضطهاد الاجتماعي والقانوني والثقافي والسياسي. ثالثا: وعي سياسي يتعلق بفهم وإدراك لطبيعة النظام السياسي القائم بعلاقاته الداخلية وارتباطاته الخارجية، وإلمام واستيعاب لأهم القضايا والتحديات السياسية علي المستوي الوطني والقومي والدولي. ذلك أن الوعي لايمكنه أن ينمو بعيداً عن المؤثرات الاجتماعية والسياسية والفكرية السائدة، كما أن هذه المؤثرات لا تساهم بالضرورة في نمو الوعي في مختلف الجوانب السابقة، بل قد ينمو في جانب ويظل متخلفاً في بقية الجوانب، وأحياناً يحدث العكس، أي أنه بفعل مؤثر من المؤثرات قد يكون سياسياً وطنياً، أو اجتماعياً، أو اقتصادياً، يرتفع الوعي في جانب فيساهم بدوره في إنضاج غيره من الجوانب. وقد ساهم بروز تيار فكري إصلاحي في مصر آنذاك، بقدر وافر في إنضاج وعي الجماهير بشكل عام ووعي المرأة بشكل خاص، فبينما أخذ الوعي الوطني بين طبقات المجتمع وفئاته ينمو حتي توج بثورة 1919، أخذ وعي المرأة المصرية في التبلور حتي تجسد في مشاركتها الفعالة في كل مراحل هذه الثورة بشكل لم يسبق له مثيل في التاريخ المصري الحديث، وكانت ثورة 1919 بمثابة المخاض الذي خرج من رحمه جنين حركة نسائية وليدة انخرطت فيها النساء بين الجماهير غير عابئات بكل القيود الاجتماعية والثقافية المفروضة عليهن، فخرجن في مجموعات بقيادة هدي شعراوي ورفيقاتها يجبن أحياء القاهرة هاتفات بحياة الوطن والحرية والاستقلال مطالبات بسقوط الحماية، مواجهات لجيوش المحتل الأجنبي بأسلحته النارية، فاستشهد بعضهن وجرحت كثيرات، وحصلن علي حقوقهن في التعليم والعمل والصحة والمشاركة السياسية وإن ظلت غير متكافئة مع الرجل، ولكن نظرة إلي الأوضاع السائدة في المجتمعات العربية الآن وموقع المرأة علي الخريطة الاجتماعية والاقتصادية والسياسية والثقافية نستطيع أن نقرر أنه حتي تلك الإنجازات التي تحققت للمرأة في الماضي بدأت تفقدها، حيث تراجع دورها وانحسرت مشاركتها في مختلف جوانب الحياة، بما يؤكد تخلف وعيها ليس الاجتماعي فقط بل السياسي أيضاً. كيف حدث هذا ؟ وما سبب الردة والتخلف رغم كل مظاهر التمدين التي نراها الآن ؟ وكيف غاب الوعي من جديد وأيهما كان أسبق للانحسار، وعي النساء أم وعي المجتمع ؟.. كلها أسئلة تحتاج لإجابات علي نفس مستوي الإجابات التي قدمها لنا كل هؤلاء الرواد، فتحية لهم.