تعودت وأنا أقود سيارتى أن أتجنب أى سيارة تقودها امرأة لأنها غالبا ما تتصور نفسها مالكة للطريق، ومن حقها أن تزاحم كيفما شاءت وتنطلق بسيارتها لتفوز بأسبقية المرور.. وكأنها فى معركة لإثبات الوجود.. ويبدو أنها معركة متواصلة من البيت إلى العمل إلى الشارع بعد أن كبس الرجل على أنفاسها وأرادت أن تتحرر من قبضته.. ولا يتحقق لها هذا إلا عندما تجلس أمام عجلة القيادة فى سيارتها وتقرر الانطلاق والتحرر. ويوم الخميس الماضى.. كنت أمضى بسيارتى بعد أن أنهيت أعمالى متجها إلى منزلى فى منطقة مصر الجديدة.. وكانت الساعة تقترب من الثانية ظهرا وفوجئت بزحام سيارات تقودها فى الغالب نساء... أمهات محجبات ومنقبات وبجوارهن أطفالهن عائدات بهم من المدارس.... فيوم الخميس نصف يوم دراسى.. وانتحيت جانبا بسيارتى أرقب هذا الزحف والذى لم أستعد له من البداية... تداخلت سيارات النساء وانطلقت الكلاكسات فى احتجاج.. وتصورت نفسى داخل فيلم إيطالى شاهدته منذ سنوات عن تكدس السيارات أمام إشارة مرور فى أحد شوارع روما وكيف خلق هذا التكدس حالة تعارف بين قائدى السيارات كان من نتيجتها إحداث مواقف ضاحكة أحيانا ومؤلمة أحيانا أخرى.. ولكنها كانت تعبيرا ساخرا عن المجتمع الإيطالى. وأفقت لنفسى.. إننى فى القاهرة.. وليس فى روما.. وما أراه الآن حولى من تزاحم سيارات النساء مع بعضهن لا يمكن أن يفجر الضحك، ولكن يفجر الدهشة والذهول والخوف من احتمالات التصادم وإصابة أطفال المدارس فى سيارات أمهاتهن. وانتهى الموقف بسلام.. بحكم التعود وخبرة كل يوم وهدأ المرور.. وواصلت السير بسيارتى أعبر ألاعيب سيارات الميكروباص وهجومها الوحشى على الطريق.. حتى وصلت إلى ميدان الحجاز وكان الطريق خاليا أمامى.. وما أن تحركت عدة أمتار حتى فوجئت بسيارة مسرعة تأتى من الطريق المعاكس تصطدم بى بقوة حتى دارت بى سيارتى نصف دائرة.. ولولا تحكمى في عجلة القيادة لكنت تصادمت مع كل السيارات المركونة على جانب الرصيف.. ونزلت لأعاين ما جرى لسيارتى.. فوجدت تهشم كل الجانب الأيسر منها... الأبواب والعتبات.. بينما السيارة التى صدمتنى تهشمت مقدمتها.. ونزلت منها الفتاة التى تقودها وبجوارها أمها.. وما إن اتجهت ناحيتها لألتقط أرقامها.. حتى كانت الأم تدفع ابنتها للهرب بسيارتها.. ووقفت مذهولا.. وحولى بعض المارة يحاولون بكلماتهم التخفيف من وقع ما حدث.. لم أر عسكرى مرور واحدا.. ولم تكن كاميرات مراقبة المرور قد وصلت إلى هذا الميدان المهم.. رغم كل ما أعلنته إدارة مرور القاهرة من تركيب الكاميرات للمراقبة فى الأماكن الحساسة بشوارع وميادين العاصمة. وهكذا أسقط فى يدى.. لم يكن هناك من ألجأ إليه أو أشكو له من حادث كاد يودى بى لو انقلبت سيارتى من شدة الصدمة.. وأصبح مطلوبا أن أتحمل تكاليف إصلاح السيارة والتى ستتجاوز عدة آلاف من الجنيهات!! هكذا دون خطأ ارتكبته تجد نفسك مدانا ومصابا بينما الجانى فتاة مستهترة مع أم غاب ضميرها! وسؤال يحيرنى.. ما الذى جعل بعض نسائنا بهذا العنف والوحشية فى التعامل؟! وإذا كنا ندين عنف الرجال فى بعض الحوادث.. فكيف انتقلت عدوى العنف إلى النساء حتى أننا نقرأ عن حوادث تفوق ما فعلته ريا وسكينة فى سالف الزمان؟! وآخرها ما فعلته بائعة ملابس فى ميدان العتبة عندما اشتبكت مع بائعة أخرى فى نفس المنطقة وضربتها علقة ساخنة ثم قدمتها وليمة لزوجها ليغتصبها أمام عينيها.. وتم ضبطهما واعترفا للواء محسن حفظى مساعد أول الوزير لأمن الجيزة والذى أحالهما للنيابة للتحقيق. وصفحات الحوادث فى الصحف اليومية مليئة بقصص عنف أغرب من الخيال.. امتدت إلى تلاميذ المدارس بالسيوف والمطاوى والسكاكين وماء النار. قد يكون لخبراء الاجتماع وعلم النفس تحليلاتهم لظاهرة تزايد العنف فى المجتمع المصرى.. بسبب الفقر والبطالة والزحام والتفاوت الاجتماعى الرهيب فى الدخل وكلها أسباب معروفة تراكمت عبر سنين طويلة.. ولكن الأخطر فى هذا الموضوع هو عنف النساء.. وبالتحديد عنف بعض الأمهات اللاتى يزرعن فى أبنائهن ضرورة مواجهة العنف بالعنف.. والثأر من الذين أضاعوا كرامتهم وحياتهم. وتراجعت المقولة التى نرددها فى موسم عيد الأم.. بأن الأم مدرسة إذا أعددتها.. أعددت.. إلخ. توارى هذا الزمن بكل خيراته وفضائله وذكرياته الجميلة ليفسح الطريق لزمن المال والقوة والكراهية والوحشية فى التعامل.. وهو ما يجب أن تنتبه المنظمات والجمعيات النسائية لأن استمرار العنف والوحشية سيؤدى بنا إلى مجتمع الغابة.. وهو ما لا نرضاه ولانقبله على مستقبلنا وتاريخنا.