اشتقت ل "صندوق الدنيا"، فقد اعتدت أن أفتح جريدة الأهرام علي عمود الكاتب الكبير "أحمد بهجت" كي أستمتع بقراءة ما يقدمه لنا في "صندوق الدنيا"، بعدها أنتقل إلي ما تتضمنه بقية الصفحات. غاب العمود، طال الغياب، ثم اتضح أنه مريض. شوق مخلوط بتأثر انتابني وفي الغالب أنه كان هو حال كل محبيه. فلجأت إلي كلماته عبر صفحات كتبه التي قرأتها ومازال يسعدني أن أعيد قراءتها كي أستعيد جمال نبل المعاني وأكتشف بين السطور المزيد من حلاوة الصياغة، ورقة الإحساس، وعمق التحليل، وسلاسة التعبير. اشتقنا إليك ياصاحب "أنبياء الله" و"قصص الحيوان في القرآن" و"بحار الحب عند الصوفية". اشتقنا إليك يا من تألقت مع "الوقوع في هوي الكعبة"، و"ثانية واحدة من الحب".. اشتقنا إليك يا من بحثت فكتبت "تأملات في عذوبة الكون" و"الطريق إلي الله" و"البراق".. اشتقنا لتأملاتك العميقة وكلماتك الرقيقة، وصفاء الروح، وعذوبة التأمل في الكون.. من غيرك يملك براءة إهداء كتاب إلي سيدنا "جبريل" عليه السلام.. فما أجمل التحليق بالحروف حين كتبت إهداء كتابك الرائع "قصص الأنبياء" الذي وصل عدد طبعاته إلي 73 طبعة وتصدرت صفحاته الأولي هذه السطور المتضمنة أكثر إهداءات الكتب تفردا، حيث بدأت السطور بجملة تعبر عن مدي شعورك بالخجل من أنك تهدي للمَلَك سطورا مستوحاة من الرسالة العظيمة التي قام بها سيدنا جبريل في نزوله بأمر من الله سبحانه إلي الأنبياء الكرام: "لو أنه تكرم وسمح بأن أضع خدي علي التراب وأبكي حتي ينبت العشب من دموعي، فسوف أهدي الكتاب إليه"، ثم بعد هذا التردد تصرِّح : "إلي الروح الأمين جبريل عليه السلام"، بعدها توضح أو تبرر حيثيات الجرأة التي دفعتك إلي هذا الإهداء قائلا: "إيمانا بالغيب، وخشوعا للجلال، واعترافا بفضله علي البشر، بوصفه رسول رب العالمين إلي الأنبياء"، ثم تعود إليك الخشية من جديد وترتعش منك الكلمات فتكتب: "مع اعتذار عميق، وخوف مشفق"، وبعدها تضيف موضحا سبب الاعتذار بتعبير مرهف كتبته كأنك تتمتم وجلا : "لجرأة الطين الخاطئ علي مجرد التوجه إليه بالحديث، فضلا عن الإهداء". يا سلام، كل هذا الجمال، ونحن في الصفحة الأولي من الكتاب. بالطبع هذه المساحة الصغيرة المتواضعة لا تحتمل التعرض لما في الكتاب الرائع، إنما سأقفز فوق كل الصفحات لأصل إلي بعض من السطور الختامية للكتاب، لنري إلي أي مدي تكتب برقة وعذوبة وانسيابية كتابا دينيا عن الأنبياء، ففي تلك السطور نقرأ: "الأنبياء جميعا هم رسل الحب الإلهي والرحمة، وأي عقيدة إلهية هي في عمقها البعيد حب ورحمة. حب من لون لا وجود له علي الأرض.. ففي أي حب بشري، هناك احتمال أن يخونك الطرف الآخر أو يهجرك أو يصيب بغدره مشاعرك. وفي قصص الحب الإلهي ليس هناك احتمال للخيانة أو الهجر أو الغدر إلا من جانبك أنت. تخون أنت، وتهجر أنت، وتغدر وتبتعد. ويرحم هو، ويعفو هو، ويتوب ويهدي سبحانه. ويجيء الأنبياء أصلا لإعادتك إلي مصدر الحب في الكون، وتعليمك معني الحب، وتوجيهك إلي المستحق وحده للحب". ياسلام . اشتقنا لكلامك يا أستاذ.