محافظ الفيوم يتابع غلق لجان التصويت في اليوم الثاني لانتخابات النواب بالدائرتين الأولى والرابعة    رئيس مصلحة الجمارك: نعمل على بناء منظومة جمركية متطورة تعتمد على الذكاء الاصطناعي    الحزب المصرى الديمقراطى الاجتماعى يدين اعتراف إسرائيل بما يسمى «صوماليلاند»    قوات الاحتلال الإسرائيلي تقتحم قرية عابود شمال غرب رام الله بالضفة الغربية    كونتي: نابولي غير جاهز ليكون قوة مهمينة على إيطاليا    مصرع طفلين في تصادم بالفرافرة    القضاء الإداري يُلغي قرار نقيب الموسيقيين بمنع هيفاء وهبي من الغناء    مدير مكتبة الإسكندرية يوزع جوائز المبدعين الشباب 2025    رئيس وزراء الصومال: نستخدم القنوات الدبلوماسية للدفاع عن أرضنا ووحدتنا    حكومة بريطانيا في خطر بسبب علاء عبد الفتاح.. أحمد موسى يكشف مفاجأة(فيديو)    التشكيل الرسمى لقمة كوت ديفوار ضد الكاميرون فى بطولة كأس أمم أفريقيا    المستشار إسماعيل زناتي: الدور الأمني والتنظيمي ضَمن للمواطنين الاقتراع بشفافية    أشرف الدوكار: نقابة النقل البري تتحول إلى نموذج خدمي واستثماري متكامل    بوليسيتش يرد على أنباء ارتباطه ب سيدني سويني    تفاصيل وفاة مُسن بتوقف عضلة القلب بعد تعرضه لهجوم كلاب ضالة بأحد شوارع بورسعيد    عبقرية مصر الرياضية بأفكار الوزير الاحترافية    القضاء الإداري يسقِط قرار منع هيفاء وهبي من الغناء في مصر    عاجل- رئيس الوزراء يستقبل المدير العام للمركز الأفريقي لمكافحة الأمراض ويؤكد دعم مصر لاستضافة الآلية الأفريقية للشراء الموحد    الأزهر للفتوي: ادعاء معرفة الغيب والتنبؤ بالمستقبل ممارسات تخالف صحيح الدين    إيمان عبد العزيز تنتهي من تسجيل أغنية "إبليس" وتستعد لتصويرها في تركيا    جامعة بنها تراجع منظومة الجودة والسلامة والصحة المهنية لضمان بيئة عمل آمنة    سكرتير مساعد الدقهلية يتفقد المركز التكنولوجي بمدينة دكرنس    تراجع أسواق الخليج وسط تداولات محدودة في موسم العطلات    أمم أفريقيا 2025| منتخب موزمبيق يهزم الجابون بثلاثية    شوط سلبي أول بين غينيا الاستوائية والسودان في أمم أفريقيا 2025    نائب محافظ الجيزة يتفقد عددا من المشروعات الخدمية بمركز منشأة القناطر    هذا هو سبب وفاة مطرب المهرجانات دق دق صاحب أغنية إخواتي    ترامب يعلن توقف القتال الدائر بين تايلاند وكمبوديا مؤقتا: واشنطن أصبحت الأمم المتحدة الحقيقية    «مراكز الموت» في المريوطية.. هروب جماعي يفضح مصحات الإدمان المشبوهة    نجاح أول عملية قلب مفتوح بمستشفى طنطا العام في الغربية    سقوط عنصرين جنائيين لغسل 100 مليون جنيه من تجارة المخدرات    محافظ الجيزة يشارك في الاجتماع الشهري لمجلس جامعة القاهرة    «اليوم السابع» نصيب الأسد.. تغطية خاصة لاحتفالية جوائز الصحافة المصرية 2025    نقابة المهندسين تحتفي بالمهندس طارق النبراوي وسط نخبة من الشخصيات العامة    "القاهرة الإخبارية": خلافات عميقة تسبق زيلينسكي إلى واشنطن    محمود عاشور حكمًا لل "VAR" بمواجهة مالي وجزر القمر في كأس الأمم الأفريقية    إسكان الشيوخ توجه اتهامات للوزارة بشأن ملف التصالح في مخالفات البناء    هيئة سلامة الغذاء: 6425 رسالة غذائية مصدرة خلال الأسبوع الماضي    وزير الإسكان: مخطط شامل لتطوير وسط القاهرة والمنطقة المحيطة بالأهرامات    قضية تهز الرأي العام في أمريكا.. أسرة مراهق تتهم الذكاء الاصطناعي بالتورط في وفاته    رسالة من اللواء عادل عزب مسئول ملف الإخوان الأسبق في الأمن الوطني ل عبد الرحيم علي    وزارة الداخلية تضبط 4 أشخاص جمعوا بطاقات الناخبين    صاحب الفضيلة الشيخ / سعد الفقي يكتب عن : شخصية العام!    " نحنُ بالانتظار " ..قصيدة لأميرة الشعر العربى أ.د.أحلام الحسن    من مخزن المصادرات إلى قفص الاتهام.. المؤبد لعامل جمارك بقليوب    انطلاقا من إثيوبيا.. الدعم السريع تستعد لشن هجوم على السودان    قيادات الأزهر يتفقدون انطلاق اختبارات المرحلة الثالثة والأخيرة للابتعاث العام 2026م    لتخفيف التشنج والإجهاد اليومي، وصفات طبيعية لعلاج آلام الرقبة والكتفين    أبرز مخرجات الابتكار والتطبيقات التكنولوجية خلال عام 2025    أزمة السويحلي الليبي تتصاعد.. ثنائي منتخب مصر للطائرة يلجأ للاتحاد الدولي    دار الإفتاء توضح حكم إخراج الزكاة في صورة بطاطين    بدون حبوب| أطعمة طبيعية تمد جسمك بالمغنيسيوم يوميا    تعرف على مواقيت الصلاة اليوم فى سوهاج    هيئة الرعاية الصحية تستعرض إنجازات التأمين الصحي الشامل بمحافظات إقليم القناة    الناخبون يتوافدون للتصويت بجولة الإعادة في 19 دائرة ب7 محافظات    لافروف: روسيا تعارض استقلال تايوان بأي شكل من الأشكال    أول تعليق من حمو بيكا بعد انتهاء عقوبته في قضية حيازة سلاح أبيض    واتكينز بعدما سجل ثنائية في تشيلسي: لم ألعب بأفضل شكل    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



ظاهرة اسمها أفلام نادية الجندي
نشر في صباح الخير يوم 17 - 11 - 2009

أسباب عديدة جعلتنى أشعر بالسعادة عندما علمت بخبر تكريم نادية الجندى فى مهرجان القاهرة السينمائى الدولى، منها أننى مهتم منذ فترة طويلة بدراسة أفلامها وظاهرة نجوميتها... ولكن حتى لا يعتقد القارئ أننى أتحدث عن أسباب شخصية أستدرك بالقول أن سبب سعادتى ينبع من اهتمامى بالسينما الشعبية التجارية واعتقادى بأن النقاد والمهرجانات ومؤسسات السينما يجب أن يضاعفوا من اهتمامهم بهذه السينما التى تشكل الأساس الأمتن لأى صناعة سينما، كما تشكل المتن الأساسى لأى قراءة اجتماعية وثقافية ونفسية من خلال قراءة السينما الشعبية التى يشاهدها ويقبل عليها الناس.
وحتى لا يعتقد القارئ أننى أعطى نادية الجندى وأفلامها أكثر من حقها أؤكد أن الاهتمام بالسينما الشعبية ليس مرتبطا بجودة هذه الأفلام أو عدم جودتها من وجهة نظر المعايير النقدية البحتة والذوق الفنى السليم، ولكن معيار الاهتمام بها يخضع لمدى شعبيتها وتأثيرها على المشاهدين الذين غالبا ما يقتصرون على فترة زمنية بعينها.. مثل موجة الأفلام الكوميدية التى سادت خلال السنوات السابقة، أو موجة أفلام المخدرات التى ظهرت فى الثمانينيات.
وحتى لايعتقد القارئ أننى أقول بأن مهرجان القاهرة أو غيره من المؤسسات المصرية لديهم هذا الوعى بأهمية الأفلام التجارية وصناعها، يجب أن أستدرك قائلا أن تكريم نادية الجندى فى مهرجان القاهرة ليس له أى دلالة سوى أنها نجحت فى مقابلة وزير الثقافة وإقناعه بأنها تستحق التكريم، فتكرم عليها به، رغم أنها ليست وظيفته بل وظيفة المسئولين فى المهرجان، ورغم أنه يفترض أن مهرجان القاهرة مؤسسة خاصة لا تخضع للدولة.. وإذا لم تصدقونى اسألوا المسئولين وقت ترشيح الأفلام الأجنبية للأوسكار.. لأنهم نجحوا فى خداع الأمريكان وإقناعهم بأن المهرجان جهة مستقلة مدنية يحق لها ترشيح الأفلام المصرية لجائزة الفيلم الأجنبى علما بأن أول قواعد الترشيح هو ألا تكون الجهة التى ترشح حكومية أو رسمية.
لنترك ألاعيب وزارة الثقافة وموظفيها لمساحة أخرى، ونعود إلى نادية الجندى التى سعدت بتكريمها رغم أى شئ، لسبب آخر هو إنها إحدى النساء القليلات جدا فى تاريخ صناعة السينما المصرية اللواتى تنسب لهن الأفلام بغض النظر تماما عن أسماء شركائها الممثلين أو اسم المخرج أو السيناريست.
من هذه النقطة أحب أن أبدأ بالحديث عن دلالة هذا الحضور الطاغى لنادية الجندى فى أفلامها، والذى يطغى على حضور أى شخص آخر، علما بأننا نعيش منذ سنوات طويلة فى زمن لا حضور فيه للنساء فى الواقع أو فى السينما إلا كتابعات ثانويات للرجال الذين يتصدرون الصورة. المدهش فى الأمر أن نادية الجندى أصبحت المرأة الأكثر تأثيرا فى السينما المصرية فى الوقت الذى بدأت فيه مكانة النساء تتراجع بشكل مخزٍ على كل المستويات.
أسباب تراجع النساء يمكن إرجاعها إلى بداية تراجع مكانة الرجل والرجولة بمفهومها التقليدى خلال السبعينيات مع موت الرمز الفحل الزعيم الأب جمال عبدالناصر، وهو ما ساهم فى خلق فجوة هائلة اسمها الأب الميت أو الغائب، ساهم فيها غياب نسبة كبيرة من الآباء الحقيقيين عن بيوتهم بسبب التجنيد الإجبارى لسنوات طويلة وموت عدد كبير منهم فى حروب 76 و الاستنزاف و37، ثم هجرة عدد أكبر للعمل فى دول الخليج بداية من السبعينيات.
الأبناء الذين تربوا فى بيوت لا يسكنها الآباء كانوا غالبا صرعى للأفكار الدينية المتطرفة التى تحاول ملء هوة الأب الغائب وتعلن عن استيائها من هذا الحضور الأنثوى الطاغى فى مجال البيت، خاصة إذا كانت الأم هى التى ألحت على الأب ليسافر إلى الخليج أو للبحث عن عمل إضافى، وقد يشكل غياب الأب أنواعا من الهلاوس الجنسية تعبر عن نفسها فى صور خيانة الأم للأب الغائب.
هذا التحليل الاجتماعى لعداء النساء فى أفلام نادية الجندى يمكن العثور عليه فى فيلم سينمائى حديث نسبيا هو الأبواب المغلقة للمخرج عاطف حتاتة.هذه البيئة السياسية والاقتصادية والنفسية التى ظهرت فيها أفلام نادية الجندى يجب دراستها بعناية لفهم طبيعة جمهور السينما فى ذلك الوقت ونوعية الاحتياجات التى كان يجد تلبيتها من خلال هذه الأفلام. علينا أن نتعرف أيضا على طبيعة هذا الجمهور.
مع بداية سياسة الانفتاح تراجعت القدرة الاقتصادية للطبقة الوسطى السابقة التى كانت تتكون من المتعلمين: الموظفين والأطباء والمهندسين والمعلمين وضباط الجيش والشرطة.. إلخ، مع تنامى القدرة الاقتصادية لفئات أخرى صعدت بسرعة مذهلة من أسفل السلم الطبقى إلى أعلى درجاته. هذه الفئات التى كانت تتشكل من الشباب الذكور من تجار الشنطة وتجار بورسعيد والحرفيين من غير المتعلمين، أو متوسطى التعليم غالبا.
هذه هى الفترة التى شهدت صعود الأغنية الشعبية بصوت أحمد عدوية، مطيحة بكبار مطربى ذلك الوقت، الذين وجدوا أنفسهم غرباء على المسرح أمام جمهور لا يعرفونه، يتكون من الحرفيين والتجار الجدد .
ترسم أغنيات عدوية عالما عبثيا سيرياليا مشوش المنطق ومضطرب اللغة، لعل أبلغ أغنية تعبر عنه هى السح الدح امبو.. إدى الواد لأبوه، وقد عثرت بالصدفة على مقال على الإنترنت على موقع أرابتايمز لكاتب اسمه محمد راغب يتناول فيه أغنية عدوية بشكل ساخر ويرى أنها تعبير عن أزمة الأب الغائب!
كتاب أغانى أحمد عدوية كانوا يلتقطون كلمات أغانيهم من أفواه الطبقة الشعبية التى ينتمون إليها، ويتوجهون بأغانيهم إلى هذه الطبقة، أو بالتحديد إلى هذا الجمهور الجديد الذى أصبحت له اليد العليا فى استهلاك الفنون مع انتشار اختراع الكاسيت وارتفاع أسعار تذاكر السينما.
تتمثل موهبة نادية الجندى فى قدرتها على معرفة هذا الجمهور وقراءة احتياجاته، حتى لو كانت فى السنوات الأخيرة تحاول إنكار ذلك وتزعم أنها كانت تقدم أعمالها لكل الناس وأنها أعمال فنية جادة وذات رسالة.
دعك من الرسالة والفن والجودة والجدية لأن أفلام نادية الجندى أهم من ذلك حتى لو كانت هى نفسها لا تفهم أهميتها وتبحث الآن عن اعتراف مثقفاتى رسمى بأعمالها.. رغم أنها طالما احتقرت رأى النقاد والمثقفين فى أعمالها، وطالما رفضت أن تظهر فى التليفزيون الحكومى أو غيره، وطالما قاطعت مهرجانات وزارة الثقافة ورفضت المشاركة فيها.. لكنها الآن على ما يبدو، مع نهاية مشوارها السينمائى وتراجع اسمها فى السوق بشكل شبه نهائى، وظهور نوع جديد من الجمهور يختلف تماما عن جمهور أفلامها...لذلك تحاول الانضمام إلى معسكر الفنانين الجادين فى مواجهة هذا الجمهور الذى يقبل على الفنانين الهزليين.
منتهى الهزل أن نادية الجندى التى اتهمت وزير ثقافة سابق، هو عبدالحميد رضوان، بالتآمر لمصادرة ومنع عرض فيلمها خمسة باب مجاملة لغريمتها نبيلة عبيد، أن تلجأ هى نفسها إلى وزير ثقافة للحصول على اعتراف رسمى بقيمة أفلامها واستحقاقها للتكريم.منذ خمسة وثلاثين عاما، عندما حقق فيلمها بمبة كشر نجاحا تجاريا وشعبيا هائلا، لم تكن تحتاج إلى هذا الاعتراف. كانت، مثل مخرج الفيلم حسن الإمام، سعيدة بتصنيفها كفنانة شعبية تجارية لا تحب المثقفين ولا يحبونها.. فى الحقيقة لم يكونا الوحيدين، فرئيس الجمهورية نفسه فى ذلك الوقت كان يعرب عن احتقاره لالحنجورية ويتوجه بخطابه إلى الطبقة الشعبية الجديدة.
تعكس أفلام نادية الجندى هذا الإحساس بالفجوة الناجمة عن غياب الأب بطريقة عكسية من خلال عرض الخوف المزمن من هيمنة وسيطرة المرأة. فى المرحلة الأولى والأغزر إنتاجا وأكثر نجاحا من مشوار نجوميتها لعبت نادية الجندى دائما دور المرأة الشريرة، أو التى تدفعها الظروف إلى أن تصبح شريرة.
فى الأفلام الأولى التى لعبت فيها أدوارا ثانوية صغيرة كان المنتجون والمخرجون يعطونها دور الشريرة غالبا. وقبل حلول السبعينيات بانقلاباتها السياسية والثقافية الحادة لم يكن من المتوقع أن تحصل على أدوار بطولة مطلقا. صحيح أنها استغلت زواجها من الممثل الكبير، سنا ومقاما، عماد حمدى، لينتج لها أول فيلم من بطولتها وهو بمبة كشر، ولكن النجاح الكبير الذى حققه الفيلم عند عرضه عام 4791 كان إعلانا عن مولد نجمة جماهيرية لا تنوى التراجع أو التوقف مرة أخرى.
من الغريب أن عرض بمبة كشر جاء قبل أسابيع قليلة من الذكرى الأولى لانتصار أكتوبر 3791، هذه الذكرى التى شهدت عرض الدفعة الأولى من أفلام أكتوبر الرصاصة لاتزال فى جيبى وبدور والوفاء العظيم، لكن الملاحظ أنه سواء بمبة كشر الذى يروى حياة راقصة فى عهد الملكية، أو أفلام أكتوبر السابق ذكرها، فإن مزاجا ميلودراميا كئيبا (ميلانخوليا) يسيطر على أجواء الأفلام كلها ويعكس المزاج العام لبلد انتصر فى الحرب ولكنه لايعرف كيف يتذوق حلاوة الانتصار!ولكن لذلك حديث آخر يطول.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.