في حياتنا مئات العبارات والمأثورات والأمثال الشعبية التي نرددها ونلوكها بمناسبة أو دون مناسبة، بوعي أو بغير وعي، عن قصد وعمد أو عن غير قصد أو عمد!! اذهب إلي أي محل أو سوبر ماركت سواء في حي شعبي أو حي ناس ذوات، فسوف تصادفك جملة أو عبارة "الزبون دائماً علي حق"، وأيضاً تصادفك عبارة "البضاعة المباعة لا ترد أو تستبدل"!! فإذا كان "الزبون" الذي هو علي حق اشتري سلعة ما، رخيصة أو غالية ثم اكتشف أن بها عيباً ما، وجاء بها إلي صاحب المحل أو السوبر ماركت لكي يستبدلها أو حتي يستعيد ثمنها، فيقال له: "إن السلعة المباعة لا ترد ولا تستبدل" واخبط دماغك في الحيط أو روح اشتكي لأي جهة!! ثم قررت "الحكومة" أن تنزل إلي سوق وساحة الشعارات والعبارات والمأثورات البليغة، فأطلقت شعاراً له طعم الحكمة الحكيمة وهو "المصري اللي علي حق يقول للغلط لأ"! حكمة الحكومة الحكيمة رائعة ومروعة في نفس الوقت، لكن هل هي جادة في هذا الشعار الذي أطلقته؟! يعني لو مواطن مصري واحد أو عشرة أو ألف مواطن، اكتشفوا بالدراسة والممارسة أن الحكومة ارتكبت "غلط" ما سواء في موضوع بسيط وصغير، أو موضوع كبير ومهم، وقالوا لهذا الغلط لا فهل ستتراجع الحكومة عن "الغلط" الذي ارتكبته؟! والأمثلة كثيرة ولا حدود لها من بيع شركات تربح وتكسب تحت شعار الخصخصة أو قانون الضريبة العقارية الجديد، أو فرض رسوم نظافة علي فواتير الكهرباء، ولا تقوم الحكومة بجمع أي قمامة- ولو رمزية- من أي حارة أو شارع!! ثم تدرس الحكومة فكرة جهنمية لفرض ضريبة علي مشاهدة التليفزيون بواقع قرشين لكل كيلو وات كهرباء!! الفكرة عبقرية وجهنمية في نفس الوقت، ولن تكلف الحكومة أي جهد، فهي ستجني الملايين من الهواء، بلا أي جهد أو مجهود! تفاصيل الخبر نشرته الزميلة "روزاليوسف" اليومية وكتبه "إسلام عبدالرسول"! ولا أعلم من الذي أوحي إلي وزارة المالية بهذه الفكرة العبقرية ومدي السعادة التي انتابت د. يوسف بطرس غالي الذي هو بشهادة خبراء العالم وهيئات العالم "أحسن وزير مالية في العالم"، وماذا لو اقترح د. يوسف بطرس غالي وزير ماليتنا هذه الفكرة علي وزراء مالية العالم كله في أول مؤتمر دولي أو اجتماع دولي سوف يلتقي فيه بهم!! ولماذا لا يقوم وزير الصناعة مثلاً بفرض ضريبة مماثلة علي مستهلك عنده تلاجة أو بوتاجاز أو غسالة أو دفاية!! وإذا كانت وزارة المالية تدرس- بجد وحق وحقيقي- فكرة فرض ضريبة علي مشاهدة التليفزيون، فأنا أقترح عليها فرض ضريبة مماثلة علي كل الكلام الفارغ والهابط الذي نسمعه طوال اليوم عبر شاشات وفضائيات لا حصر لها!! كلام فارغ وهابط وقلة حيا وقلة قيمة تنهمر علينا من ضيوف المفترض أنهم صفوة ونخبة ورمز ومثل أعلي. كلام مقرف ومقزز وأسئلة قليلة الأدب من المشاهدين، وتجارب شاذة يرويها الكل علي الهواء بدون خجل ولا استحياء!! كنا نقول زمان: "إذا كان الكلام من فضة فالسكوت من ذهب".. لم يعد ذلك صحيحاً، فالكلام أصبح له ثمن، وكلما كان الكلام هابطاً وبذيئاً وقبيحاً كلما كان ثمنه أعلي!! ولن تستضيفك الفضائيات لكي تتحدث عن الفضائل بل كي تسهب وتتوسع في الكلام عن الرذائل بالتفصيل الممل!! يستضيفك أصحاب الفضائيات لكي تسخر من دعاة الاحترام والأدب والفضيلة، وكيف نستعيد قيم الزمن الجميل، بل كي تتحدث بوقاحة وسفالة وتطعن في الأعراض وتشوه من قدر الآخرين! ما الذي جري لنا.. انفلات في كل شيء، علي الورق وأيضاً عبر شاشات الفضائيات، حادث فردي تنشره صفحة الحوادث أو خبر عابر تنشره صحيفة يتحول بقدرة قادر عبر عشرات من برامج "التوك شو" إلي مناحة وصراخ ولطم في المساء وهات يا كلام وندب ولطم!! كان أجدادنا يقولون "الكلمة نور.. وبعض الكلمات قبور"، و"خير الكلام ما قل ودل". وبعد سنوات من الآن سيقول أحفادنا: كان أجدادنا يقولون العنب العنب العنب، وشوف الواوا بوس الواوا.. وعلي رأي عمنا الكبير الراحل الأستاذ نجيب المستكاوي "حاجة تقرف"!!؟