طالما عبرت عن إعجابي باتجاه جديد بدأ يعرف طريقه لحياتنا, وأقصد هنا انتشار علامات طرق ترشد الناس إلي طريق الوصول إلي مقاصدهم, فقلت حاجة قائدي السيارات لسؤال المارة عن الطريق وقلت فرصة تعرضهم للتوهان. تنتشر علامات الطرق علي طرقنا السريعة والرئيسية, لكنها مازالت في حاجة لأن تعرف طريقها للشوارع الفرعية, ومازال علي المحليات أن تقوم بتسمية الشوارع وأن تقوم بتعليق عدد كاف من اللافتات التي تحمل أسماء هذه الشوارع, بدلا من الوضع الراهن الذي تدخل فيه شارعا طويلا وتخرج منه دون أن تصادفك لوحة واحدة تدلك علي اسم الشارع الذي قضيت فيه جزءا من يومك. اهتمامي بعلامات الطرق ولافتات الشوارع وأسمائها له صلة بما يترتب علي كل ذلك من تسهيل لحياة الناس, ومن أهميته في محاصرة العشوائية في حياتنا واستعادة النظام والانضباط لها. فالطريقة التي تستخدمها أجهزة الإدارة في إدارة مصر الحديثة تشبه كثيرا الطريقة التي كان أجدادنا يديرون بها القري التي عاشوا فيها. في القري لا توجد أسماء للشوارع ولا علامات طرق, فالقرية الصغيرة يعرف أهلها بعضهم بعضا, ويعرف كل منهم كل حارة في القرية عن ظهر قلب. مصر الحديثة ليست قرية كبيرة, ومدنها اتسع حجمها حتي باتت تستوعب ما يقرب من نصف المصريين بخلاف الملايين الذين يزورونها كل يوم. أهل المدن لا يعرفون بعضهم البعض ولا يعرفون كل ركن في مدنهم مترامية الأطراف, ولابد من تسهيل حياة هؤلاء بطرق عملية تتناسب مع حياة المدن. لا يجوز التعلل بالأحياء العشوائية لتبرير غياب أسماء الشوارع ونقص لافتات الطرق, فالمشكلة أكبر حجما في الأحياء والمدن الجديدة منها في العشوائيات. فأغلب الشوارع في المدن والأحياء الجديدة بلا أسماء, وليس عليك سوي أن تزور القاهرةالجديدة والسادس من أكتوبر وزهراء المعادي لتتأكد بنفسك. في الأحياء والمدن الجديدة يستخدمون نظاما للترقيم لا يفهمه سوي مهندسي المساحة الذين تولوا التخطيط الأول للمنطقة, فلا أحد يعرف ما هي المجاورة رقم كذا, أو التقسيم رقم كيت. حتي سكان هذه المناطق لا يعرفون أكثر من عنوان البيت الذي يعيشون فيه, أما بقية أجزاء اللغز فلا يعرفون عنها شيئا, وليس مطلوبا منهم أن يعرفوا.