طلبت من قبل الاهتمام بأشياء بسيطة للغاية علي سبيل التدريب علي العمل العام، ومنها أن نهتم بكتابة أسماء الشوارع والحواري بطريقة واضحة، ومنها مناشدة للمسئولين عن المرور في أنحاء الجمهورية أن يهتموا بعلامات الطريق في الطرق السريعة والبطيئة وعلي الكباري وعند مفترق الطرق، ومنها أيضا أنني طالبت بتنظيف شوارع القاهرة وجراجاتها من هياكل السيارات القديمة التي كانت سيارات يوما ما، ليس لأنها فقط تحتل مساحات كبيرة بل لأن وجودها في حد ذاته يشكل أعلي درجات القبح والإهمال. والله أنا علي وعي بأن اقتراحاتي هذه لو وصلت إلي أي مسئول فالأمر لن يكلفه سوي إصدار الأمر بذلك، غير أنه من الواضح أن ما تحدثت عنه لم يثر اهتماما عند أحد، اللهم إلا حكاية هياكل السيارات القديمة، فقد ظهر علي الفور اقتراح معاكس وهو تخليص القاهرة من معارض السيارات الجديدة ونقلها خارج القاهرة، تري هل قرأ أحد المسئولين أو وصل إليه اقتراحي؟ أنا أعرف بالطبع أن اقتراحاتي علي المستوي السياسي تواجه بالصدود وأحيانا بالشك والريبة خشية أن يكون هدفي منها التطبيع، كما إني تعودت علي الاستجابات العكسية لكل ما أطرحه من أفكار تتعلق بالشأن العام، غير إني هذه الأيام بدأت أشعر بالانزعاج فعلا من المعاداة الواضحة للتفكير الصحيح، أن تخلص شوارع القاهرة من هياكل السيارات الخردة قرار يمشي بك في طريق النظافة والجمال وإعادة إشعار الناس بأن الشارع جزء من بيته لذلك يجب أن يكون نظيفا. أما حكاية تخليص القاهرة من معارض السيارات لحل مشكلة المرور فهي ليست أكثر من خرافة ولا داعي لمناقشة تفاصيلها لأنها مستحيلة، و تتعلق بقوانين أخري، إيجارات مستقرة وملكيات أكثر استقرارا، وحتي عندما تغادر هذه السيارات الأرصفة، فمن حق من سيحتلون هذه الأماكن التي كانت معارض من قبل أن يوقفوا سياراتهم فيها، يبقي كأنك «يا أبو زيد ما غزيت». علي الطريق الدولي وهو من أعظم إنشاءات مصر، وفي الطرق من الاسماعيلية إلي بورسعيد، من الصعب عليك أن تجد علامات طريق تشفي غليلك ولكن والحق يقال ستجد لافتات عديدة علي الطريق تابعة لهيئة الطرق، تتمني لك فيها سفرا آمنا وتتمني لك رحلة طيبة. جميل أن يتمني الإنسان الخير لأخيه الإنسان، غير أن هذه اللافتات بالتحديد دفعتني للتفكير في نوعية الأمراض النفسية الجديدة التي بدأ يعانيها المجتمع المصري ومنها هذا المرض الفريد، وهو التمني. لقد كانت هيئة الطرق أكثرنا شجاعة في الاعتراف بالمرض وإعلانه، وهو تغذية الناس بالأمنيات والأماني الطيبة بوهم أننا بذلك نكون قد قمنا بأداء الواجب المطلوب، ليس مهما أن تعرف أين أنت علي الطريق أو أي اتجاه تأخذ، المهم أن هيئة الطرق (تتمني) لك السلامة. المشكلة إذن هي أن وزارة الصحة تتمني لك الصحة ولا داعي لأن تعالجك، ووزارة التربية والتعليم تتمني لك تعليما جيدا لذلك لا داعي لتقديمه، والأحزاب تتمني لك الحرية، وكل جهة وكل واحد بيتمنالك حاجة ولكن لا أحد علي استعداد لأن يقدم لك هذه الحاجة أو يساعدك بشكل عملي في الوصول إليها. وهو الأمر الذي تلخصه نكتة أرسلها لي صديقي صلاح منتصر عن شخص يغرق في البحر ويرفع يده مستغيثا، وفي كل مرة يرفع فيها يده يقول له شخص جالس علي الشاطئ: وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته. لدينا عدد كبير للغاية من المفكرين المتخصصين في القضايا العظمي مثل الصراع الفلسطيني- الإسرائيلي ومشكلة اغتراب الإنسان المعاصر، نحن في حاجة لمن يفكر في القضايا الصغري.. الهايفة.