البيانو مرتبط عندى بالموسيقى التى أحبها لتشايكوفسكى وبيتهوفن وشتراوس. إنما فى الاحتفال ب 12 سنة لدار الأوبرا المصرية استمعت إلى مؤلفات للموسيقار السورى العالمى "مالك جندلى" التى عزفها على البيانو بمصاحبة أوركسترا القاهرة السيمفونى، وإذا بى أحلق مع بيانو "بيتكلم" عربى حاملا المقامات الشرقية ومعجونا فى الوقت ذاته بالنظرية الهارمونية الكلاسيكية، وهو أمر تأكد لى عبر نغمات ألبومه "أصداء من أوغاريت" الذى تمكن خلاله من أن يجعل البيانو يرقص عشرة بلدى فى مقطوعة "عيد"، وأن يفك خبيئة من موسيقى العرب القديمة فى "أوغاريت"، استطاع أن يمزج الشرق والغرب فى "أندلس"، وأن ينسج تناغما مرققا للإحساس عبر "أرابيسك". أما مقطوعة "ليل" فجعل للسكون فيها ما يبعث على مناجاة الله سبحانه، خلال ظلمة لا تكبس على الأنفاس، وإنما نغتسل فيها بالانفراد مع الروح وصولا إلى السكينة فى حضن النعاس. وينقلنا الليل إلى "حلم البيانو" وهى موسيقى فيها شقاوة أولاد وبنات يقفزون بين جبال خضراء وصولا إلى أعلى قمة حيث يضعون أيديهم فى أيدى السحاب كى يصبح شاهدا على زواجهم وعلى أملهم فى أن يعيشوا فى ''تبات ونبات'' متوجهين لله بالدعاء أن يحقق لهم كل الأمنيات. أما المقطوعة التى أسرتنى فهى "يافا"، حيث تحمل تكرارا بتنوع لنغمة توحى بتتابع موج البحر الذى عاش ميناء يافا الفلسطينى يطل عليه قبل أن يغتصبها الصهاينة ويتوسعوا فى ضاحيتها "تل أبيب" المليئة باليهود، ثم يقلبوا أحوال يافا لتصبح هى التابعة لتل أبيب. قصة تنطق بها تلك النغمة التى عند عزفها بالبيانو منفردا تعطى فى البداية إحساسا مختالا، ثم عند اقتران عزف النغمة نفسها بآلة أخرى تصاحب البيانو فإنها تعطى تأثيرا آخر، الفلوت مع البيانو مؤذن بخطر، والصاجات الضخمة إعلان نبأ مهم، وبدقات أعنف على مفاتيح البيانو تتحول النغمة نفسها إلى ما يشبه خطوات الجنود. ثم مع الكمان تتهدل وجنتى النغمة وتغزوها علامات الزمن، كأن آلة "الكمان" ترد بحزن على نغمة البيانو، ثم يزداد صوت الكمان أنينا، ويبدأ الطرق على أوتار البيانو فى الانسحاب تدريجيا كأننا واقفون بأقدام عارية على رمال شاطئ كانت تداعب مياه الأمواج فيه أقدامنا، إلى أن انسحبت الأمواج وتركت أصابعنا تغوص فى الرمال مع إطلالة من عيوننا تنتظر عودة المياه بواسطة موجة أخرى تأخرت فى العودة مثل يافا حين تثاقلت خطوات النغمة إلى أن تلاشت. هذا التفوق فى الإحساس بمكان وتحويل ما يوحى به إلى موسيقى جعلنى وأنا أسمع "يافا" بمصاحبة أنباء ما يجرى من محاولات إسرائيلية لانتهاك حرمة المسجد الأقصى، ولاقتناعى بأن الدفاع عن ''القدس'' يتحقق عبر مساهمة كل منا فى مجاله، بالتالى فقد وجدت نفسى أطوف داخل حلم لبيانو يعزف عملا عن الحرم القدسى فينقل للدنيا بلغة الموسيقى التى تتجاوز اللغات روح قضيتنا وجوهر صراعنا مع الصهاينة، وتخيلت أن التوقيع على هذا العمل المدوى سيحمل اسم الفنان الرائع: مالك جندلى.