دائماً ما نجد فى كل زمن من الأزمنة وفى كل مجال شخصية تلعب دور دون كيشوت أو دون كيخوتة.. تلك الشخصية التى صاغها الكاتب الإسبانى "سربانتس" عام 0561 فى رواية تحمل نفس الاسم، البطل رجل نحيف طويل قد ناهز الخمسين من عمره متوسط الحال يعيش فى إحدى قرى إسبانيا، البطل لايملك سوى درع ورمح وفرس، إلا أن هذا لم يمنعه من أن ينصب نفسه فارساً متجولاً برفقة فلاح بسيط من جيرانه يدعى "سانشوبانزا" معتقداً أن من واجبه محاربة الظلم والظلام فى جميع بقاع الأرض، ودون كيخوته يمثل الروح لدى الإنسان حيث المغامرة والقرارات اللاعقلانية أحياناً، أما صديقه الفلاح فإنه البدن والذى كان ضخم الجثة. ومن هنا اقترن اسم دون كيشوت بمحاربة الفساد أو الكائنات الكبيرة المهيمنة فى كل زمان ومكان، لذلك فإننى أختار المنتج محسن جابر صاحب شركة عالم الفن وأطلق عليه لقب دون كيشوت الإنتاج الغنائى لأنه ببساطة برمح ودرع وفرس استطاع أن يصمد أمام أخطبوط كبير اسمه شركة روتانا. وعالم الفن تاريخها طويل بدأت عندما كانت السوق لاتوجد بها سوى صوت الفن لمجدى العمروسى المنتج الفنان كذلك، وشركة سونار والتى تبنت المواهب الجديدة آنذاك، وبعض الشركات الأخرى الصغيرة إن لم تخنى الذاكرة، ظلت المنافسة بينها نظيفة، محترمة، فكل من تلك الأسماء كان يحترم حق الشركة الأخرى، لايحجب عنها أسماء، أو يغريها بالأكثر، ببساطة لم يكن هناك لعب تحت الترابيزة، أو ضرب تحت الحزام، فالجميع يحترمون بعضهم البعض، حتى الفنانون كانوا يشعرون بالولاء والانتماء تجاه الشركة التى يعملون معها.. إذن كانت منافسة بريئة بعيدة كل البعد عن أية أسلحة محظورة مهنياً، ذلك إلى أن ظهر أخطبوط اسمه شركة روتانا، وذلك منذ ما يقرب من خمسة عشر عاماً تقريباً، وأقول أخطبوط لأنها استطاعت أن تهيمن على سوق الكاسيت فى غضون سنوات قليلة بلا هوادة ولا رحمة ولا حساب للزمالة أو المنافسة الشريفة، وبالطبع فإن المطربين والمطربات بعقولهم الصغيرة وأفقهم المحدود جداً لم ينظروا إلا للمكسب السريع ولم تحكمهم القيم "القديمة" مثل الولاء أو الانتماء، فما كانت تقدمه شركة كعالم الفن أو غيرها يمثل 1 : 01 مما تعطيه روتانا، فبالطبع جرى كثيرون عليها وتركوا ديارهم القديمة فاحترقوا.. حرقتهم روتانا وحرقوا أنفسهم، وبما أن الحرب لم تكن شريفة أو نزيهة، فقد ضرب هذا الأخطبوط شركات كثيرة أغلقت أبوابها إثر تضخم هذه الشركة الجديدة، لم يبق إلا القليل جداً، ومحسن جابر وعالم الفن إحدى هذه الشركات التى صمدت ولم تخفها بشاعة شكل الأخطبوط ولاهيمنته على السوق، وذلك على الرغم من أن روتانا قد اشترت جزءا من عالم الفن فى فترة من الفترات لتضمن صمتها نهائياً، إلا أن محسن جابر قد لبسته روح دون كيشوت ليتحول إلى كيان أقوى من هذا الحيوان الشرس. آخر حركة: أدرك المطربون بعد تجربة روتانا المريرة.. أن الملايين ليست ثمناً للفن الحقيقى.