انقضت أيام العيد فهل مازالت الأعياد تشعرنا بالفرح والبهجة والسعادة ؟؟ أكاد أجزم أن أحدنا لن يمكنه الإجابة بنعم.. وكأنّ هذه السعادة قد ارتبطت بالأعياد والمناسبات، فقط لتذكِّرنا بفداحة خساراتنا السابقة، وقد تُمنّينا بأوقاتٍ أكثر بهجة ولكنها قطعاً لاتقدمها لنا كخدمة مدفوعة الأجر مقدماً ككروت المحمول التي تنصحنا بأن نعيش اللحظة وكل لحظة !! آن لنا أن نعى أن السعادة اكتشاف متأخِّر، نجده عندما نكون قد خسرناه . والفردوس المفقود حيناً، والموعود غالباً فقَدَر السعادة أن تكون عصفوراً مُعلَّقاً على أغصان الذكرى، أو على شجرة الترقُّب. أما من قال: عصفور في اليد أفضل من عشرة على الشجرة، فهو بالتأكيد أحمق ولا يمكن أن يكون شاعراً أو فيلسوفاً صاحب حكمة يقتدي بها غيره من البشر ، فلو كان كذلك لأدرك أنّ السعادة، هي تلك المسافة الفاصلة بينه وبين الشجرة، لا أكثر. ومن ثم عليه أن يعمل علي السير إليها بهمة ونشاط وحذر فهي كطائر يترقب الإفلات من بين أيدينا عند أول سهو. لذا، كي نكون أهلاً لها، علينا أن نعيشها كلحظة مهدّدة، وفرحة مسروقة، غافلْنا الزمن لننتزعها من قبضته. ولكن بعضنا للأسف ، يتسلّق شجرة المصادفة، ويتعلّق بأغصانها على أمل قطف ثمار البهجة من قبل أن يتأكّد إنْ كانت قد نضجت. وقد يقع أرضاً ويُصاب بكسر ما، أثناء مطاردته طائراً لن يمسك به في جميع الحالات، ثم يحدث يوماً أن يحطّ ذلك الطائر على سور نافذته ، أو يسقط أرضاً أمامه بالصدفة؛ فتصبح السعادة عندئذ مرهونة بفطنته، وتنبُّهه إلى وجودها.. عند قدميه! من هنا جاءت نصيحة أحد الحكماء: ''السعادة في بيتك، فلا تبحث عنها في حديقة الآخرين. ذلك أننا كثيراً ما لا نتنبَّه إلى الأشياء التي تصنع سعادتنا، لمجرّد أنها في متناولنا، وملك يدينا. وننصرف عنها إلى مراقبة وتمنِّي ما هو في حوزة الآخرين، بينما معجزة السعادة، تكمن في مواصلة اشتهاء ما نملك، والحفاظ عليه كأنه مهدَّد بالزوال. بدلاً من إهدار العمر في مطاردة ما قد يصنع تعاستنا إن نحن حصلنا عليه. بعد متابعة متأنية لحياة ثلاثمائة ثريّ إسباني قدمت دراسة إنسانية تمّ إعدادها في إسبانيا، نتائج أعتقد أنها ستصيب أمثالنا من التعساء بفرحة غامرة ذلك أنّ الشباب والصحّة والوسامة والوظيفة المرموقة والسيارة الفارهة، كلّها لا تجعل الإنسان سعيداً. فقد أكد الأثرياء الثلاثمائة أنهم لا يشعرون بالسعادة والأمان، لعلمهم أن إعجاب الناس بهم يعود لكونهم أغنياء فقط ، وأنّ المباهج البسيطة للحياة اليومية هي ما يفتقدونه بالفعل وذلك بسبب الثراء الفاحش الذي يُعرِّضهم لمستويات عالية من القلق، لعلمهم أن الأقارب والأصدقاء لا يفكرون سوى في استغلالهم. اعتراف فظيع ولكنه يجعلنا، نُصدّق ذلك الشاعر الذي قال: كل مَن لاقيت يشكو دهره.. ليت شعري هذه الدنيا لمن؟.. ويجعلنا أيضاً نتساءل هل السعادة في الدنيا لمن يملك الأقل؟ إحصائية عالمية أُخرى أُجريت في اثنين وعشرين بلداً، انتهت إلى كون عوامل السعادة التي نالت أكثر النِّسب، انحصرت في عاملي الأُسرة والصداقة، وتساوى فيها تأثير الفقر والغنى. ولكن ما أدهشني حقاً هو تلك الْمُفارَقَة التي جعلت الشعب الهندي في المرتبة الثانية بعد الشعب الأمريكي، متقدماً على غيره من الشعوب الآسيوية والأوروبية.. ولم أجد تفسيراً لسعادة ملايين الجياع والفقراء في الهند، إلاّ في قول جيمس بروير: السعادة إحساس تحصل عليه عندما تكون مشغولاً، لدرجة لا تستطيع معها أن تحزن. وهذا مايفعله الشعب الهندي يقدس العمل ويعطيه كل وقته فلا يجد وقتاً للحزن .. فانشغلوا أحبائى تسعدوا!!