أشعر بحزن بالغ.. وألم يعتصر قلبى كلما قرأت أو سمعت تلك العبارات المأساوية التى تتردد فى بعض الكتابات أو بعض الخطب الصادمة. «مصر على وشك الإفلاس» «مصر تغرق.. تغرق» «مصر تنهار» إلى آخر هذه الولولة التى تنشر السواد والصراخ من حولنا. كيف هانت عليهم مصر لدرجة الاستعداد لرثائها منذ الآن وقبل أن تقع الكارثة؟ أخرج إلى الطريق أتأمل الوجوه وأحاول أن أقرأ ما فى عيونهم إنهم ليسوا سعداء «ومنذ متى كانوا سعداء؟» أرفع رأسى إلى طوابق العمارات على جانبى الطريق، أغلب النوافذ مغلقة وحبال الغسيل تنوء بما تحمله من ملابس، ورجل عجوز اختار مكانا فى شرفته يقرأ جريدته تحت الشمس «هل يشعر هذا الرجل أن مصر تغرق؟» يعذبنى التفكير فى هذا السؤال أحاول أن أهرب منه إلى سؤال آخر.. ما الذى يمكن أن أفعله حتى أتجنب هذه النهاية المؤلمة؟ إننى لا أطيق أن أرى مصر تنهار، مصر الأهل والأصدقاء والذكريات والدفء والنيل وسحر الليالى القمرية مع أصداء موسيقى وأغان من الزمن الجميل.. مصر لا يمكن أن تقارن بأى بلد فى العالم فهى الكرم والشهامة والمروءة والحنان والقلب الطيب، فهل أتركها وأسافر بعيدا عنها؟ لقد سافرت كثيرا.. وزرت بلادا أجمل بكثير من مصر أكثر هدوءا أكثر نظافة أكثر احتراما للبشر ولكن سرعان ما يغلبنى الحنين إلى مصر.. فأعود لها مسرعا، ألم أقل لكم إن مصر لها سحر خاص لا يمكن مقاومته أو نسيانه ولكنهم الآن يولولون عليها فى مندبة من اليأس والشماتة لأن شبابها الثائر نجح فى إسقاط رأس النظام الفاسد فى ثورة سلمية تماما بهرت العالم وأعطاها كل التقدير والاحترام، مما أثار غيظهم أكثر ليدبروا لمصر المكائد والمطبات وعشنا عاما كاملا من الأ حداث المريبة التى كانت تهدف إلى زعزعة الثقة بين القوات المسلحة والثوار.. وبين الثوار وزملائهم. وتواصلت بفجاجة عبارات التحطيم المعنوى والتلويح بالإفلاس والانهيار وتغذية الفتن والمصائب التى اكتملت بمذبحة استاد بورسعيد، وظلت كل هذه الجرائم بلا محاكمات عاجلة وعقاب علنى وتزامنت مع توالى جرائم الخطف والسرقة وتعطيل الطرق العامة والمواصلات وإشاعة جو من الخوف والشكوك والفوضى. إن توالى هذه الجرائم بدون أى تعليق رسمى أو تحليل عملى من مصدر مسئول فتح الطريق أمام فهلوة بعض الفضائيات للصيد فى الماء العكر وإشاعة المزيد من الخوف والارتباك. هل يعقل أن مجلس الوزراء بكل أجهزته وخبرائه لا يستطيع أن يكلف شخصا مسئولا ليخاطب الرأى العام بالحقائق وراء ما يحدث. الحلول ممكنة، والمهم أن تأتى فى الوقت المناسب بدون أى تأخير أو فزلكة! ومصر أقوى بإصرار شبابها وحكمة شيوخها على نسف كل الدعاوى الكريهة بالإفلاس والانهيار.