دائما تعجز الكلمات عن وصف إحساس الحب عندما يتعلق بالوطن ويصغر أى إحساس حب ويتضاءل بجانب إحساس الانتماء والحب لمصر ولكن الكلمات وحدها لا تكفى. فثورة 25يناير قامت من الأساس فى حب مصر ولأجلها وظهر ذلك فعلياً بتضحية أبنائها بأرواحهم فى سبيل أن تعود مصر لسابق عهدها وإسقاط قوى الظلم التى تسببت فى تراجعها.. وجدت أن مناسبة كعيد الحب فرصة لنقف مع أنفسنا فى ظل كل التوترات والمشاحنات والاختلافات حولنا لنعمل فى انسجام وتناسق ونستثمر اختلافاتنا لمصلحة مصر وشاركتنى فى ذلك قامات مصرية مفكرة مهمومة بالحال المصرى جمعت آراءها لوضع استراتيجية وليست مجرد كلمات لإظهار انتمائنا لبلدنا فعليا. الدكتور وسيم السيسى الذى ما إن سألته كيف نحب مصر فعليا ويظهر ذلك فى تصرفاتنا فى هذه المرحلة حتى أجاب: إذا انتمت مصر بكل مؤسساتها للإنسان المصرى سوف ينتمى لها ويحبها.. ولكن للأسف النظام الفاسد السابق أخرج جيلا يكره بلده مثل المتسبب فى أحداث ماتش الكرة ببورسعيد وغيره من مخربين. وحتى من يحب وطنه حكم عليه بأن يبتعد عنها فكل من أراد الحياة الكريمة ويحب وطنه ويريد الاستقرار به لزم عليه أن يسافر ويبتعد عنه ليكون نفسه ويبنى حياته ليستطيع أن يعيش فى محبوبته مصر فحب الدولة يأتى من فوق من مؤسسات الدولة وهذا لن يتأتى إلا من القيادة فعندما كانت القيادة فاسدة أيام مبارك لم تتوقف فقط عجلة الإنتاج بل سرق العجلة نفسها..فإذا توقفت الصين عن التصدير لنا «سنمشى عرايا» فقد أغلقت مصانع النسيج ببيع القطاع العام. فأين الانتماء لهذا البلد؟! لقد خرج المحتل الإنجليزى مدينا لمصر بعشر ميزانيات أما مبارك فقد جعل مصر مديونة!! أما الثورة فقد قام بها شباب مخلص ينتمى لبلده ولكن ما حدث بعد ذلك من برلمان أنشئ كدليل على التغيير والمفروض أنه قائم على أصوات الناس هو أكبر عملية تزوير حدثت فى التاريخ فأكبر تزوير هو تزوير الوعى عندما فازت الأغلبية بمداعبة عواطف البسطاء واستغلال حاجاتهم باسم الدين وحتى الاستفتاء الذى تم فى 19 مارس قسم البلد ولم يجمعه فأصبح هناك التحرير وهناك العباسية وأصبح هناك من يؤيد بقاء العسكرى وهناك من يرفضه. وفى رأيى فإن الحال سينصلح إذا تم انتخاب رئيس فينتخب رئيس جديد تهدده هزيمة انتخابية إذا لم يفلح، حتى لا يتحول إلى «حرامى» بغياب شبح الهزيمة. وثانيا يوضع الدستور ونحن عندنا دستور السنهورى باشا لسنة 45 وهو أروع ما يمكن وقد شارك فى وضعه خمسون من عظماء المفكرين فى هذا البلد مثل طه حسين وعباس العقاد وعندما تسير البلاد بمؤسساتها فى سيمفونية متناسقة لصالح الشعب سيحب الشعب البلد وينتمى لها وليس هناك من سبيل آخر لذلك. * منع الفوضى الخلاقة من الاستمرار: الدكتورة سوسن الغزالى رئيس وحدة الطب السلوكى بكلية الطب بجامعة عين شمس وأستاذ زائر بجامعة واشنطن ترى أن حب مصر يجب أن يعبر عنه ويظهر فى صور متعددة ومسئول عنه عدة جهات فتقول : تجلت مظاهر الحب لمصر فى صور عديدة بعد الثورة كان منها الإقبال على الانتخابات بمجلس الشعب فهذا يعد تعبيراً عملياً وسلوكياً لكن هذا ليس كافيا فالبلد يحتاج لتحرك وإقبال على العمل فكل فى موقعه وتخصصه يضاعف عمله ليوقف بلده على قدميها وأستغرب من الدعوات المضللة بالعصيان المدنى الذى هو معروف أنه يكون ضد المحتل الأجنبى ليضعف مصالحه فكيف نفعل ذلك فى أنفسنا.. ولكن الشعب المصرى بجميع طبقاته عنده الحس الوطنى الخفى الذى يعرف أن بلده لا يستحق هذا الانهيار ففى رأيى رفض العصيان المدنى والإقبال على العمل أول صور الحب الحقيقى العملى للوطن كما أن المطالبين بهذا العصيان يرون أن البدء بطلبة التعليم العالى لن يشكلوا مشكلة فى الإنتاج وبهذا يهمشون دورهم وهو ما يتعارض مع حاجاتنا الملحة فى تعظيم قيمة العلم والبحث. كذلك الوجه الآخر لحب الوطن هو عدم التعجل بنتائج الثورة والذى يدفع الناس للاحتقان وطلب المكاسب الفئوية وهو ما لا يتماشى مع دولة أسقطت نظاماً كان يعمل لنفسه فقط وضحى الناس بحياتهم لأجل الوطن كله فالمطالب الفئوية فى هذه المرحلة تؤخرنا عن المضى قدما. وأهم شىء فى نظرى هو ترك ميدان التحرير لأن البلد أصبح «كالغربال المفتوح» ففى التجمعات يكون هناك 3 أنواع من الناس بالإضافة للثوار الحقيقيين نوع يأتى للفرجة ورأيت أسراً تأتى «بالترمس» والأكل حتى تأكل وتتفرج على ما يحدث ونوع مندس قد يكون مأجورا يأتى للتخريب وهو ما يتسبب فى الكوارث التى نراها ويتسبب فى سير الدولة فى مسار مرعب فالحشد الكبير مهما كان سلميا يتسبب فى كوارث والعالم كله تحدث فيه تجمعات ووقفات احتجاجية تكون برفع لافتات وفى حيز معين ووقت معلوم لا يعطل ولا يقلق فالحشد الكبير كان لإسقاط النظام السابق أما الآن فهذا الحشد تحدث به المجازر والكوارث، النوع الثالث باعة جائلون ومرتزقة وهم أيضا يثيرون القلق بمناوشاتهم فإذا انسحب الثوار وتركوا الميدان أجدى بهم ليستمروا فى الثورة ولكن بناء الوطن والعمل لإنجاح البلد هو أول الطريق، ومن يطالب برحيل المجلس العسكرى فورا أقول له إن المجلس التزم بأقصى درجات ضبط النفس وأن الجدول الزمنى الموضوع إذا احترم سيترك المجلس البلد فى حال منظم من رئيس ودستور كما أن هذا المجلس رجاله مصريون وليسوا إسرائيليين فأنتم تقولون «يلا ارحل» ولكن ما هو البديل الآن؟ وتضيف الدكتورة سوسن الغزالى: لإكمال روشتة إظهار انتمائنا لبلدنا يأتى ثانيا دور الإعلام الذى مارس حريته بعد كبت مما أحدث فوضى إعلامية ويرون كل ما هو سلبى مع أنهم إذا أحبوا مصر ركزوا على الإيجابيات وعند حدوث سلبيات يتعاملون بحيادية عن الحلول وبدلا من تهييج الناس ضد المجلس العسكرى ومجلس الشعب لأن الشباب لا يزال يعيش لحظة تفجير الثورة ومتحمس ووضع الحلول أفضل من إثارة الغضب. ثالثا: إقامة حوار بين الأجيال المختلفة فالشخصيات المؤثرة مثل المدرس فى المدرسة والأستاذ فى الجامعة والقسيس فى الكنيسة والشيخ فى الجامع لهم دور فى بث الحب العملى الذى يؤدى للبناء فى نفوس الشباب الذين يحتكون بهم ولا يصبح ذلك كدرس دين يمل المستمع منه بل بإجراء حوار وتشجيعهم ورفع معنوياتهم ليكملوا البناء. رابعا: إقامة دولة القانون بالضرب على أيدى الخارجين من مخربين بيد من حديد وأعجبت عندما اجتمع نادى القضاة عندما تدخل مجلس الشعب ووصف السلطة القضائية بالبطء والتواطؤ وهذا ليس من حب مصر أن نشكك فى قيمة القضاء المصرى وكذلك التوقف عن ضرب جهاز الشرطة شىء أساسى فإصلاح الخلل لا يتطلب هدم المؤسسة فعندما يمرض جزء فى الجسد ويحدث به خلل نعالجه ولا نقطعه.. فالردع الحاسم هو ما سيوقف الفوضى الخلاقة من الاستمرار والنظر فى أحكام التمويل الخارجى وعدم الاستجابة للضغوط الخارجية من منع المعونة فالمواطن ليحمى كرامته يمكن أن يعيش على الخبز والملح ولكن بشرط أن يشاركه المسئولون فى هذا التقشف. الكاتب الكبير يوسف القعيد احترمت فيه صراحته عند إبداء رأيه عندما وصف شعور الحب الذى يجب أن يدفعنا لبناء وطننا «بالترف» وأوضح رأيه قائلا: للأسف فإن معنى الحب لم يعد له أى وجود وأصبحت المصلحة أولا فى كل مكان فى الشارع والبرلمان وحتى بين الشباب الأحباء فأصبح ما بينهم رغبة وليس حباً.. كيف أقول ما يجب فعله لإظهار حبنا لمصر وهذا الحب لم يعد موجودا لدى العديدين هل ما حدث فى بورسعيد المتسبب فيه يحب مصر؟! هل المسئول عن موت أعداد من المصريين هذا العام يتجاوز عدد من ماتوا فى حرب العبور يحب مصر؟! كل من فى موقعه يبدى مصلحته أولا عن مصلحة مصر أنا متشائم وخائف على مصير مصر فمعنى الحب والانتماء قائم على العطاء والتنازل عن مصالحى ورغباتى فى سبيل من أحب وليس تغليب المصلحة.. وحتى كل من يتكلم عن أن يمشى المجلس العسكرى أو يظل ليس هذا هو الأساس فقبل البناء يجب وضع الأساس وهو الانتماء والحب والخوف على مصلحة مصر.. فشعار الناس اليوم «أنا ومن بعدى الطوفان» أما شعور الحب فهو شعور الأسوياء والناضجين وهو ما لا ألمسه اليوم فى كبير أو صغير ولا أستثنى فيه أحدا.. وعندما طلبت منه أن يفكر فى تاريخ الشعوب وأننا لا محالة فى صعود بعد مرحلة الهبوط التى نعيشها الآن على أكتاف من يحبون البلدة سارعنى بالإجابة: بعد كام سنة.. كم من المصريين سيفقدون حياتهم للوصول لهذا اليوم.. أنا متشائم وأتمنى أن تثبت الأيام عكس كلامى وأكون مخطئا «وينصلح » حال البلد. * نحتاج مبدعين عالمة الاجتماع الدكتورة هدى زكريا أستاذ علم الاجتماع السياسى على نقيض الكاتب يوسف القعيد تماما، فهى متفائلة ولكن عندها العديد من التحفظات فتقول: كلمة الحب كلمة هلامية تستخدم كثيراً فمن يضرب زوجته يقول إنه يحبها لذا أنا لا أفضل هذه الكلمة لأنى بصراحة «مفروسة» من هذه الكلمة. ولكن لنتكلم عن الانتماء فهو أعم وأشمل ولا يتوقف عند المشاعر وهناك تحفظات ليظهر هذا الانتماء. أولا: لن يكون عندى انتماء إذا لم يكن عندى صلاحيات كالمسئولية تماما فماذا أعطيك كدولة حتى تظهر انتماءك وتمارسه؟ فحتى من يحب البلد يتركها ويذهب لدول الخليج بدلا من أن يعيش أسوأ حياة فى بلده يعمل 01 ساعات ويأخذ 3 مليم ولأن الدعوة لحب مصر هى ساذجة لأنها ببساطة فى فطرة المصريين بشكل طبيعى ومضاعفة عن أى شعب آخر لكن المطلوب هو ممارسة الانتماء كما قلنا فالأم بحاجة إلى قيادة من إصلاحيين ومبدعين ووطنيين ومخلصين لرسم خريطة لتقليل الوقت للخروج من هذه المرحلة الحرجة وهم بالفعل موجودون ولكن النظام السابق هو من جعل القيادة فى يد الأقل مهنية والذين يطلقون عليهم فى علم الاجتماع فريق «Statuesque» وهم من يؤمنون بأنه ليس فى الإمكان أفضل مما كان ولكن بعد أن قامت الثورة عندما أدرك الطليعة منا أننا على حافة الهاوية وألحت عليهم عظمة تاريخنا الذى يجعلنا دائما نحاول العودة للصورة التى كنا عليها فتحنا الغطاء على القبو فخرجت لنا العقارب والصراصير المختبئة وهذه هى الحالة التى نعيشها الآن لذا أنا فرحة بما تم ولكن بحذر فى هذه المرحلة. ولكن يوما بعد يوم سيتصدر المشهد من يقفون فى طرفه حتى ولو لم نرهم اليوم وسيختفى أصحاب المصالح واحدا تلو الآخر فأى حرب ستكون لصالح الجموع. وتضيف الدكتورة هدى زكريا قائلة: أنا متأكدة أن المواطن البسيط سيشعر بانتمائه ويعبر عنه عندما يرى أولاده أفضل منه كما يتمنى.