أعرف أنك تحب مصر، لكن ليس كل مصري مثلك، أنت تحبها لأنها بلدك، وطنك صندوق ذكرياتك شهادة ميلادك، مدرستك القديمة وبيت طفولتك وأصدقاء العمر، الشجرة التي اختبئت خلفها والأرض التي لعبت فيها بالكرة القماش والمرجيحة التي ضحكت معها كما لم تضحك بعدها، أعرف أنك تحب مصر. الكورنيش الطويل المطل علي نيل كان جميلا، الإسكندرية التي لم نعرف بعدها صيفا أو شتاء، غيطان الفلاحين التي تملأ العين وفساتين البنات الملونة بكل ألوان الدنيا، أعرف أنك تحب مصر، بترابها ببيوتها العجوز برائحة الحواري الضيقة بخناقة بين اثنين علي لعبة طاولة، لكن ليس كل مصري يحبها مثلك، وليس كل من عليها الآن مصريا. كنت أختلف دائما مع العبارة الشهيرة التي كتبها وحيد حامد " اللي يشوف البلد دي من فوق غير اللي يشوفها من تحت "، مازلت أؤمن أنها من تحت أجمل وأروع، بالناس الطيبة التي تعيش في أزقتها الضيقة وشوارعها، ناسها الذين لانراهم في التليفزيون ولا في الصحف، ملوك رغم فقر حياتهم، هؤلاء هم حبات عيون مصر، هم الخلاصة التي تعطر بلدا وتحميه، طبقة عازلة ضد سقوط وطن كبير بحجم مصر، يعيشون في هدؤ، يتحركون في هدوء، يراقبون في هدوء، عيونهم شبعانة رغم الإحتياج، مستورة رغم أشياء كثيرة ناقصة، يعرفون الله ويحبون طاعته ويخافون عقابه، مؤمنون كما صحابة حول نبي، لا ينظرون إلي آية الكرسي في رقبة سيدة أو دقة صليب علي معصم مسيحي، قضيت الأسابيع الماضية بينهم لكي أطمئن أن هذا الصنف الطيب مازال موجودا في بلدي . هذا صنف لاتخف علي مصر وهم فيه، مصريون علي حق، يتكلمون عن الثورة لها وماعليها، عن الطبقة الحاكمة مالها وماضدها، يملكون حكمة رغم بساطة التعليم، ويملكون عقلا رغم كل عواصف الإعلام التي تحاول طمس آخر معالم العقلية المصرية، هؤلاء يدركون تماما أن في مصر الآن مصريين لا يحبونها مثلهم، علي الأقل لايفكرون ماهو الحب وكيف يكون الحب، لايعرفون أن كل الحب عقل وليس إندفاعا مجنونا وراء عواطف تؤدي حتما إلي كوارث ! علي أرض الواقع الآن أكثر من مصري، بأكثر من ملامح، بأكثر من رأي، بأكثر من اتجاه، كلهم يؤدون دور المصري، وكلهم يؤكد أنه الأحق بدور البطولة ومشهد النهاية، لايتساوي الحب في كل القلوب، ولا الغاية، بعضهم علي استعداد أن يموت من أجل بلده، وبعضهم علي استعداد أن تموت بلده من أجل أن يعيش هو بنفسه ! من يحب مصر ؟ من يحبها يجعل يوم 25 يناير القادم عيدا.. لاحريقا، إحتفال ببداية صفحة جديدة وليس لمناقشة ماض لم يعد معنا، المستقبل ينتظر أن نبدأه بسم الله الرحمن الرحيم، وقد تأخرنا عليه سنة .. لكنه ينتظرنا، مازال لايريد أن يتركنا ويمضي من الملل أو الغضب، هو يحب هذا البلد، فلا تجعلوه يتركها ويتركنا نعيش في الماضي ويرحل . أتمني أن يكون يوم 25 يناير يوم فرحة وليس يوم حزن أو خوف، يجب أن نتعلم من دروسنا ونتحلل من عقدنا الشخصية ونقرأ الفاتحة للبداية وليس للنهاية، من المؤسف أن ننتظر يوما وأيدينا علي قلوبنا من كوارثه .. الأجمل والأنسب أن ننتظره وفي يدنا أعلام بلدنا نطوف بها الشوارع والميادين، في يدنا مكنسة وشجرة صغيرة .. ننظف بلدنا ونزرعها، أن نجتمع لنحتفل ببداية تأخرت ونقسم قسم الشرفاء المخلصين أن هذه بلدنا سوف نجعل العالم كله يحترم إرادته في الحياة وحقه في أن تظل وطننا قويا كبيرا له تاريخه وعنده مستقبله . لا أخاف علي مصر وفيها من يحبها ولها رب يحميها في كل أزمانها، فقط أتمني أن نعلن عن هذا الحب .. بحب .