كانت صديقتى منذ سنوات بعيدة، ما أن رأيت هذه الفتاة حتى زارنى شعور غريب لم أفصح به لها إلى الآن، فهى مخلوقة لأمر ما كبير وضخم، وقد أشفقت عليها مما هو فى انتظارها فى المستقبل، من يعرف هذه الفتاة لابد أن يزوره كما زارنى شعور واحد، فتاة استثنائية، تجمع ما بين خصال متناقضة، الذكاء المشع والطيبة المخجلة، الروح المرحة وحدة الطباع، الثقافة العالية والعزيمة والإصرار على موقفها، عندها أذن تسمع وعندها عين تبصر، وتمتلك أهم ما فى المرأة الحاسة السادسة، كلما كانت تتحدث معى، كنت أشرد منها دائمًا، فهى تذكرنى بنساء قليل ما تعرفت عليهن، مثلها مثل أستاذتى الفذة نجلاء بدير، نفس الأعين الذكية الحادة، نفس القلب الحنون الذى لا يخونها أبداً فى حكمها على البشر، كنا أصدقاء أنا وتلك الفتاة الفلتة- نوارة الانتصار أحمد فؤاد نجم- وقد تفرقت بنا الدنيا وكنت أنا السبب فى هذه التفرقة، فقد كتبت مقالاً- قليل الأدب- عن أستاذتنا صافيناز كاظم والدتها، وكنت شديد الغضب، ووصل الأمر الآن إلى المحاكم ما بينى وبين الأستاذة صافيناز، ورغم أننى أحترم تلك المرأة لأقصى حد لا يمكن أن تتخيله هى، إلا أننى كتبت ضدها وأنا فى ثورة الغضب، وأعترف أننى كنت فى غاية قلة الأدب مع هذه المرأة، وكان سبب أن افترق الطريق ما بينى وبين نوارة مصر نجم، لكنى كنت أتتبع مقالاتها، وأنا معجب وأمنع نفسى عن الاتصال بها لأبدى إعجابى بما تكتب، فهى تكتب كما تشعر وبما تشعر، لا فرق بين ما تكتب وما تتحدث به، نوارة عكس آخريات يتقن الافتعال والكذب، وكنت أتتبع حركتها فى الميدان طوال ال81 يوما فى ثورتنا العظيمة، كنت أظن أنها لا تنام من كثرة حركتها فى الميدان ليل نهار، وكنت أتتبع بقية تحركاتها لأنى كنت أرى توقعى يتحقق، خلقت لشىء ما عظيم، وكانت كل يوم تثبت لى ما توقعته، حتى رأيت مشهد الاعتداء عليها أمام مبنى ماسبيرو الأسبوع الماضى، شير الفيلم لى أحد الفلول ممن يدعون أنهم من أنصار المجلس العسكرى، قال لى اتفرج وهتضحك، وكنت لا أعرف ما هو المشهد وقد صعقت وهالنى ما رأيت نوارة الثورة تضرب هكذا، رحت أعيد الفيلم أكثر من عشر مرات، حتى دمعت عيناى فى المرة العاشرة، هذه الفتاة لا تستحق أن يفعل بها أى رجل فى الدنيا هكذا، فهى أنظف وأطهر من أطهرهم، ومن أنبل بنات مصر، ومن أندر بنات مصر، لم تكن أبدا من الانتهازيين ممن ركبوا الثورة، لم تستفد من الثورة كأخريات، بل أكملت مسيرتها الوطنية كما هى لم تتغير ولم تتبدل، شامخة ضد أى تلوث أو تلون سياسى، ظاهرة من ماء الميدان الذى روته من دمها وعرقها، ودموعها، نوارة نجم- يا غجر- لا يمكن أن تهان بهذا الشكل المخزى، عار علينا جميعا أن نراها هكذا، وحيدة فى الشارع أمام أشباه الرجال، من يمس نوارة بسوء فالعار لنا، وثأرنا هو النار، لو مازال عندنا نخوة، يا نوارة أبو النجوم يا نوارتنا، أنت الأعلى والأطهر والأنظف من هؤلاء الشرذمة، نوارة لا تبكى ولا تحزنى، فما خلقتى له قادم لا محالة، نوارة إحنا متأسفين.