الأغلبية ليست صامتة، لكنها تختار الوقت المناسب الذي تتحدث فيه. لا تملأ الدنيا «رغيا» وضجيجا، وإنما تتحلي بالصبر علي الظالمين. لقد خرجت الملايين وقال الشعب كلمته التي لابد من احترامها مهما كانت النتائج التي ظهرت والتي ستظهر. إنها ثورة شعب، إنه العقل الجمعي لشعب عظيم، وفطرة نقية، ووعي أصيل، حالة من الإصرار علي العبور بمصر إلي الشرعية الدستورية، التي في ظلالها يتم بإذن الله سلميا وديمقراطيا تحقيق أهداف الثورة التي خرج فيها هؤلاء الملايين يهتفون للحرية والكرامة والعدالة الاجتماعية. إنه الشوق للحرية، للديمقراطية بورق رسمي. فكبار السن الذين امتلأت بهم الطوابير في حالة من الفرحة حرص علي أن يعيشها هؤلاء الكبار الذين حرموا طويلا من الاستمتاع بالحق في الاطمئنان علي أن إدلاءهم برأيهم في شئون الوطن هو أمر يمثل مساهمة حقيقية في مستقبل أبنائهم، هي فرحة وصلت بالبعض إلي حد البكاء عبر مشاهد نقلتها بعض العدسات التليفزيونية عند توجيه السؤال إلي الناخب عن شعوره وهو في الطابور الطويل من أجل الإدلاء بصوته فرأينا دموع الفرح المعبرة عن فيض الوجد تنساب من عيون عدد منهم. إن زحف ملايين المصريين بمختلف الأعمار والفئات إلي اللجان الانتخابية هو مشهد جبار أعاد إلي ذاكرتي كلمات الرائع صلاح جاهين بموسيقي العبقري كمال الطويل وصوت القمة «أم كلثوم» في أول نشيد وطني بعد ثورة 1952 عبر المقطع الأخير من النشيد الذي يدوي فيه صوت أم كلثوم: الشعب بيزحف زي النور.. الشعب جبال الشعب بحور. يضاف إلي كل هذا الجمال النابع من الحشود أن الطوابير الطويلة علي الرغم من البرد والتحذيرات السابقة من الانفلات الأمني فإنها طوابير لوجوه مستبشرة، مبتسمة، تحمل الأمل رغم كل ما يتم بثه حولها من تخويف واستهزاء من الذين رددوا وكرروا أنهم حزب الكنبة وأنهم قد نفضوا أيديهم من الثورة، بينما الحقيقة هي أن هناك فرقا كبيرا بين المتاجرة بدم الشهداء، وبين الوفاء للشهداء عبر العمل علي تحقيق مستقبل أفضل لمصر التي من أجلها ضحي الشهداء، فهذه الجموع خرجت كي تختار لمصر الأفضل عبر الوسيلة التي ارتضتها بالديمقراطية وهي صندوق الانتخابات. إن وفاء هذا الشعب العظيم للشهداء قد ظهر في حرص الجميع علي المشاركة لكي تصبح مصر أجمل وأقوي وهي الأسباب التي خرج من أجلها الذي قضي نحبه، والذي ينتظر، الذين ما بدلوا تبديلا. إن هذا الشعب الهادر يستحق حكاما يشعرون به وبمعاناته، بصبره وتحمله وكبريائه. لذلك نتمني بعد هذه الطوابير الجميلة ألا تعود طوابير الخبز وأنابيب البوتاجاز، أن يتذكر الناجحون في الانتخابات أن الذين وقفوا في طوابير من أجل الحرية، لا يجب أن يقفوا من جديد في طوابير من أجل اللقمة. كذلك لابد أن يتذكر الذين لم ينجحوا في الانتخابات ضرورة احترام النتائج، لأن هذه هي الديمقراطية.