كان المشهدان فى ميدان التحرير يومى 18 و 22 نوفمبر مشهدين مختلفين تماماً، ففى يوم 22 نوفمبر امتلأ الميدان منذ الفجر بحشود جاءت من كل محافظات مصر وكان مشهد الأتوبيسات والسيارات الحاملة لهؤلاء أكثر إثارة وكأنهم ينذرونا بأعدادهم.. كان المشهد ليس إلا استقواء واستعراض قوة لجماعة الإخوان المسلمين. وبما أننا مسلمون أيضاً وشعبنا مؤمن منذ فجر التاريخ - ورب ضرة نافعة - حدث ما حدث صباح اليوم التالى يوم السبت بضرب المعتصمين من المصابين فى التحرير.. ويبدو أن الكل يستعرض قواه الشرطة والجيش على الشعب المصرى الذى عانى فترات طويلة من الظلم والبلطجة والقهر والاستبداد، وكانت مشاهد الشباب الذى كانت تفقع أعينهم برصاص الشرطة وترمى جثثهم فى الزبالة وعربات الإسعاف التى لم تتوقف وهى تحمل عشرات الشباب ما بين شهداء ومصابين جعلت ملايين المصريين من «حزب الكنبة» كما يطلقون عليهم ومن غير حزب الكنبة الكل يصرخ من هول تلك المشاهد والجبروت الذى وصل إليه رجال الشرطة.. فخرج الملايين منذ السبت والأحد والاثنين التى اكتملت به الصورة ليمتلئ ميدان التحرير بالمصريين أصحاب الضمير ومحبى الوطن الحقيقيين والذين يريدون ابتغاء وجه الله والوطن وليس ابتغاء منصب أو كرسى فى البرلمان أو الاستيلاء على السلطة وكبت حرية المصريين تحت أى مسمى يبتذ به البسطاء منهم. والشىء المثير للدهشة أننى شاهدت فى إحدى القنوات الفضائية المذيعة لميس الحديدى تسأل مراسل القناة «صف لى وقل لى من هم هؤلاء الذين فى التحرير الآن؟!!» فاسمحى لى يا سيدتى أن أقول لك من هم الذين كانوا فى التحرير.. فمع كل خطوة كنت أخطوها بصعوبة شديدة من الزحام كنت أقابل العديد من أصدقائنا الأطباء والصحفيين وكانت هناك أعداد كبيرة من شباب الجامعة والفنانين وأمهات مصريات من مختلف الطبقات وبنات الطبقة البرجوازية وكان هذا يبدو من ملابسهم، الكل لا يخشى القنابل المسيلة التى تصيب بالتشنجات.. الكل خرج من وحى ضميره الحر يقول بدون أن يفرض عليه أحداً ما يقوله أو يخرجه من منزله من محافظة بعيدة ليحشد به الميدان، الكل خرج بتلقائية نابعة من حب حقيقى لبلده وخوف على ثورتها وعلى مستقبلها الكل خرج ليقول نحن لن نفرط فى ثورتنا بعد اليوم ولا نخشى أحداً إلا الله وعاشت مصر حرة وعاش كل المصريين الأحرار الذين لا يبغوا غير الله والوطن والكرامة والعدل.