شعور غريب ينتابك عندما تسمع كلمة «حب» فى مجال المعركة، هذا بالضبط ما شعرت به لأول وهلة عندما سمعت من اللواء أركان حرب عبدالمنعم خليل قائد الجيش الثانى الميدانى أنه تعلم الحب فى حرب 73، وأن الوسيلة الأولى التى استخدمها فى المعركة وعلمها لجنوده كانت الحب والعاطفة.. كنت أظن ومثلى كثر أن الحب والحرب نقيضان لا يجتمعان أبد الدهر، لكنى اكتشفت أن حرب أكتوبر مثلما أعطتنا دروساً مستفادة فى كيفية استرداد الأرض والعزة والكرامة علمتنى أيضا أن الحب والحرب وجهان لعملة واحدة. التقيت باللواء أ.ح عبدالمنعم خليل وعلمت منه كيف يلتقى الحب مع الحرب لتكون ثمرتهما النصر.. بداية كيف أسندت إليك مهمة قيادة الجيش الثانى؟ - الحقيقة أننى توليت هذا المنصب مرتين: المرة الأولى بعد استشهاد اللواء عدلى سعيد قائد الجيش الثانى وخلفه اللواء عبدالسلام توفيق، بعدها غادر المنصب لتوليه منصبا آخر عام 1969 وظللت فى القيادة حتى 1972 حيث نقلت إلى هيئة التدريب، والمرة الثانية عندما تلقيت اتصالا من اللواء الجمسى يوم 14 أكتوبر يخبرنى فيه بأن اللواء سعد مأمون قائد الجيش الثانى فى ذلك الوقت أصابة المرض، وأن الفريق سعد الدين الشاذلى رئيس الأركان طلبنى لقيادة الجيش الثانى مرة أخرى، فعدت وتسلمت عملى على الفور، فالواجب كان ينادينى. وماذا عن أهم ذكرياتك فى حرب 73؟ - عندما خضنا حرب أكتوبر لم تكن لدينا أسلحة متطورة ومتكافئة مع العدو لذلك اعتمدنا فى خطتنا على العبور، والوصول إلى عمق يتراوح ما بين 10 -15 كم فى القناة لأن هذه المسافة هى التى تستطيع صواريخ الدفاع الجوى تأمينها لمنع اقتراب الطيران الإسرائيلى. فبهذه الإمكانيات المحدودة حققنا إنجاز العبور، ودمرنا خط بارليف، الخط الذى أطلق عليه اليهود «خط بارليف الذى لا يقهر» لكننا قهرناه ودمرناه. ؟ وماذا حدث فى الثغرة؟ - قامت إسرائيل بالضغط على الجيش الثانى فى منطقة الدفرسوار، وفى يوم 18 أكتوبر أخبرنى الفريق الشاذلى أنه سيعود للرئيس السادات ليعرض عليه الأمر. والجديد والذى لا يعرفه أحد أن المخابرات الحربية المصرية كانت قد حذرت قبل الحرب من أن الجانب الإسرائيلى سيحاول خلق ثغرة بين الجيشين الثانى والثالث عند منطقة الدفرسوار وكانت هناك خطة معدة سلفاً، وتم التدريب عليها قبل الحرب. لكن ما حدث هو أنه تم سحب القوات المعدة للتعامل مع الثغرة يوم 14 أكتوبر للدفع بها والمشاركة فى عمليات العبور على الضفة الشرقية، وبالتالى لم تكن هناك قوات إضافية. لكن الحمد لله تم فض الثغرة، وتم وقف إطلاق النار بالرغم من أن إسرائيل قامت بانتهاك هذا القرار عدة مرات. الجندى المصرى خير أجناد الأرض، فما سرتفوقه، ومارأيك فى طبيعة الجندى الإسرائيلى؟ - الجندى المصرى أعظم جنود الأرض على الإطلاق وسرتفوقه هو إقدامه وشجاعته المتناهية فى أحلك الظروف وأشرس المعارك، هدفه الوحيد هو النصر، فأذكر قصة حدثت لى عندما كنت أمر على الجنود لأطمئن عليهم أثناء حرب الاستنزاف وكان معى جنرال روسى وكلما أتحدث مع أحد الجنود وأسأله عن أحواله وإن كانت له مطالب يسألنى متى سنحارب؟ إننا عطشى لتحرير الأرض فعلق على ذلك الجنرال الروسى قائلا: إن جنودكم من ذهب فلو كان أحد جنودنا فى هذه الظروف لطلب أشياء أخرى كثيرة، ويضيف اللواء عبدالمنعم قائلا: لقد رأيت بنفسى فى أرض المواقع الإسرائيلية لافتات مكتوبا عليها «احذر القناصة المصرى» وهذا وحده كافٍ ليدل على أن الجنود والقناصين المصريين كانوا يلقون الرعب فى نفوس إسرائيل، أما عن طبيعة الجنود الإسرائيليين فمنذ حرب فلسطين تعلمنا أن الجندى الإسرائيلى غير شجاع والدليل على ذلك هو أنهم كانوا يقاتلوننا من وراء سواتر بعكس المصريين وأيضا خط بارليف الذى بنوه ليقاتلونا من خلفه، وكما قال الله تعالى «لا يقاتلونكم جميعا إلا فى قرى محصنة أو من وراء جدر». لقد كانت العلاقة بينك وبين الرئيس جمال عبدالناصر وطيدة فكيف كانت علاقته بالجنود؟ - لقد كان الرئيس جمال شخصاً عطوفاً ورحيماً، فقد كان يجلس مع الجنود باستمرار ليسمع شكاواهم ويعرف أخبارهم وأنا أذكر موقفا فى عام 1970 أننى ذكرت له أن الجنود المصريين عندهم مطالب واحتياجات كثيرة، فأمر بإرسال 15 وزيراً إلينا فى أرض المعركة وجلسوا مع الجنود وأكلوا معهم وفى نفس اللحظة علمنا بإنتقال الرئيس جمال إلى رحمة الله بعد أن أمر بسد مطالب كل الجنود. لقد كنت تتعامل مع جنودك بمنظومة حب، ما هى تلك المنظومة وماعلاقتها بالحرب؟ - أنا رضعت حب الله ورسوله وحب مصر وحب الناس أجمعين، فنبت بالحب وبهذا الحب عاملت جنودى، فالجندى يحتاج فى المعركة إلى المودة والعطف والاهتمام وإن شعر بهذا من قائده أحبه وأطاعه فى كل ما يقوله، وهذا ما كنت أفعله فبالحب عرفت كيف أحارب، وفى الحرب تعلمت الحب لأنه علمنى كيف أقود الجنود، وكيف أنهم يطيعون أوامرى بهذا الحب. ما هى قصة كتاب «فى قلب المعركة» الذى كتبته وعن أى معركة تقصد؟ - قصته تحكى عن آية قرآنية فى سورة الأنفال تقول «وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة» وهذه الآية تحثنا على أن نعد أنفسنا وأن نعد قوانا النفسية والاجتماعية والاقتصادية والعسكرية وقواتنا الأخلاقية، ومن هنا بنيت كلامى فذكرت تطور إعداد القوى من أيام عهد الرسول «ص» وفى كل مرحلة من مراحل القوات المسلحة، وماذا حدث بها من تطور، وكيف كنا قادرين على إعداد القوات، وهذا هو ملخص الكتاب. بعد مرور كل تلك السنوات فى رأيك ما هى عوامل انتصار مصر فى حروبها؟ - هناك سبعة مبادئ لو حققها أى مجتمع أو أى فرد فيه سينتصر على الفور وهى: - وجود قائد يكون قدوة وأمينا وقويا. فلابد أن نربى فى الجندى أو أفراد المجتمع قوة إيمانية يشبون عليها. - حب الوطن، ولابد أن نبث إليهم هذا الحب. - معرفة العدو معرفة تامة حتى نستعد له جيداً وأنا لا أقصد الأشخاص فقط فمجتمعنا لديه أعداء كثيرون مثل الجهل والبطالة. - الانضباط فى كل شىء. - أن أطيع أولى الأمر وهم عليهم أن يحكموا بالعدل والرحمة. - لابد أن نتبع العلم والمعرفة فى كل شىء. - لابد أن يكون هناك تدريب واقعى مادى ملموس، فإن أخذنا بهذه المبادئ وطبقناها فى كل أمور حياتنا سننجح ونتفوق وننتصر دائما. وأخيراً ماذا تقول للمصريين فى أعياد نصرهم على إسرائيل؟ - كل عام وأنتم بخير وأتمنى دائما أن تكونوا فرحين وأن تكون مصرنا دائما مشرقة كما أتمنى أن يسود الحب بيننا وأن يحسن كل منا عمله وأن ننفذ هذه المبادئ السبعة كما أننى أتمنى أن تحب كل الناس مصر وأن نغنى لها دائما.