فى مفاجأة من العيار الثقيل نفى شاهد الإثبات الأول فى محاكمة الرئيس المخلوع مبارك اللواء حسين سعيد مرسى إمكانية استخدام الأسحلة الآلية فى قتل المتظاهرين.. وأيضا بخلاف كل التوقعات، لم تخل جلسة محاكمة مبارك الثالثة من المفاجآت على الجانبين، جانب المدعين بالحق المدنى، وجانب فريد الديب ، المحامى الأساسى، والرئيسى فى محور الدفاع عن الرئيس السابق.. المفاجأة الأولى كانت عدم قدرة شهود الإثبات فى إرساء دليل قاطع على علاقة المتهم الأول (الرئيس السابق ) بأوامر إطلاق النار على المتظاهرين، هذا من جانب. . على الجانب الآخر، فإنه وحتى مثول المجلة للطبع، لم تكن المحكمة قد بتت فى طلب هيئة المدعين بالحق المدنى ، بإعادة فض أحراز القضية مرة أخرى، أو فض ما تبقى من الأحراز التى قال محامو أسر الشهداء إنه لم يتم فضها فى الجلسة السابقة. فى الوقت نفسه، لم تبت المحكمة وحتى ميعاد الطبع، فى طلب دفاع المتهمين، بانتقال هيئة المحكمة لمعاينة مبنى سنترال باب اللوق، وفندق رمسيس هيلتون، وأماكن أخرى كان دفاع المتهمين قد طلبوا الانتقال إليها، معللين طلباتهم، بما يمكن أن تلقيه المعاينة، من ضوء، على طبيعة سير الأحداث خلال شهر يناير، وبما يفيد موقف المتهمين القانونى من وجهة نظرهم.. وبدأت جلسة محاكمة مبارك الثالثة بمناوشات معتادة بين المدعين بالحق المدنى وبين بعضهم، غير أن المستشار أحمد رفعت استطاع السيطرة عليها بعد دقائق قليلة من بدء الجلسة. واستلمت المحكمة تقارير محاضر تقييم فيلات شرم الشيخ الخمس، وهى الفيلات التى وردت فى قرار إحالة النيابة مبارك للمحكمة بتهمة حصوله ونجليه عليها، بسعر أقل من سعر السوق، مقابل تسهيله منح رجل الأعمال الهارب حسين سالم امتياز تصدير الغاز إلى إسرائيل. وتسلمت المحكمة فى بداية الجلسة، محاضر معاينة الخبير الذى انتدبته الرقابة الإدارية لإعداد تقرير عن الفيلات الخمس، والتى كان فريد الديب، محامى الرئيس السابق قد طلب الاطلاع عليها، خصوصا، أن تقارير التقييم، وعقود البيع والشراء لم تكن قد أرفقت مع محاضر النيابة. وطلب الديب من هيئة المحكمة، بيانا تفصيليا من محافظة شمال سيناء، للأراضى التى تم تخصيصها بسيناء، وأسعار التخصيص، وأسبابه خلال العشر سنوات السابقة، إضافة إلى طلبه كشفا بأسماء الذين استفادوا من هذا التخصيص. وطلب الدفاع عن العادلى من المحكمة، صورة من محضر اجتماع مجلس الوزراء الذى انعقد قبل 25 يناير بثلاثة أيام والذى حضره المشير طنطاوى، واللواء عمر سليمان رئيس جهاز المخابرات العامة وقتها، حيث حدد الاجتماع، حسب دفاع المتهمين، طرق تعامل أجهزة الدولة مع المتظاهرين، والتى لم يكن من بينها إطلاق الرصاص عليهم، وفق روايات الدفاع. وطلب دفاع اللواء أحمد رمزى مدير الأمن المركزى الأسبق، من المحكمة، إصدار الأمر باستخراج شهادة بمستوى تسليح معسكرات الأمن المركزى من يوم 24 إلى يوم 28، إضافة إلى شهادة بأنواع الرصاص، وباقى الأسلحة التى تم تسليح الأطواف والأفراد بها. وأشعل مجموعة من أنصار مبارك قاعة المحكمة بعد رفع الجلسة للاستراحة، حيث حاول أنصار مبارك الدخول للقاعة حاملين صورا للرئيس السابق محاولين التجول بها داخل القاعة، الأمر الذى أدى إلى اعتداء المحامين بالحق المدنى عليهم، وتطور الأمر إلى معركة بالأيدى بين الفريقين، لم تتمكن قوات الأمن من السيطرة عليه بسهولة. وتزامنت الاشتباكات داخل قاعة المحاكمة، مع تصاعد الاشتباكات بين المؤيدين والمعارضين للرئيس السابق خارجها، وهى الاشتباكات التى بدأت قبل بدء جلسة المحاكمة الثالثة، وتطورت إلى معارك أوقعت مصابين بين الجانبين قبل تدخل قوات الأمن. الاشتباكات لم تقتصر على خارج المحكمة وإنما انتقلت إلى داخل القاعة بين محاميى الدفاع ومحاميى أسر الشهداء والمدعين بالحق المدنى بعد أن رفع المستشار أحمد رفعت الجلسة للمداولة بعد مشادة مع محاميى الحق المدنى وغياب النظام داخل القاعة. وقد قام عدد من محاميى المدعين بالحق المدنى باتهام المحكمة بالانحياز إلى الدفاع عن مبارك وأعلنوا انسحابهم من الجلسة. وبعد عودة المحكمة للانعقاد سادت حالة من الهرج بعد سماح المستشار أحمد رفعت للمدعين بالحق المدنى بسؤال شاهد الإثبات مما دعاه إلى رفع الجلسة مرة أخرى بسبب حالة الهرج هذه. وبدءا من جلسة الأمس ، فإن محاكمة الرئيس السابق، إضافة إلى العادلى، و6 من مساعديه، تكون قد دخلت فى شق '' الموضوع ''، بعد جلستين، وصفتا بالإجرائيتين، كان قد أسهم عدم تنظيم جبهة المدعين بالحق المدنى فى بعض العرقلة، الأمر الذى أطال من زمن الدفع بالإجراءات، وهو الأمر نفسه الذى دعا رئيس المحكمة المستشار أحمد رفعت للسير حثيثا، وبخطى بطيئة فى الطريق للتأكد والتشديد على سلامة بدء المحاكمة من حيث الشكل. جلسة الأمس، ورغم قرار المستشار رفعت، بمنع التصوير التليفزيونى، فى محاولة لمنع محاميى الشو ''، وطالبى '' الظهور '' من المحامين، لم تكن هادئة. فرغم أن عدد المحامين الحاضرين عن أسر الشهداء كان قد قل فعلا بعد قرار منع التصوير، فإن جبهة المدعين بالحق المدنى مازالت مليئة بالتشابكات والاشتباكات. عن أسر الشهداء، حضر أمس، أكثر من خمسة اتحادات أو ائتلافات، للادعاء مدنيا، وحتى أمس ، ظهر أن النزاع مازال مستطيرا بين الجبهات الخمس، التى لم تكن قد توافقت على جبهة واحدة، يحضر بعض أفرادها أمام المحكمة ممثلين لجميع أسر الشهداء. '' هرجلة '' المدعين بالحق المدنى، حتى الآن ليست صدفة، إذ إن ما يبدو، أن بعضهم، مازال ينازع الشهرة، أو تنازعه شهوة الظهور، ولو من خلال الصحف، بعد منع كاميرات التليفزيون. أكثر مفاجآت جلسة محاكمة مبارك الثالثة كان شهود الإثبات، الذين كانوا النقطة الدافعة فى اتجاه الإدانة، حسب اعتقاد الادعاء الجنائى، أو النيابة العامة، فى الوقت الذى كان الشهود أنفسهم ، هم أهم عوامل هدم الاتهام، فيما يتعلق بقضية قتل المتظاهرين، على وجه الخصوص حسب اعتقاد دفاع الرئيس السابق. أقوال اللواء سعد مرسى، باتصالات الأمن المركزى، هو والرائد عماد سعيد، من عمليات الأمن المركزى أيضا، لم تثبت العلاقة القاطعة بين أوامر صادرة من أعلى جهات فى الدولة خلال فترة النظام السابق، وبين علاقة الرئيس السابق، بأوامر إطلاق الرصاص على المتظاهرين. ففى حين شهد الأول، بأن هناك أوامر صدرت من الداخلية، بالتعامل مع المتظاهرين بالرصاص، فى الفترة من 25 يناير، وحتى 28 من الشهر نفسه، وهو ما يكفى، من وجهة نظر الادعاء ( النيابة ) لإثبات التهمة على الرئيس السابق، فإن أقوال الشاهد نفسه، من وجهة دفاع الرئيس السابق، ليست كافية. فمن وجهة نظر الدفاع، فإن مجرد صدور الأوامر من الداخلية (إذا أخذت المحكمة بأقوال الشاهد) لاتعنى العلاقة القطعية، بين صدورها من أعلى رأس فى الداخلية للضباط، وبين صدورها من أعلى رأس للدولة، وقتها، لوزير الداخلية. فى الوقت الذى يكون فيه الأصل فى إنزال العقوبة المنصوص عليها فى المواد، من 230 وحتى 235 من قانون العقوبات والخاصة بجرائم القتل، والقتل العمد، ضرورة ثبوت السببية المطلقة فى الفعل، لاعتباره قتلا، أو اعتبار المحرض محرضا، مشاركاً للقاتل فى الجريمة، وهو الأمر الذى يبدو أن دفاع الرئيس السابق سوف يلعب عليه خلال الجلسات المقبلة. المفاجأة الأهم ربما فى قضية مبارك كلها، هى المتعارف عليها، منذ بدء تحقيقات النيابة، ب '' لغز البند 244 أحوال ». البند 244 جاء ذكره فى أقوال النقيب، محمد حسن، الذى قال فى شهادته إنه كان قد تلقى إخطارا يوم 28 يناير ، من أحد الضباط تليفونيا، وأبلغه للخدمات المحيطة بوزارة الداخلية، حيث أفاد الأمر، الاستعداد بالذخيرة، لجميع الخدمات المحيطة بالوزارة، استعدادا لحمايتها، وهو ما سجله الشاهد فى البند رقم 244 يوم 28 يناير، بدفتر الأحوال. وكان الشاهد نفسه، قد قال فى تحقيقات النيابة العامة، إنه سجل البند نفسه فى الساعة الخامسة والنصف ، من مساء يوم 28 يناير، وهو ما اعتبرته النيابة قرينة ودليلاً على ثبوت التهمة. ورغم اعتبار البند 244 من أدلة الثبوت من ناحية الادعاء، فإن البند نفسه، يمكن اعتباره حتى الآن من أدلة النفى. فلو صح توقيت إثبات البند كما ذكره الشاهد (الخامسة والنصف مساء يوم 28 يناير)، فإن صدور الأوامر فى هذا التوقيت، وفى هذا اليوم كان بعد انسحاب الشرطة، وبدء حالة الانفلات الأمنى، وهو ما يدخل من وجهة نظر الدفاع عن المتهمين، ضمن حق الدفاع المشروع عن النفس، بالنسبة للقوات التى انسحبت، ودخلت إلى مبنى وزارة الداخلية بعد انسحابها. من وجهة نظر الدفاع أيضا، فإن صدور البند نفسه إلى الخدمات المحيطة بالوزارة، أو القوات المكلفة بحماية وزارة الداخلية فإن صدور الأوامر بتسليحها، أمر لا يخالف القانون، وربما ينفى عن المتهمين، على الأقل من حيث مبدأ الدفع نية الترصد، أو العمد فى قتل المتظاهرين. إضافة إلى أن الدفاع عن المتهمين، سوف يدفع بأن حماية مقر الأمن (وزارة الداخلية)، بالسلاح أمر لايمكن أن يدخل فيه نية غدر، وربما يدفع فريد الديب بأن القتلى على أسوار وزارة الداخلية، كانوا فى عداد المهاجمين لها، بينما كانت قوات الحراسة، فى موقف المدافع. غير المفاجآت، فإنه يمكن اعتبار جلسة محاكمة مبارك الثالثة التى جرت أمس، طريقاً لمعركة قانونية بين المدعين بالحق المدنى، وبين هيئة المحكمة. وقبل إصدار المحكمة أمرا فى قضية إعادة فض الأحراز، التى طالب بها مجموعة من المدعين بالحق المدنى، مشيرين إلى أن هناك أحرازا لم تفض بالكامل خلال الجلسة السابقة، فإن المعركة نفسها، لن تكون قصيرة، حتى لو كانت المحكمة قد أمرت بإعادة فض الأحراز بعد الطبع. بعض المدعين بالحق المدنى يرون أن المستشار رفعت كان قد فض بعض الأحراز، وسهى عن فض الباقى، الأمر الذى يضع حكم المحكمة، فور صدوره، مشوبا بالبطلان، حسب التعبير القانونى، وهى إحدى الثغرات المهمة فى الطريق إلى نقض الحكم بعد صدوره وفقا للقانون.