بنظرة متخصصة للواقع المصرى وتشريح للشخصية المصرية قبل وبعد ثورة 25 يناير وبثقة كبيرة فى جذورنا التى هى الطريق الوحيد للحركة للأمام كان الحوار الذى امتد لساعات مع أستاذة علم الاجتماع السياسى بكلية الآداب بجامعة الزقازيق الدكتورة هدى زكريا فهى مصرية حتى النخاع وفى نفس الوقت ترى الوضع الحالى السياسى والاجتماعى بمنظور أهل الخبرة والتحليل وهو ما لم تبخل به علينا بمشاركتنا الحوار والتحليل لما يحدث ودور المثقفين والإعلام فى هذه المرحلة ودور الحكومة والمجلس العسكرى أيضا ولتجيب لنا عن سؤال مصر رايحة على فين؟؟ وما تعليقك على أداء الحكومة والمجلس العسكرى هل يفتقد آليات إعادة الثقة بين الشعب والسلطة وهل هذا هو سبب الاعتصامات فى هذه الفترة الانتقالية؟ - الحكومة التى جاءت والمجلس العسكرى من أهم مؤسسات السلطة، مؤسسة لا تظهر على السطح غالبا ولا تمارس السياسة وتنأى بنفسها عن ذلك وتتميز بالثبات فهى جهة قائمة لن تذهب ويأتى غيرها وفى هذه الفترة الانتقالية تختلف هذه المؤسسة العسكرية التى تمسك بالسلطة وتجنح للإصلاح بهدوء بإيقاع يختلف عمن تمخضت عنهم الثورة فالثوار يريدون أفضل ما يكون فى أقل وقت وكأنهم يملكون عصا سحرية وهو ما يجعل هذا الفرق فى الوعى بين الناس ومن يمسك بمقاليد الأمور هو ما يحدث الفجوة فى التوقعات. المأساة الحقيقية أن هذه الحكومة الحالية ذات مسئوليات كبيرة وليس لها صلاحيات فالناس تراقب وتطلب والوزراء ليس لهم صلاحيات، لذا نجد الذين يرفضون الوزارة والناس المراقبة لأعمال الحكومة إما الجاهل بالأمور ويفتى وإما عالم بالأمور ويفتى فى غير محله كرجل الدين الذى يفتى فى السياسة والغموض الذى يسود العملية السياسية من مدخلات، وفى ظل حكومة وزراؤها ليس لديهم صلاحيات كافية والحالة التى نعيشها من صراخ الناس وكأننا نخلص «روح من روح». والكل يشكو ويطالب أن تفتح الدولة أمعاءها للشعب وتصارحهم فلا يكون هناك غموض أو سرية. ما رأيك كعالمة اجتماع فى دور الإعلام بعد الثورة وهل استطاع أن يرضى المواطن ويتجه نحو مصلحة البلد؟ - الإعلام أصفه بالشرير فهو ينادى بإطلاق الحريات وتحقيق العدالة ويهلل مجرد تهليل فلا تقدر أن تطالب بالحريات بين جماعات غير متساوية القوة، فلا تستطيع أن تطلق حيوانات فى الغابة فالأسد سيفترس الغزالة فيجب أن تكون القوى متساوية ومتكافئة قبل أن أهلل حتى أكون فعلت شيئا وهو ما يحدث من تهليل فى الإعلام. ما رأيك فى زحف التيار الدينى والمخاوف من وصولهم للسلطة؟ ومن واقع نظرتك مدى تأثيرهم فى المجتمع المصرى هل الشخصية المصرية يسهل جذبها للتطرف الدينى؟ - الخطأ هو إعطاؤهم حجما أكبر من حجمهم فبمجرد أن يبدأوا فى الحديث يظهر الجهل وتدنى المستوى الثقافى والاجتماعى فيغفلون قيما كالإنجاز والإتقان والإجادة ويدخلون فى حوارات شكلية «لماذا لا تلبسين الحجاب»؟ وأشياء من هذا القبيل وفى رأيى أنه لا خوف من احتلالهم أى منصب «فالخيبة القوية» ستظهر إذا احتل الإخوان مناصب سياسية، فسياستهم وتنظيمهم الذى اعتدناه كان مناسبا لعملهم فى الظلام فى «الشق» فقد كانوا معزولين ولكن عندما يخرجون للنور ستظهر الهشاشة، فأنت إذا أصبح رئيسك «بذقن» ولم يفلح فى الإدارة سيلومه الناس فالمصريون شعب لا يضحك عليه وهو متدين بطبعه ولكن هذا لا يجعلها تنجر وراء الغطاء الدينى، ونحن فى مرحلة مؤقتة نعيش جو التقارب وجهادنا الآن كمثقفين أن نقوم بثورة ثقافية فكرية كالتى أطاحت بمبارك ويكون جهادنا الأكبر لتحقيق دعائم الشخصية المصرية الوسطية، فيتجلى ذكاء المصرى فى لم شمل كل المصريين وأنهم كلهم سواء. وأنا متفائلة جدا فكما تدفأ المصريون فى التحرير بروح الجماعة سيظلون كذلك وتختفى أى سلبية بين أفراده أما أى فوضى واضطراب نراه الآن فهو أمر عادى بعد أى ثورة، وأيضا عندى كل الثقة فى المجتمع المصرى بقدرته على حسم أى فراغ أمنى فقد أقام دولته وحكم الشارع عندما حمل العصا فى اللجان الشعبية، فمن المؤكد أن دولة جديدة تبنى على دعائم العدل، والعدالة التى ستحاسب أى خارج عنها سترسى قواعد الأمن. ريشة هبة المعداوى أشرت لدور المثقفين وأهميته فهل أنت راضية عن دورهم قبل وبعد الثورة؟ - المثقفون أخفقوا إخفاقا شديدا وأفلسوا وخذلوا وطنهم قبل الثورة وشعبهم واعتقدوا أنهم لن يقدروا على التغيير ويتحدثون كالغرباء من الخارج... خارج الصورة المصرية وأن الشعب المصرى متخلف وأقل شأنا من شعوب الدول المتقدمة . وفى مصر هناك آلاف يصلحون للرئاسة وهم «كريمة الكريمة» ولكن النظام السابق قتل ما يسمى فى علم الاجتماع «الصفوة غير الرسمية» فقد جرى التركيز على صفوة رسمية متمثلة فى عضو مجلس شعب أو أى صفة رسمية ولكن هناك قاعدة عريضة غير رسمية ليس لها صفة رسمية ولكنها يجب أن تأتى بطريقة سلمية فيها تداول بدون دماء تجلس تراقب الصفوة الرسمية وترسم الخطط وتتلافى العيوب حتى إذا جاء عليها الدور أصبحت رسمية ومارست حقها ومن هؤلاء أساتذة الجامعات مثلا والفنانون والمفكرون محركون لهؤلاء الرسميين وملهمون للأفكار فأعيدوا للصفوة غير الرسمية وضعها ولكن للأسف جرى العرف وأصبحت ثقافة إدارية أنه لن يأخذ حقه إلا من جلس على الكرسى، لذا عندما يجلس عليه لا يريد تركه حتى ولو لم يعد لهذا الشخص قيمة فى موقعه وأصبحت هناك أسماء ألمع وأكبر ولكنها لا تظهر ولا تلهم أحدا. كما أن من يعمل بالثقافة الآن غير مشغول سوى بتدريس المجتمع صندوق الانتخابات ومعنى الديمقراطية ولا يصلون لأسفل أى أن ممارستهم صفوية فالنخبة الآن غير ديمقراطية. لك رأى أننا لا نعيش مرحلة فوضى أو بلطجة تزيد عما قبل الثورة وسقوط النظام.. فكيف تفسرين ازدياد حوادث البلطجة فى الشارع والسرقة؟ - ما نعيشه الآن من فترة انتقالية لن تستمر طويلا فالثورة الفرنسية ظلت لمدة 14 سنة فى تخبط وفوضى ولكن إذا نظرت للتاريخ ولأصلنا المصرى «ستنامى وترتاحى» اذهبى لجذورك لتطمئنى، فنحن فى مرحلة مخاض وطبيعى عند تخليص روح من روح أن نسمع صراخا فى الجو ولكنه لن يطول.. والحوادث من سرقة وقتل والبلطجة هى بنفس مقدار ما كان يحدث قبل الثورة، وكان من الممنوع عرض عدد هذه الحوادث أما الآن فما يحدث من أى أعمال شغب يجرى الإعلام بالكاميرا لتصويره فالفرق هو التسليط الإعلامى على هذه البلطجة وهذه الحوادث ومعظم البلطجية يعلمون أنهم مخطئون ولكن كل المصريين من أعلاهم لأدناهم عندهم انضباط أخلاقى ويخاف أن يدعو عليه أحد إذا ظلمه ويطلب السماح. وماذا عن هيبة الدولة وكيف يتم بناؤها فى رأى علم الاجتماع إذا كانت قد ضاعت فى خضم مرحلة المخاض التى نعيشها على حد تعبيرك؟ - هيبة الدولة هى ميراث تاريخى لا يمكن النيل منه فى مصر ومن أول الشعوب التى أوجدت الدولة لأننا كالطفل الذى يحتاج لأب قوى، شعور يتوارثه المصريون فالاحتياج للدولة ذات الهيئة والبناء الاجتماعى أدركناه منذ آلاف السنين وعندما ينتاب الدولة مرض أو كسل أو سرطان يقع النظام «System» وليس الدولة «State» بهيبتها فعندما لم يكن هناك عسكرى أو ضابط فى الشارع ولم يكن هناك »نظام» حرص كل واحد أن يجرى ليساند الآخر وهو مدرك أنه بدون دولة ذات سيادة فإننا سنواجه خطرا داهما ومهما يحدث من وقيعة فهى تحدث كل يوم وتحول الشعب المصرى لشعب أكثر صلابة. وعندما تكون السلطة كما قلنا قادرة على الجمع بين الموهبة فى الإدارة ولملمة الأطراف من الشفافية والإخلاص والقوة والصلاحيات المساوية للمسئوليات ستصبح كالأب المؤثر الذى يسمع ابنه كلامه وستتأصل روح الاستمرارية والشعور بالثقة فى المستقبل. مع استمرار الاعتصامات فى التحرير كيف تحللين روح الميدان واختلاف الشرائح هناك وفى رأيك «مصر رايحة على فين؟ - ما يحدث فى التحرير أشبه بصلاة الاستسقاء وهى «الصلاة طلبا لنزول المطر فى حالة الجفاف» فالماء ينزل بسبب طاقة من يطلبونه، فطاقة الجموع أنا أثق فيها وأنا متأكدة أن طاقة الناس فى ميدان التحرير ستولد طاقة أخرى للإدارة، فالموضوع أكبر من مجرد سير للأمور أتوماتيكيا ومخطط له بل هى طاقة هذه الجموع الكبيرة التى أشبهها بالجهاز السيمبثاوى للإنسان والذى يجعلك عند مداهمة الخطر لك أن تتولد لك طاقة هائلة فى لحظة، فتقفز من فوق سور وهى طاقة أعلى من طاقتك وهذا بالضبط ما أرى أن مصر ذاهبة إليه، طاقة كبيرة من الشعب ستولد طاقة كبرى من الحكومة والقائمين على إدارة البلد فيبذلون طاقة هائلة تخرجنا من كل أزمة وتكون بمثابة طاقة محركة للأمام أشبه بما يحدثه الجهاز السيمبثاوى فى الجسم.