تساءلنا في العدد الماضي عن السر وراء عدم قيام وزراء الصحة الذين تعاقبوا علي وزارة الصحة منذ ثورة 25 يناير وحتي الآن بالتحقيق في حالات إهدار المال العام في الوزارة في عهد حاتم الجبلي الوزير السابق. فأصبح الجبلي بذلك الوزير ورجل الأعمال الوحيد من نظام مبارك الذي لم يحل للنائب العام للتحقيق في مخالفات المال العام التي ارتكبت في وزارته طوال وجوده في الوزارة والتي بلغت حوالي 6 سنوات والتي تشعرك أن الجبلي كان يبيع سبح طوال هذه السنوات فلم يتم احالته للنائب العام مثل زملائه وأصدقائه الوزراء رجال الأعمال الآخرين رشيد محمد رشيد وأحمد المغربي وزهير جرانة وأمين أباظة!! فعدم التحقيق في حالات إهدار المال العام في العلاج علي نفقة الدولة ومصل أنفلونزا الخنازير والتاميفلو وإعلانات الإنجازات الوهمية والقوافل العلاجية وحقيقة رد حاتم الجبلي لمصاريف علاج زوجته يمثل لغزا محيرا لكل حالة منها خاصة الحالة الأخيرة حيث أكد وزير صحة النظام المخلوع أنه رد الفلوس وبعد ذلك نفي أنه ردها معتبرا أن علاج مدام الوزير في الخارج وفي أفخم المستشفيات في أمريكا من واجبات جمهورية مبارك.. وبين أكد ونفي تاهت الحقيقة فلم نعرف هل رجعت فلوس علاج المدام إلي خزينة الدولة أم لا! ألغاز عدم التحقيق وبالطبع لن تحل تلك الألغاز إلا بالتحقيق في هذه الحالات التي تصل قيمة الأموال المهدرة فيها إلي مليارات الجنيهات.. لكن أحدا من وزراء الصحة الثلاثة الذين جاءوا للوزارة عقب خلع الجبلي ورئيسه في ثورة 25 يناير لم يكلف خاطره بالأمر في التحقيق في كيفية إهدار تلك الأموال يستوي في ذلك د. «أحمد سامح فريد» الذي اختاره أحمد شفيق ود. «أشرف حاتم» الذي اختاره د. عصام شرف ود. «عمروحلمي» وزير الصحة الحالي الذي اختارته حركة 6 أبريل ليدخل الوزارة مرشحا عنها في حكومة شرف الثانية. الوزراء الثلاثة الذين يختلفون في كل شيء بداية من التخصص الطبي وحتي الآراء السياسية بالطبع اتفقوا علي شيء واحد وهو عدم الكلام نهائيا عن فترة حكم الجبلي ورجاله لوزارة الصحة وعدم فتح أي ملفات قديمة يشتم فيها رائحة إهدار المال العام.. وكأن هؤلاء الوزراء يريدون أن يقولوا لنا إن حاتم الجبلي ورجاله عبدالرحمن شاهين وناصر رسمي ومحمد عابدين وغيرهم ممن لا يزالون يديرون أهم قطاعات الوزارة في الطب الوقائي والسكان والدواء كانوا استثناء من دولة مبارك الفاسدة. بالطبع لا يعرف السر وراء عدم التحقيق أو حتي الإشارة العابرة في إهدار المال العام في شراء ملايين الجرعات من المصل المضاد للمرض من شركة جلاكسو الإنجليزية وهي الجرعات المكدسة في مخازن الوزارة مع جرعات التاميفلو تنعي من اشتراها وأهدر فيها مئات الملايين من الجنيهات ناهيك عن المقابر الجماعية التي أعلنت وزارة صحة حاتم الجبلي أنها أقامتها في الصحراء لدفن الملايين من ضحايا وهم مرض أنفلونزا الخنازير.. أو ما يجري في قطاع السكان وما فعله المسئولون فيه في مئات الملايين من الجنيهات من أموال المنح والمعونات القادمة من الجهات المانحة والتي تردد أن عبدالرحمن شاهين كان يستعين بها في نشر إعلانات الإنجازات الوهمية للقطاع الصحي في عهد مبارك والجبلي في الصحف والتليفزيون أو الفضيحة المسماة القوافل الطبية التي لم يحقق أي وزير في المخالفات التي كانت ترتكب فيها أو الأموال التي أهدرت عليها، ورغم أن د. عمرو حلمي قام بإلغائها إلا أنه لم يحقق فيما قاله د. محمد حسن خليل منسق لجنة الدفاع عن الحق في الصحة عن كيفية إنفاق مبلغ 200 مليون جنيه المخصص للقوافل الطبية لعام 2010 وحجم المكافآت التي تم صرفها لقيادات ومسئولين بعينهم في وزارة صحة حاتم الجبلي وتخصيص نحو مليون جنيه سنويا لوزير الصحة نفسه! هل السر الكبير في دار الفؤاد؟! نريد من وزير الصحة أن يقول لنا لماذا لا يطلب فتح كل تلك الملفات واستخدام سلطاته علي مختلف إدارات وقطاعات وزارته في معرفة الحقيقة التي لا نريد سواها فهل هذا كثير في مصر بعد الثورة ؟! فمثلا في قضية قرارات العلاج التي كانت تصدر علي نفقة الدولة علي دار الفؤاد.. ما قيمة هذه القرارات وهل كانت تصدر بقيمة أعلي من مثيلاتها من المستشفيات الأخري.. فهل هذا كثير في هذا الملف وغيره من الملفات التي خلفها الجبلي وراءه قبل خلعه مع النظام الفاسد.. وإلا فإنه يترك الباب مفتوحا لكثير من الأنباء التي تقول إنه لن يتم فتح أي ملف في وزارة الصحة لأن هناك قوة كبيرة تحمي حاتم الجبلي ولن تسمح بفتح أي من ملفات إهدار المال العام في عهده وهذه القوة هي «دار الفؤاد» ذلك المستشفي الكبير الذي استطاع صاحبه حاتم الجبلي أن يكون من خلاله شبكة علاقات واسعة بعلية القوم من الحكام والمعارضين قبل ثورة 25 يناير وبعدها علي حد سواء.. فبفضل المستشفي تعرف الجبلي علي آخر رئيس وزراء للنظام المخلوع وهو د. أحمد نظيف خلال فترة علاج زوجة نظيف الأولي في المستشفي وبفضل رعاية حاتم الجبلي مدير مستشفي دار الفؤاد لزوجة نظيف اختاره الأخير وزيرا للصحة في حكومته الثانية التي شكلها في نهاية 2005 وبفضل دار الفؤاد تعرف الجبلي علي وزير الصحة الحالي د. عمرو حلمي الذي كانت أول عملية لزراعة الكبد يجريها بصفته عالما متخصصا في هذا المجال في دار الفؤاد أيضا عام 2002 ولا ننسي أنه عندما تعرض د. عصام شرف نفسه لبعض المتاعب الصحية البسيطة في الفترة الأخيرة توجه إلي دار الفؤاد لإجراء بعض التحاليل والفحوصات رغم أن أشعة الصدر والتحاليل الطبية لوظائف الجسم المختلفة التي أجراها رئيس الوزراء في دار الفؤاد كان يمكن لسيادته أن يجريها في أي من المستشفيات التابعة للدولة القريبة من مجلس الوزراء مثل مستشفيات قصر العيني القديم والمنيل الجامعي والهلال والدمرداش أو حتي المستشفيات الجامعية الأقرب إلي الطبيعة الخاصة والاستثمارية مثل مستشفيات قصر العيني التعليمي الجديد «الفرنساوي» والمنيل التخصصي وعين شمس التخصصي فهي في النهاية مستشفيات تابعة للدولة رغم غلبة طابع العلاج الاستثماري عليها وإن كانت الأقرب إليه هو مستشفي المنيرة الذي قدم الخدمة العلاجية لمعظم مصابي ثورة 25 يناير بسبب قربه من ميدان التحرير ومنطقة وسط البلد لذلك لم يكن غريبا أن تكون أكثر المستشفيات التي تعرضت ومازالت تواجه هجمات بلطجية أتباع النظام المخلوع فلا تتميز دار الفؤاد عن قصر العيني أو عين شمس سوي في مستوي الفندقة العلاجية.. لكن د. عصام شرف ذهب إلي دار الفؤاد سواء من تلقاء نفسه أو بنصيحة من د. عمرو حلمي.. والنتيجة تأكيد قوة ومكانة صاحبها الذي يبدو أن ما فعله في وزارة الصحة طوال 6 سنوات لن يقرب إليه أحد والبركة في دار الفؤاد.. التي يجب أن نبارك لها ونحن في هذه الأيام المفترجة علي الملحقين الطبيين الذين عينهم حاتم الجبلي في السفارات المصرية في عدد من الدول العربية والأوروبية ومعظمهم من القيادات والأطباء العاملين في مستشفي دار الفؤاد.. في خطوة اعتبرها البعض بأنه قد يكون وراءها الدعاية للمستشفي الاستثماري الكبير في الدول التي اختير هؤلاء الملحقون للعمل بها خاصة في الدول العربية التي قيل بأن مهتهم الحقيقية فيها أن يأتوا بأكبر عدد من مرضي هؤلاء الدول للعلاج في المستشفي الذي كانوا يعملون فيه.. وكل سنة وأنت طيب.