رفيق الحريري فى زيارة خاصة إلى لبنان بدعوة من قناة الجديداللبنانية لست أدرى هل من حسن الحظ أم من سوئه أن أزور لبنان فى هذا التوقيت الدقيق الذى معه ترسم من جديد خارطة جديدة للتاريخ العربى وكان دائما وأبدا لبنان هذا البلد الصغير الذى لا يتجاوز عدد سكانه ثلاثة ملايين شخص كان دائما يتأثر بكل ما يمر فى المنطقة وها هو اليوم يراقب غالبيته الثورة المصرية والليبية واليمنية بفرح غامر، ولقد علمت بأن وليد جنبلاط أطلق فى الهواء قرابة الخمسين طلقة فى حديقة منزله عندما علم أن مبارك تنحى، بل قال لى أحدهم بأنه عندما سمع اللبنانيون من عمر سليمان تنحى الرئيس السابق حسنى مبارك كانت الفرحة والزغاريد تمتلئ بهما الشوارع فى بيروت وصيدا والجنوب، لأن مبارك من وجهة نظر غالبيتهم لم يحرك ساكنا من أجل القضية الفلسطينية بشكل حقيقى وجاد! عندما خرجت من مطار بيروت كما يحب أن يقول فريق الثامن من آذار ويكره أن يقول فريق الرابع عشر من آذار، لأنهم يعلمون أن المطار اسمه « مطار رفيق الحريرى الدولى » نعم وجدت الانقسام بين اللبنانيين بداية من اسم مطارهم مرورا بأفكار وطوائف ومذاهب نهاية بموقفهم من الثورة فى سوريا والقرار الظنى أو الاتهامى بالمحكمة الدولية الخاصة بلبنان فى قضية اغتيال رفيق الحريرى رئيس الوزراء فى 2005 ومعه واحد وعشرون رجلا من حراسة وأصدقائه بالقرب من فندق سان جورج فى بيروت. كانت جولتى فى لبنان هى جولات أزور معها صيدا والبقاع وبعلبك وجنوب لبنان - إذا أردت أن تسميه معقل المقاومة اللبنانية - على الطريق بين الجبال وجدت بين كل كيلومتر وآخر صورة لشهيد من المقاومة إنهم شهداء جميع الحروب اللبنانية وليست حرب تموز 2006 فقط صورهم تشعر معها بأنها تراقب كل من يدخل ومن يخرج تنظر إليك وتقول الكثير دون أن تتكلم هذه الصور أو ينطق أصحابها وذهبنا إلى « مليتا» وهو لمن لم يزر لبنان منذ فترة قريبة متحف أقامته المقاومة اللبنانية «حزب الله» لتصف بشكل هندسى ومجسم بديكورات عبقرية أماكن الحرب مع العدو والتى هى فى الأساس أماكن حقيقية تم القتال فيها مع إسرائيل فى الثمانينيات والتسعينيات وحتى حرب تموز 2006، داخل « مليتا » تجد أيضا أماكن تدريب قوات المقاومة، وأماكن معيشتهم تحت الأرض والأنفاق والخنادق التى حفروها، بل والأسلحة التى حاربوا بها العدو الإسرائيلى، والغنائم التى حصلوا عليها من أسلحة ودبابات من إسرائيل، بل والأعجب والأخطر تجد على أحد الحوائط بالمتحف تصويرا و تصميما شاملا للقوات والجيش الإسرائيلى لعام 2011 إذن المقاومة تعلم جيدا ما هى الفرق الخاصة داخل إسرائيل وترتيب الجيش فى تفصيل دقيق مبهر عليه توقيع رئيس أركان الجيش الإسرائيلى، متحف « ميلتا » مفتوح أمام كل الناس من كل أنحاء العالم تسمع هناك كل اللغات التى تعرفها والتى لا تعرفها، فخطر بداخلى سؤال سألته لمن كان يقوم لنا بالجولة والشرح، هل من الممكن أن ترسل إسرائيل من يقوم بتصوير هذه الخريطة التى توضح ترتيب الجيش الإسرائيلى، وأماكن القتال وتلك الخرائط التى تعلقونها وتصف الأماكن الحساسة لهذه الجبال والدروب ويدخل إلى المتحف تحت أى جنسية، وبالتالى تكشف معلوماتكم. فضحك الرجل وكان صاحب ثقافة رفيعة يجيد خمس لغات مختلفة قائلا: ونعلم أن إسرائيل تعرف ما لدينا وهذا ما نريد توصيله فى رسالة مفادها أن ما نعرفه ما هو إلا نقطة فى بحر كبير جدا، أما خرائطنا الخاصة بالطرق وممرات الجنوب فبسهولة نستطيع أن نغيرها ونغير تموضعنا إذا اضطررنا إلى الحرب مع إسرائيل مرة أخرى، وهذا ممكن جدا فى أى وقت جلست فى الجنوب مع كوادر من «حزب الله » سألونى كيف ستتعامل « مصر الجديدة » مع إسرائيل وأمريكا فى المرحلة المقبلة كانت هذه هى البداية أما السؤال فقد سمعته طيلة وجودى فى لبنان من جميع الطوائف والتيارات إلا أن إجابتى كانت دائما واحدة يا جماعة مصر الجديدة ستعود لتقود الأمة العربية من جديد ولكن الحكاية عاوزه صبر يجب أن يتم ترتيب مصر من الداخل ومن ثم نلتفت للخارج، فاستقرار الأمن والأمان والقانون والدستور والبرلمان كلها أهم من وجهة نظر المصريين من إعادة تقييم العلاقات مع إسرائيل وأمريكا فى الوقت الحالى »!! وإذا كان حديثى عن الثورة المصرية حديث العزة والفخر والشجون فإنى سأذكر لكم ما هو السؤال الذى كرهته طيلة رحلتى فى لبنان لأنى أعلم تماما بأنه سؤال يفجر وراءه كل لغم فكرى وسياسى خاصة فى لبنان ألا وهو رأى المصريين فيما يحدث فى سوريا « فهم لا يحبون أن يقولوا عنها ثورة » وأنا أحب أن أذكركم أنا أجلس مع أناس من الجنوب اللبنانى والبقاع المهم أكمل حديثى - عندما كانوا يسألوننى أرد بتلقائية فى البداية وأقول طبعا المصريون مع الثوار مع الحق مع مزيد من الحرية والديمقراطية وأقول رأيى فى بشار الأسد صراحة بأن الرجل أخذ فرصته بامتياز لخلق حرية وديمقراطية ولكن لم يستفد منها طيلة عشر سنوات كاملة، عند انتهائى من الكلام أجده ينزل عليهم كالصاعقة والحقيقة الغالبية العظمى من اللبنانين مقتنعون أن بشار سيقوم بإصلاحات وأن المظاهرات فى سوريا وهؤلاء الثوار ما هم إلا فخ سياسى ومكيدة تقصد فى هدفها « فريق الممانعة » فى المنطقة، بل والمقاومة على الأخص، بل إنى أذكر جيدا كلمة قالتها لى إحدى السيدات فى الجنوب تقول « إحنا ما بندرى لو سقط بشار ممكن يجرى بينا إيه » قالتها وكانت كل شعرة من جسدها تنتفض لمجرد ذكرها لشىء لم يحدث بعد!! ذكر لى واحد من أبرز الساسة فى « صيدا » يطلقون عليه « الحكيم »، ويلتقى بشار على فترات متقاربة قال لى كيف أن بشار الأسد يريد من داخله إصلاحات حقيقية ومزيدا من الحريات والديمقراطية ولكن، فرددت عليه طبعا كل هذه الأمانى أمامها « ولكن » فى سوريا - أكمل الرجل غاضبا - « ولكن بشار الأسد مرهون بنظام وحزب أكبر من بشار وعائلة الأسد كلها وهو « حزب البعث »، والحقيقة بشار هو داعم للمقاومة وعن طريقه كان يتم توصيل السلاح من إيران إلى الجنوب لو نظرت إلى الحدود لن تجدى لنا حدودا إلا مع سوريا وإسرائيل، ماذا نفعل لو سقط بشار !! فرددت عليه قائلة إذن أين بشار الأسد من الجولان وهذا الجيش الذى يضرب ويقتل السوريين لماذا لا يذهب لتحرير الأراضى السورية، كيف تنسبون لبشار الفضل فى انتصاركم على إسرائيل وغالبية من ماتوا فى الحرب هم لبنانيون، ينظر لى الرجل ويعترف بأن ما أقوله حقيقى وبه وجهة نظر، ولكن يعود مرة أخرى ويذكر أنه لا مقاومة دون السلاح الذى يأتى عن طريق سوريا. بين سهول وجبال يعيش اللبنانيون لا تجد حياتهم تمشى على وتيرة واحدة بين مصيفهم فى الجبيل ومكان عملهم فى بيروت قرابة ساعة أو أقل يعنى فى الصبح هم فى أشغالهم أما الليل فهم فى جبالهم يصيفون ويتنفسون الهواء العليل حياة سهلة دون تعقيد فأى سماحة شيخ من شيوخ كحزب الله لا يتدخل إذا مرت بجانبه حسناء ترتدى مينى جيب، بل هى نفسها تحييه ضاربة يدها على كتفها فيبادلها التحية فى الطريق، الجميع حر فى لبنان يرتدى ما يشاء ويقول ما يشاء ويؤمن بما يشاء لا سلطة لأحد على آخر إلا عن اقتناع ومنهم ذكر لى أحد الصحافيين الذين يعملون فى جريدة تابعة للمقاومة بأن عمله الصحفى ما هو إلا غطاء يستطيع من خلاله السفر والتنقل والدخول داخل جميع الأوساط اللبنانية وعندما سألته عن الأربعة المطلوبين من قبل المحكمة الدولية والتى تتهمهم بقتل رفيق الحريرى وهم « مصطفى بدر الدين، وسليم العياش وحسين عنيسى وأسد جبرا» وجميعهم من أهم كوادر حزب الله، بل إن مصطفى بدر الدين هو شقيق زوجة الشهيد أكبر كوادر حزب الله « عماد مغنية » الذى استشهد فى دمشق 2008 المهم نظر إلى صديقى هذا وقال لى ضاحكا فى أواخر الثمانينات خرج « عماد مغنية » من لبنان ليعود فى منتصف التسعينيات شخص آخر أجرى كل العمليات الجراحية والتجميلية فى أهم المستشفيات فى الخارج ليعود إلى لبنان لا يعرف أنه « عمادة مغنية » إلا القليلون جدا، وهذا بالتأكيد ما حدث مع هؤلاء الأربعة إن كانوا فعلا داخل لبنان !! وسألته «طب والحكومة الجديدة والتى تحسب على حزب الله والثامن من آذار» ما موقفها فقال: «كلنا يعلم أن هذه الحكومة جاءت فى هذا التوقيت تحديدا حتى لا تكون مع المحكمة الدولية» وسكت، فذهبت بخيالى إلى البعيد نعم كل شىء فى لبنان له هدف كرقعة من الشطرنج لا تتحرك ألعابها إلا لغاية وبعد تكتيك وتدقيق فلا تأتى الأمور اعتباطا أمام بلد حارب عمره كله ومن الممكن أن يدخل فى حرب فى أى وقت - حزب الله يستخدم كل طرق التكنولوجيا لحماية كوادره التى تغير شكل أغلب رجالها، ولكن لم تتغير قلوبهم أو إيمانهم بالقضية بالمقاومة إلا حسن نصر الله الذى لن يتغير شكله فهو رمز للغالبية من اللبنانيين هو سلطان وحاكم له دولة داخل دولة لبنان هذه الدولة من السهل أن تعطى التأشيرات وتصنع الجوازات وبطاقات الهوية وعقود العمل إلى أى مكان كان، دولة حزب الله تسيطر على الاتصالات والمطار وكل شاردة وواردة لا تدخل أو تخرج من لبنان إلا ويعلمها نصر الله كل اللبنانيين يعلمون ذلك جيدا، سمعت فى لبنان خطابين للسيد الأول تجريم لثلاثة من الجواسيس داخل المقاومة اكتفى بذكر الحروف الأولى من أسمائهم، أما الخطاب الثانى وفى نظرى أروع خطاب على الإطلاق لنصرالله منذ نهاية حرب تموز 2006 هو الخطاب الذى شكك فى كل أدلته وبراهينه فى المحكمة الدولية، وفى قاضيها «أنطونيو كاسيزى» وفى من يتولى التحقيق فى هذه المحكمة « دانيال بلمار » ومن قبله « ديتليف ميلس» وأن جميعهم لهم صلة بالمخابرات الأمريكية أو الإسرائيلية، بالتدقيق والصور والأدلة يكشف نصر الله عن كل الألغاز الخاصة بهذه المحكمة الدولية لينهى خطابه بالتحدى الأكبر بأن المطلوبين لن يتم تسليمهم ولا القبض عليهم ليس خلال «30 يوم » وهى مدة المهلة أمام الحكومة لتسليمهم، ولكن ليس حتى بعد «300 سنة » نعم هذا التحدى الكبير ليخرج فريق «14 آذار » يضرب كفا على كف من هذه القوة والثقة بينما يخرج « 8 آذار » يشعر بالعزة والقوة وبالانتصار المعنوى على أمريكا وإسرائيل !! نعم الحسابات مختلفة فى لبنان إلا أن الاتفاق فى لبنان لم يلفت نظرى إلا فى أشياء قليلة أولها «ناصر» أو الرئيس الراحل « جمال عبد الناصر » فلا يختلف عليه اثنان فى لبنان بأنه زعيم وقائد للقومية العربية، أما الأمر الثانى هذه الحرية فى التعبير عن الرأى خاصة فى ثورة سوريا والتى يخاف من التعبير عنها كل السوريين الموجودين فى لبنان، وعرفت أن نظام الأسد قام بخطف عشرات المئات من لبنان الذين كانوا يتكلمون ضده وضد نظامه طيلة الأشهر الماضية ولا يعرف أى شخص أين هم حتى الآن !! أعود مرة أخرى وأذكر الأمر الثالث الذى يتفق فيه اللبنانيون هو الزواج من أى طائفة وأى دين، قالت لى إحدى صديقاتى وهى مسلمة سنية وتنوى الزواج من « مسيحى كاثوليكى »: لبنان بطوائفه وتياراته تجمعه السهرة الحلوة رجال ونساء ويجمعهم أيضا سرير واحد فلا مشكلة لدينا فى الزواج والطريق إلى قبرص معروف والتكلفة بسيطة، زواج الطوائف ليس مشكلة، ولكن المشكلة فى « الخطيفة » وقلت لها يعنى إيه قالت: البنت إللى تهرب من أهلها عشان حبيبها فى أغلب عاداتنا وتقاليدنا لازم تتقتل !! ولا يكون لها دية. نحن فى لبنان صريحون ونحب الصراحة تتقبل غالبية الأسر اللبنانية أن تأتى الفتاة، وتقول أنها تحب هذا الشخص، ولكن لا تتقبل أبدا أن يخطفها هذا الشخص حتى ولو باسم الحب.