لم أسمع يوما ما بالسيدة نادية يسري ولم تقع عليها عيني علي الرغم من أننا نقيم في مبني سيتوارت تاور منذ العام 1974 عندما كنا أطفالاًصغاراً وكان المرحوم نور السيد يعمل موظفا بالسفارة المصرية في لندن ويستأجر شقة في العمارة الشهيرة منذ أن وقعت عليها عيني السعدني الكبير دخل في غرام العمارة والمنطقة فأصبحت بفضله بعد ذلك مكانا محببا لصحبته فقد سكن فيها الكاتب المسرحي الكبير ألفريد فرج والعم رسام الكاريكاتير صلاح الليثي وعبقري اللحن بليغ حمدي والكاتبة الكبيرة نعم الباز والراحل الجميل محمد عودة. وتضم العمارة الرهيبة ما يزيد علي 160 شقة وهي شقة صغيرة الحجم مساحة الواحدة منها خمسين مترا فقط لا غير.. في الدور السادس اكتشفنا وجود هذه السيدة المصرية بعد مقتل أو سقوط سعاد حسني من شرفة منزلها، وفي اللقاء الأول معها كانت شبه منهارة، وهي تقف في جراج العمارة أمام سيارة العم ألفريد فرج، حيث سقط جثمان سعاد حسني، وفي اليوم التالي كان هناك اجتماع لكل السكان العرب في شقة نادية يسري وتوالت الزيارات ومع مرور الوقت اعترفت لي السيدة نادية يسري بأنها تملك أوراقا لسعاد حسني مكتوبة علي الكمبيوتر وأنها سجلت علي الأوراق مذكراتها ووعدتني السيدة نادية يسري بأن أول شيء سوف تفعله بعد أن تذهب إلي مصر وتدفن سعاد حسني وتزرع لها وردة التيوليب علي مقبرتها سوف تعود إلي لندن وتمنحني هذه المذكرات وأذكر أن الفنانة الكبيرة إسعاد يونس جاءت إلي عاصمة الضباب بصحبة والدتها لزيارة الأطباء وكانت تتصل بالقاهرة وتعرف الأخبار أولا بأول وعلمت من إسعاد يونس أن نادية يسري بمجرد وصولها إلي القاهرة تم توجيه اتهام لها بقتل سعاد حسني وأن الذين اتهموها بذلك هم زملاء الفنانة الراحلة، وفي تلك الأثناء كان الناس يرددون في العاصمة البريطانية شائعات حول سقوط سعاد البعض قال إنها فضحت صفوت الشريف وذكرت بالتفاصيل والوقائع كل ما جري لها مع الرجل صاحب الاسم الكودي «موافي»، والبعض الآخر قال إن سعاد تعرضت في مذكراتها لمواقف وحكايات تناولت شخص الرجل الثاني في الثورة الليبية عبدالسلام جلود وأيا كانت الحقيقة فإن ما حدث لا يستطيع أي مخلوق أن يفتي فيه، فالحقيقة وحدها يعلمها علام الغيوب ولكنني في إحدي المرات وقبل سفر السيدة نادية يسري طلبت أن أري شرفة المنزل.. وبالفعل دخلت لأجد المنضدة التي صعدت عليها سعاد وهي من النوع الذي يمكن ثنيه وفتحه أي إنها لا يمكن أن تحتمل شخصا في وزن سعاد حسني ثم نظرت حولي فإذا بالشبكة التي تغطي الشرفة لحمايتها من الحمام الطائر وهي شبكة خضراء اللون مقطوعة بشكل محكم وكأن ترزي هو من قام بقصها علي شكل مستطيل كبير الحجم ،والشيء الغريب أن البوليس لم يتمكن من إيجاد الآلة الحادة التي تم بها قص الشبكة وقيل إن سعاد حسني هي التي قامت بتلك العملية وهذا أمر محال لأن المسألة تستدعي الوقوف فوق سلم عالٍ لأن الشبكة تم قصها من الأعلي وسعاد بقامتها لم تكن تستطيع الوصول إلي هذه النقطة والتحكم الكامل والدقيق في عملية القص التي طالت واجهة الشرفة بأكملها تقريبا والغريب في الأمر أيضا أن أحدا من الجيران لم يلحظ قيام سعاد بقص الشبكة ولم يشاهدها كما قالت نادية يسري وهي تجلس فوق سور الشرفة انتظاراً للحظة الانتحار عندما تعود نادية وتراها سعاد.. كيف علمت سعاد أن نادية سوف تأتي من الواجهة الخلفية للعمارة وهو أمر نادر الحدوث فكل سكان العمارة يستخدمون الباب الرئيسي للدخول وليس باب الجراج لقد استمعنا وقرأنا أقوالا متضاربة من السيدة نادية يسري فسرها البعض لشدة التوتر الذي كانت تعانيه وللصدمة التي حلت بها نتيجة لسقوط سعاد من شرفة منزلها.. المهم أن نادية سافرت إلي مصر وعادت بعد فترة ولكنها عادت بعد أن شنوا عليها هجوما في الصحف والمجلات، وهو الأمر الذي جعلها حريصة كل الحرص علي التعامل مع أهل الإعلام واكتشفت أن الوعد الذي وعدتني إياه بتسليم مذكرات سعاد حسني أصبح في خبر كان بعد أن أصبحت المادة الموجودة في المذكرات هي دليل إدانة بالتأكيد لمن هم أصحاب المصلحة في اختفاء سعاد حسني ومذكرات سعاد حسني وحاولت أن أتعرف علي حقيقة العلاقة بين سعاد ونادية واكتشفت من حكاوي نادية أنها ذهبت للإقامة معها أيام الستينيات وبداية السبعينيات حيث تقيم سعاد في شقة الزمالك ولكن نادية اختارت الإقامة في حجرتين فوق السطوح قامت بطلاء الجدران وشراء ستائر وعمل ديكور للمكان حتي إن سعاد حسني علي حد قول نادية كانت تفضل الجلوس معها في هذا المكان وتفضله علي شقتها، وتذكر نادية مسألة زواج حليم من سعاد وتؤكد أنها كانت شاهدة علي هذا الزواج، ولكن الأمر الغريب حقا هو أن سعاد كانت في بعض الأوقات تعاني وجود سيولة مادية وتتخلف عن دفع الإيجار الأسبوعي للشقة التي كانت تسكن بها في لندن وأنها علي مدار سنوات طويلة لم تفكر في الاتصال بنادية يسري أو الإقامة عندها، ولذلك فإن ظهور نادية يسري فجأة في حياة سعاد اللندنية ثم كتابة المذكرات ثم انتهاء حياة سعاد بالطريقة المأساوية كل هذه حكايات وألغاز في حاجة إلي تفسير.. ففي اليوم الأول للسقوط مثلا لم تخبر نادية يسري لا البوليس ولا سكان العمارة عن هوية سعاد واكتفت بأن المنتحرة صديقة كانت تسكن معها، ولكن الخبر انتشر في اليوم التالي للسقوط وتولي الكاتب الصحفي المقيم في المهجر مصطفي البحيري رحمه الله إبلاغ جميع معارفه من المصريين بخبر وفاة سعاد حسني واكتشف الجميع أن السيدة التي التي كانت ملقاة علي أرض جراج ستيوارت تاور وظل الجميع ساهرون إلي جانبها طوال الليل ما هي إلا الفنانة التي طالما أدهشتهم وأدخلت السرور والحبور في قلوبهم ومضت وهي تحمل معها السر هي ونادية يسري.. وقد حاولت كثيرا أن أتعرف علي شخصية هذه السيدة فقيل لي إنها أيضا كانت علي علاقة صداقة براقصة مصرية اسمها صفاء يسري وإنهم استخدموا اسم نادية من أجل فتح ملهي ليلي لأنها تحمل الجنسية البريطانية وأن صفاء يسري أيضا ذهبت ضحية عملية قتل غامضة لم يتمكن أحد من فك طلاسمها حتي الآن إن توجيه الاتهام إلي الرجل الخطير في النظام المخلوع صفوت الشريف كفيل بأن يميط اللثام عن حادث السقوط المريب!!