منذ عام فقدت صباح الخير أحد قاماتها واحد رموز الأغنية في مصر الشاعر الرائع محمد حمزة صاحب أسلوب السهل الممتنع «حمزة» ابن البلد الساخر من همومه صاحب ابتسامة هادئة وخفة ظل عهدها كل من عرفه عن قرب كلماته بها ما يكفي من النعومة والسلاسة التي تجعلك تدمنها دون أن تدري فأغانيه الرومانسية أقرب للدراما، أما أغانيه الوطنية فعبر بها حاجز الزمن فتلك الأغاني التي كتبت منذ سنوات جاءت لتكون لسان حالنا في 2011 وبالتحديد في ميدان التحرير، فشباب التحرير كانوا يصفون أغنية «يا حبيبتي يا مصر» بأنها نشيد الميدان، وأغنيته « فدائي» لا يمكن إلا أن تصف بها شباب اتجه للميدان وسط المخاطر ليسترجع كرامته التي سلبت منه، بعد مرور عام حرمنا فيها من ابتسامته ولكننا لم نحرم مما تركه لنا من ذكريات وتاريخ من أعمال كتبها بحروف من نور لتثبت لنا أن الفنان الحقيقي لا يموت أبدا. « ولا شاف إصرار ف عيون البشر بيقول أحرار ولازم ننتصر». • نشأته تقول ابنته دينا أبي من مواليد الحلمية، وهو يحمل الكثير من صفات هذا الحي الدافئ المليء بالأصالة والحميمية فهو كان يعشق الإحساس بوجود الناس حوله ويكره الوحدة وأعتقد أن هذا من أثر نشاته في الحلمية فهو حي يحمل سحرا من نوع خاص ودفئ وأصالة، وهكذا تأثر بها والدي وحملت كلماته الكثير من سمات هذا الحي من حيث الاحساس بالألفة أو قرب الكلمات من القلب فأغانية الرومانسية والشعبية تجدها قريبة منك، ومن صفاته الشخصية التي أعتقد أنه اكتسبها من خلال نشأته خفة ظله الشديدة التي تميزه وتجعله قريبا من كل من حوله فلا تشعر بأنك تراه لأول مرة ولديه قدرة غريبة علي الاحتواء، وهو أيضا شخص لا يحب السكون بل يفضل دائما التواجد في الأماكن المليئة بالناس، كانت سنوات دراسته في مدرسة الخديوية، وفي مرحلة مبكرة بدأ حبه للشعر، وبدأ يكتشف موهبته فيها وكانت والدته دائما ما تشجعه عليها، درس في كلية الآداب قسم الفلسفة، ونظرا لحبه للعمل الصحفي التحق للعمل بمجلة صباح الخير فكانت بالنسبة له عالمه الذي قضي فيه جزءا كبيرا من عمره وفيها التقي برموز أدبية وفنية كالراحل صلاح جاهين الذي كان دائما عندما تصدر أغنية جديدة لأبي وتعجب صلاح جاهين كان يسير في طرقات صباح الخير ويغنيها جاهين بطريقته فيعرف أبي وقتها أنها نالت إعجابه وصل رصيده إلي ما يقرب من ال 1200 أغنية ما بين الأغاني الرومانسية والوطنية والشعبية، وحتي الأغاني الشعبية كالتي كتبها ل«محمد رشدي» مثل طاير يا هوي، ع الرملة. كانت تتميز برقي الكلمة بشكل يميزها عن الشكل المعروف للأغاني الشعبية • البداية الفعلية رغم كتاباته للشعر منذ مرحلة مبكرة من عمره فإن البداية الفعلية عندما غنت له فايزة احمد «أغنية أؤمر يا قمر« و «رشوا الورد» وقدم بعدها مشوارا طويلا مع العديد من فناني الوطن العربي مثل حليم وأغاني مثل «سواح، جانا الهوا، نبتدي منين الحكاية» ولشادية «ياحبيبتي يامصر، خلاص مسافر»، ووردة «مالي، حكايتي مع الزمان»، وصباح «عاشقة وغلبانة» وغيرها من الأغاني. • «سواح» وعن الثلاثي الناجح «حليم وحمزة وبليغ» تقول دينا منذ لقائهم الأول ونجاح «سواح» ففي البداية تعرف أبي علي بليغ في معهد الموسيقي ملتقي معظم الفنانين والمطربين ولا أعتقد أن سببا من أسباب نجاحهم الفني معا أن بليغ كان يميل للألحان الفلكلورية وكانت تتفق مع كلمات أبي، وعرفه بليغ بعدها بحليم والذي كان يعرفه من قبل عن طريق أغنية «اؤمر يا قمر» وأبدي إعجابه بها وقدموا معا أول عمل يجمعهم وهي «سواح»، و بدأت رحلة نجاح وتألق لهذا الثلاثي وأرجع السبب في هذا النجاح لحبهم لما يقدمونه وإدمانهم النجاح والبحث الدائم عن الجديد والمميز فحليم ذكي في اختياراته وأبي وبليغ إنتاجهما الفني كثيف، ولم يكن يتوقف عند حدود معينة وطاقتهم الإبداعية متجددة وأضف إلي هذا أيضا علاقتهما الإنسانية والصداقة التي بدأت تنشا بينهما وسفرهما وحفلات حليم في أنحاء العالم كانت هذه عوامل لتدعيم علاقتهم ونجاحهم الفني. • «أحلي طريق في دنيتي» تزوج محمد حمزة من الإعلامية فاطمة مختار، وكانت حياتهما أشبه بقصة حب واقعية ونموذجية يكمل فيها كل منهما الآخر ويقدر كل منهم أهتمامات الآخر ومسئولياته وأنجبا أبنائهم «أحمد، دينا ودعاء» تركوا لهم من خلال هذه القصة أجمل الذكريات وطفولة سعيدة تروي لنا دينا أجزاء من هذه القصة. تعرف أبي علي أمي أثناء عملها لفترة قصيرة في مجلة صباح الخير عقب تخرجها في الجامعة والطريف أن أبي كان قد بدأت شهرته قبلها وعرف بأغانيه ولكن أمي أخبرته أنها لا تسمع أغاني عربية كثيرا وبعد فترة بدآ في التقارب من بعضهما وأبي كان لديه قدرة غريبة تجذب الناس إليه ويحبونه بسرعة شديدة، وكان لبقا ويجيد التعامل في أصغر التفاصيل خاصة في التعامل مع المرأة، وكانت أمي تحب هذا فيه والميزة في علاقتهما أن كلا منهم كان يكمل الآخر فهو بطبيعته هادئ لايحب التوتر ولديه طريقة في احتواء المواقف بخفة ظل يستطيع بها أن يخفف حدة التوتر وكانت هي تحب هذا فيه جدا هذا بالإضافة إلي طبيعة عملهما المتقاربة فهي كمذيعة ومختلطة بالوسط الفني فكان أصدقاؤهما مشتركين في معظم الأحيان واهتماماتهم متقاربة، وكانت تسافر معه في معظم سفرياته خارج مصر، ودائما ما كانت الظروف مواتية لكل منهم في أداء عمله في هدوء واستقرار ومن أقرب أغاني والدي إلي قلبها لأنه كتبهما من أجلها أغنيتي «العيون السود وأغنية أحلي طريق في دنيتي». ودائما ما كان أبا وزوجا حنونا بشكل لا يوصف فوالدتي واجهت مشاكل صحية وهي في سن صغيرة واستدعي ذلك سفرها للعلاج فكان والدي يهتم بنا وقتها أنا وأختي التوءم دعاء فأتذكر عندما كنا نستعد للذهاب للمدرسة كان يحاول جعل هذا شيئا كوميدي ليضحكنا ويحببنا فيه واثناء خروجنا يخرج أمامنا بالخطوة العسكرية بشكل كوميدي لنقلده ونضحك، وكان زوجا متعاونا جدا ومقدرا لكل الظروف وإنسانا فكرة الاحتواء لديه في تكوينه الشخصي وجيناته فطوال الوقت يهتم بمن حوله ويحاول اسعادهم فشقيقتي حتي بعد أن تزوجت وانتقلت إلي منزلها يحرص دائما علي إحضار ما تحبه دائماإلي المنزل ليكون موجودا إذا حضرت هي حتي عندما كبرنا يحرص علي إحضار الشيكولاتة لنا كالأطفال حتي قبل مرضه مباشرة، فدعاء عندما تزوجت كانوا يعتقدون أنني اكثر من سيفتقدها لأنني توأمها، لكن ما حدث أنه هو من كان طوال الوقت مفتقدا وجودها ويتصل بها طوال الوقت، وأنا رغم عملي كمساعد مخرج وطبيعة عملي تتطلب التأخير أحيانا فكان دائم القلق علي ويأتي لتوصيلي للمنزل وكل هذا بهدوء وبدون أن يبدي قلقا أو انزعاجا ودائما ما يترك لنا مساحتنا من الحرية الشخصية في حياتنا بكل ثقة في اختياراتنا. وعن أقرب أغاني محمد حمزة إلي قلبه تقول يا حبيبتي يا مصر، وكان يحب مداح القمر جدا، حاول تفتكرني، نبتدي منين الحكاية، بحلم بيوم ، حكايتي مع الزمان فتلك الأغنية كانت تلخص حالة إنسانية ونفسية لدرجة أنه تم تسمية الفيلم علي اسم الأغنية ولشادية أيضا خلاص مسافر وأغنية خدني معاك ويعشق أغنية آخر ليلة فوالدي كان يحب الفنانة شادية جدا ويحب كل ما تقدمه، وكنا كلما سمعنا أغنية «ياحبيبتي يامصر» كان يقول لو غناها أحد غير شادية لما نجحت هذه الأغنية • «يا حبيبتي يا مصر» عشق محمد حمزة مصر وكتب فيها أروع الأغاني الوطنية التي عبرت حاجز الزمن وكأنها كتبت اليوم فهو من كتب فدائي، عاش إللي قال، ويا حبيبتي يا مصر، وغيرها من أغاني تغني بها لمعشوقته الأولي مصر تقول لنا دينا: كتبها سنة 70 بعد حرب الاستنزاف وكان يقصد بكلمة «احبيبتي يامصر» ذلك النداء الذي نوجهه لشخص مجروح لمواساته والتخفيف من ألمه، وفعلا أري أن كلمات الأغنية تتحقق الآن بعد هذه السنوات فهو عندما قال «ولا شاف إصرار في عيون البشر» لمن قال أن هذا الجيل ليس لديه ما يقدمه، وهذا الجيل محبط وليس لديه انتماء للبلد وفجأة هذا الجيل قام بثورة لم تحدث في تاريخ مصر ومات في سبيل البلد فهؤلاء هم «الرجال السمر الشداد فوق كل المحن» «ولا شاف إصرار ف عيون البشر بيقول أحرار ولازم ننتصر» فأنا كل هؤلاء لم أعرفهم إلا عندما نزلت ميدان التحرير ورأيت هؤلاء الشباب بإصرارهم من أول يوم، وكذلك أغنية فدائي والمقطع الذي يقول «وسط المخاطر هناك مكاني» فهذا كان لسان حال كل شاب ترك منزله ونزل إلي الميدان، وهو يعرف أنه قد لا يعود، ولوقت طويل حصر الإعلام المصري أغنية وطنية مثل يا حبيبتي يا مصر فقط في الانتصارات الكروية لحصر وطنيتنا في الكرة فقط وكان هذا شيئا مقصودا أما الآن فالوضع اختلف والآن أصبحت الأغنية في مكانها الصحيح وطوال أيام الثورة وسماعي للأغنية في الميدان كنت أشعر أن بابا موجود، وأن هذا هو أفضل تكريم له خاصة يوم التنحي فالكل كان يتصل بي ويتمني الرحمة له. ياحبيبتي يا مصر يا بلادي يا أحلي البلاد يا بلادي فداكي أنا والولاد يا بلادي بلادي يا بلادي بلادي يا بلادي يا حبيبتي يا مصر يا مصر يا حبيبتي يا مصر يا مصر ما شفش الأمل ف عيون الولاد وصبايا البلد ولا شاف العمل سهران ف البلاد والعزم اتولد ولا شاف النيل ف أحضان الشجر ولا سمع مواويل ف ليالي القمر أصله معداش علي مصر أصله معداش علي مصر يا حبيبتي يا مصر يا مصر يا حبيبتي يا مصر يا مصر يا بلادي يا أحلي البلاد يا بلادي فداكي أنا والولاد يا بلادي بلادي يا بلادي بلادي يا بلادي يا حبيبتي يا مصر يا مصر يا حبيبتي يا مصر يا مصر ما شفش الرجال السمر الشداد فوق كل المحن ولا شاف العناد ف عيون الولاد وتحدي الزمن ولا شاف إصرار ف عيون البشر بيقول أحرار ولازم ننتصر أصله معداش علي مصر أصله معداش علي مصر يا حبيبتي يا مصر يا مصر يا حبيبتي يا مصر يا مصر يا بلادي يا أحلي البلاد يا بلادي فداكي أنا والولاد يا بلادي بلادي يا بلادي بلادي يا بلادي يا حبيبتي يا مصر يا مصر يا حبيبتي يا مصر يا مصر