أحداث يناير بما ترتب عليها، فيما بعد من انقسامات سياسية زادت من تخوفات إمكانية اختطاف الإسلاميين لثورة يناير لدي المحللين الأوروبيين. أكثرهم تفاؤلا يري أن الوقت مازال يسمح بأن تلحظ التيارات الليبرالية حجم التغلغل الإسلامي في التجمعات السياسية، بينما كان المتشائمون علي يقين بأن (الليبراليين وأحزاب اليسار) قد سقطا بالفعل في فخ (الجلوس في الظل ولطم الخدود).. إمعانا في الحزن.. وإعلانا للمصيبة. الكارثة، حتي الآن هي تلبس جماعة الإخوان المسلمين بسرعة بروح الثورة، وسياسات ما بعد الثورة فإذا بها قد بدأت البحث مبكرا عن طريقة للانتقال من (الميدان) إلي (البرلمان) فيما لايزال الليبراليون.. بالميدان ! (آن سيمتوموفا) - أستاذة الدراسات السياسية بجامعة (يل الأمريكية) حسبما نقلت عنها جريدة الواشنطن بوستفتري أن (ثورة المصريين ارتفعت لديها هرمونات الاضطراب السياسي) بينما رأت أنه ليس ضمن مما تملك اليد سوي الانتظار، وسط ترقب حذر، فالتيارات الإسلامية قد اكتسبت مساحات في الأرض خلال الشهور الخمسة الماضية لا يمكن إنكارها، كما لا يمكن في الوقت نفسه لتيارات سياسية أخري من اللحاق بها أو تمتطيها إلا بمجهود (شعبي).. ودعم جماهيري يبدو أن فشل الليبراليين، أو ما يبدو من فشلهم حتي الآن، منعهم من القدرة علي تجاوز التيارات الإسلامية سياسيا، علي رأسهم، جماعة «الإخوان»، التي وصفتها «الواشنطن بوست» بالحركة الشعبية الرئيسية، الأكثر تنظيما علي الساحة، بعد يناير. أما الذي بدا من آراء المحللين الأمريكيين، فهو أن الإسلاميين قد اختطفوا «الثورة»، ولم يبق أمام الليبراليين إلا فرص ضعيفة، آن الأوان، لاستغلالها.. قبل فوات الأوان.. والزمان، والمكان! - ضعف الاختلاف للأحداث السياسية وتغيرات المجتمعات أكثر من وجه. الثورات، هي الأخري متعددة الملامح، ووجه الخطورة، في مراحل ما بعد الثورات، تكمن في «الخط الفاصل الرفيع» بين «الأمل» و«الخطر». لا اختلاف علي أن الوضع بعد يناير لا يخرج عن خلاف بين الليبراليين وبين الإسلاميين. لكن السؤال: ماذا فعلت التيارات الليبرالية طوال ما يقرب من 6 أشهر مقارنة بما فعله الإسلاميون؟ الإجابة، كما جاءت في حديث هيل ولينجتون، أستاذ الاجتماع السياسي في مركز واشنطن للأبحاث لجريدة «نيويورك تايمز»: لا شيء! يري ولينجتون، إنه رغم هجوم القوي العلمانية واليسارية علي الإخوان، فإن كثيرا من العسكريين والمسئولين الأوروبيين يرجعون تفسير هذا الهجوم من خصوم الإخوان، إلي ضعف خصوم الإخوان، معتبرين أن هذا الهجوم، دون إعادة تنظيم صفوف القوي السياسية من غير الإسلاميين، كانت بداية الطريق الفعلي لحصد الإخوان مكاسب «يناير». «تدرب القوي السياسية صوتها علي الصياح، ولا تتحرك، بينما يتحرك الإسلاميون وهم صامتون»، الكلام لمارك فرانكو رئيس وفد المفوضية الأوروبية في القاهرة، الذي نقلت عنه صحيفة النيويورك تايمز، تصريحات عبر فيها عن الموقف العام في مصر، موجها نقده لخصوم الإخوان قائلا: هم يعترفون بأن الإخوان أقوي، لكنهم لم يفعلوا غير الشكوي المستمرة من أن طرفا آخر قوي! قال فرانكو أيضا إن قوي الليبراليين في مصر، ربما لم تلحظ حتي الآن أن ملامح التغيير ، تنتقل شيئا فشيئا من «الميدان» إلي «البرلمان»، فالإخوان في الطريق للبرلمان، بينما لاتزال القوي الأخري في الميدان. فالذي حدث أن اكتفي الليبراليون واليساريون بالهجوم علي الإخوان، في الوقت الذي تفرق الليبراليون أنفسهم، ودقت بينهم طبول حرب «التخوين» حسب صحيفة لوس أنجلوس تايمز الأمريكية. - معضلة الدستور في تقريرها قبل أسبوع أكدت الواشنطن بوست أن اعتراف الليبراليين ضروري بأن تباين الطرق بينهم وبين الإسلاميين قد ظهر بوضوح خلال ما سمي بجمعة الغضب الثانية (27 مايو). وحسب الصحيفة فقد شهدت هذه الجمعة، خلافا بين القوي السياسية من جهة، وبين الإخوان من جهة أخري، بما يمكن معه القول، أن المصريين تجمعوا في 28 يناير، ثم تفرقوا في27 مايو! من جهتها، نشرت الساينس مونيتور، تعليقا علي الاختلافات حول الدستور بقولها إنه لو كانت فرضية تأثير الإسلاميين علي الأصوات في الاستفتاء الأخير حقيقية، فهذا معناه أولا أن الليبراليين فشلوا فعلا في حشد الجماهير أو التأثير فيهم. المعني الثاني هو أن التيارات الإسلامية مع ما يبدو من ضعف واضح لدي التيارات السياسية الأخري سوف تسيطر بالضرورة علي أية استفتاءات أو انتخابات مقبلة.