تنبيه هام من التعليم للطلاب بشأن تغيير محل الإقامة قبل التنسيق    محافظ الدقهلية: رضا المواطن وسرعة الإنجاز على رأس أولوياتنا    بقرار حزب ترامب.. الكونجرس يرفض محاولتين لمنع بيع أسلحة لإسرائيل    السابع.. سيف العجوز إلى كهرباء الإسماعيلية    أشبه بالسرية.. قرار من فيريرا بشأن ودية الزمالك أمام غزل المحلة    مصدر من الزمالك يكشف ل في الجول: إصابة أحمد ربيع بالعضلة الضامة    آدم وطني ل في الجول: سنجلب عرضين من السعودية وفرنسا خلال أيام ل إمام عاشور    المعمل الكيماوي: تحليل طفل المرور يثبت تعاطيه الحشيش    الداخلية تضبط المتهم بالنصب على المواطنين بالزيتون    ضبط 4 أطنان دقيق قبل بيعها بالسوق السوداء    ضبط 16 سائقا متعاطيا المخدرات بالطريق الإقليمي    محمود حميدة وبشرى ومنير مكرم يشاركون في جنازة لطفي لبيب    «100 يوم صحة» تقدم 23 مليونًا و504 آلاف خدمة طبية مجانية (آخر إحصاء)    طريقة عمل الشاورما بالفراخ، أحلى من الجاهزة    خلال زيارته لواشنطن.. وزير الخارجية يشارك في فعالية رفيعة المستوى بمعهد "أمريكا أولًا للسياسات"    مقتل 6 أشخاص وإصابة 52 آخرين على الأقل جراء هجوم روسي على كييف بطائرات مسيرة وصواريخ    اليوم.. بدء الصمت الانتخابي بماراثون الشيوخ وغرامة 100 ألف جنيه للمخالفين    تصل ل150 ألف جنيه.. زيادة تعويضات مخاطر المهن الطبية (تفاصيل)    الخميس 31 يوليو 2025.. أسعار الأسماك في سوق العبور للجملة اليوم    إطلاق دورة تدريبية متقدمة حول تطبيقات الذكاء الاصطناعي التوليدي في هندسة البرمجيات    يعود بعد شهر.. تفاصيل مكالمة شوبير مع إمام عاشور    موعد مباراة آرسنال وتوتنهام الودية استعدادًا للموسم الجديد 2025-2026    عزام يجتمع بجهاز منتخب مصر لمناقشة ترتيبات معسكر سبتمبر.. وحسم الوديات    وزير الإسكان يتابع موقف المشروعات السكنية والبنية الأساسية والتطوير في عدة مدن بالصعيد    محافظ الدقهلية في زيارة مفاجئة لشركة المياه والصرف الصحي لمتابعة الاستجابة لشكاوى المواطنين    استرداد 11.3 مليون متر من أراضي الري.. و124 قطعة دعمت النفع العام و«حياة كريمة»    سعر الدولار اليوم الخميس 31-7-2025 أمام الجنيه المصرى فى بداية التعاملات    ذبحه وحزن عليه.. وفاة قاتل والده بالمنوفية بعد أيام من الجريمة    حماية المستهلك: ضبط 3000 جهاز كهربائي مجمعين من مواد مجهولة تحت علامات تجارية شهيرة    مجلس الآمناء بالجيزة: التعليم نجحت في حل مشكلة الكثافة الطلابية بالمدارس    جامعة طنطا الأهلية.. دليلك الشامل للكليات والمصروفات والمزايا التنافسية    هيئة قناة السويس تنظم احتفالية بمناسبة ذكرى التأميم بعد قليل    حسين الجسمي يروي حكايتين جديدتين من ألبومه بمشاعر مختلفة    خالد جلال ينعى شقيقه الراحل بكلمات مؤثرة: «الأب الذي لا يعوض»    النتيجة ليست نهاية المطاف.. 5 نصائح للطلاب من وزارة الأوقاف    أيادينا بيضاء على الجميع.. أسامة كمال يشيد بتصريحات وزير الخارجية: يسلم بُقك    إعلام عبري: الجيش يقلص قواته في غزة وسحب فرقة وألوية كاملة    استعدادا لإطلاق «التأمين الشامل».. رئيس الرعاية الصحية يوجه باستكمال أعمال «البنية التحتية» بمطروح    مجلس مستشفيات جامعة القاهرة يبحث إنشاء قسم للطب الرياضي بقصر العيني الفرنساوي    الكشف على 889 مواطنًا خلال قافلة طبية مجانية بقرية الأمل بالبحيرة    أمين الفتوى يوضح آيات التحصين من السحر ويؤكد: المهم هو التحصن لا معرفة من قام به    أمانة الاتصال السياسي ب"المؤتمر" تتابع تصويت المصريين بالخارج في انتخابات الشيوخ    تويوتا توسع تعليق أعمالها ليشمل 11 مصنعا بعد التحذيرات بوقوع تسونامي    المهرجان القومي للمسرح يكرّم الناقدين أحمد هاشم ويوسف مسلم    الكنيسة القبطية تحتفل بذكرى رهبنة البابا تواضروس اليوم    "بحوث أمراض النباتات" يعلن تجديد الاعتماد لمعمل تشخيص الفيروسات للعام السادس    اليوم.. المصري يلاقي هلال مساكن في ختام مبارياته الودية بمعسكر تونس    عقب زلزال روسيا | تسونامي يضرب السواحل وتحذيرات تجتاح المحيط الهادئ.. خبير روسي: زلزال كامتشاتكا الأقوى على الإطلاق..إجلاءات وإنذارات في أمريكا وآسيا.. وترامب يحث الأمريكيين على توخي الحذر بعد الزلزال    قناة السويس حكاية وطن l حُفرت بأيادٍ مصرية وسُرقت ب«امتياز فرنسى»    الأحكام والحدود وتفاعلها سياسيًا (2)    بدء تقديم كلية الشرطة 2025 اليوم «أون لاين» (تفاصيل)    «حملة ممنهجة».. ترامب يقرر فرض رسومًا جمركية بنسبة 50% على هذه الدولة (تفاصيل)    بسبب خلافات الجيرة في سوهاج.. مصرع شخصين بين أبناء العمومة    هذه المرة عليك الاستسلام.. حظ برج الدلو اليوم 31 يوليو    أول تصريحات ل اللواء محمد حامد هشام مدير أمن قنا الجديد    المهرجان القومي للمسرح المصري يعلن إلغاء ندوة الفنان محيي إسماعيل لعدم التزامه بالموعد المحدد    ما حكم الخمر إذا تحولت إلى خل؟.. أمين الفتوى يوضح    ما المقصود ببيع المال بالمال؟.. أمين الفتوى يُجيب    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



عزيزي صندوق الانتخاب:كم من الجرائم ترتكب باسمك؟!
نشر في صباح الخير يوم 15 - 06 - 2011

قررت بديكتاتورية حقيقية أن أمنع أفراد أسرتي من الحديث معي عن أسماء المرشحين لرئاسة الجمهورية.
وحسنا تقبل الجميع قراري لأنني ببساطة لا أجد فارقا بين أي واحد منهم سوي حلم الجميع بالقفز علي الكرسي الملكي، وقد يبحث أحدهم عن رئيس ديوان يقوم بتهريب صاحب عبارة غارقة كما حدث من قبل، وقد نجد من يفتش في ذاكرته عن وزير داخلية له قدرة فائقة علي أداء واجبات الزوج مع ألمانية شابة بجانب زوجته المصرية مثلما فعل حبيب العادلي، وقد يفتش في وجوه وجيوب أصحاب الثروات الطائلة التي تعيش معنا بينما هي من قامت بتهريب مليارات الدولارات علنا وجعلوا من مشاريعهم مجرد أنابيب تسحب الحياة من جموع المصريين، كما تفعل شركات الأسمنت والحديد.
وقد نجد منهم من يرغب في تقليد أحمد عز ليكون ممولا أصليا للحزب الذي سيدافع عن مصالحه، ولا مانع أن يتزوج أحمد عز الجديد إحدي المرشحات الناجحات لمجلس الشعب، وتكتب استقالتها من عضوية المجلس بعد أن يشتري لها الزوج شقة في الفور سيزون المطل علي النيل أو كورنيش الإسكندرية، وقد فعل أحمد عز ذلك بعد أن استولي - بالقانون - علي شركة الدخيلة.
ولكل ما تقدم ولغيره أيضا من أسباب لا أجد مرشحا يليق بصوتي الواهن الضعيف في الانتخابات القادمة؛ وفوق كل ذلك لم يقدم أحدهم حتي كتابة هذه السطور خريطة طريق إلي أول شعار الخامس والعشرين من يناير وهو الخبز «عيش»، أما المطلب الثاني في الشعار عن الكرامة، فهو بعيد عن أنف جميع المرشحين، لأنه لا كرامة لمن لا يعرف حقيقة الحركة علي أرض مصر الشاسعة والتي تسكنها عادات وتقاليد لا يعرفها أحد بأكملها حتي جهاز أمن الدولة السابق، ويبقي الجزء المتبقي من الشعار وهو العدالة الاجتماعية، وهو أمر شاق لا يرغب فيه من امتلكوا ثروات مصر بعد نهبها الأخير في عهد مبارك، ويرونه مجرد طبلة يدقون عليها منادين لأصوات الناخبين ولا أحد من هؤلاء المرشحين يعلم كيف يحقق عدالة اجتماعية دون تعليم محترم ودون عشوائيات تسرق نفس الهواء قبل أن يدخل إلي الأنف، ولن أحكي عن فساد توريث المستشفيات الجامعية لأبناء الأساتذة الذين سبقوا مبارك في جعل التدريس الجامعي في أغلبه من حظ ونصيب الأبناء فقط .
--
ورغم ذلك فعيوني ومشاعري لا تكف عن البحث عن شخص يستطيع فهم عمق وبساطة وصعوبة شعار ثورة الخامس والعشرين من يناير «عيش - حرية - عدالة اجتماعية» وحتي كتابة هذه السطور لا أجد من هو قادر علي أن يرسم خريطة لتحقيق تلك الشعارات في الواقع، وأجد رغيف الخبز يقفز إلي خيالي لأجده وقد تعرض عبر عشر سنوات سابقة لمهانة استغلال أعضاء مجلسي الشعب والشوري السابقين، هؤلاء الذين وضعوا تسعيرة لمن يرغب في الحصول علي تصريح لافتتاح فرن في أي حي أو قرية. ولولا أن تجارة الدقيق في السوق السوداء تحقق مكاسب هائلة لما اتجه تجار السياسة إليه، فقد باعوا لراغبي التجارة بأقوات الناس تراخيص الأفران، واشتروا منهم أصوات الناخبين المزورة.
--
تطل من الذاكرة الآن ملامح الطفولة لأتذكر كيف كنا نشتري الخبز بالإسكندرية ونحن أطفال بالأقة، وحين سافرت بيروت اشتريته أيضا بالكيلو، وحين سافرت إلي باريس كان الفران يزن ما يبيعه لي من خبز علي الميزان، وإن بدا الرغيف ناقصا فهو يقطع قطعة من رغيف آخر ليكمل لي ما اشتريته بالوزن الصحيح . وحين مضت أسابيع علي ثورة الخامس والعشرين من يناير وأطلت وجوه ترغب في الترشح لمقام الرئاسة لم أجد مرشحا رئاسيا أو رئيس حزب يتحدث عن الخبز وكيف يمكن أن يصل إلي الناس غير ناقص الوزن، أو أن يكون الرغيف جيد التحضير. ورغم ذلك سمعت عن صراع الإخوان المسلمين والسلفيين علي بقاء المادة الثانية من الدستور، ولم أسمع من رجل دين أو كاهن مسيحي عن عقوبة من يسرق الدقيق من أفواه من يستحقونه . ولم أجد رجلا يحمل هموم رغيف الخبز غير د. جودة عبد الخالق وزير التضامن والعدالة الاجتماعية، وهو من لا يملك قدرة علي إعداد خبازين محترمين لا يسرقون الدقيق المدعم، وأندهش أكثر لأنه لم يطلب معاونة جهاز الخدمة الوطنية بالقوات المسلحة كي يتم تقديم رغيف خبز محترم كما حدث في أيام الرئيس السادات عندما تلاعب - أعضاء الحزب الوطني أيضا - برغيف الخبز، ولعل جودة عبد الخالق هو من يلمس بيديه نيران ما يفعله أفاعي الحزب الوطني المنحل الذين لم يكتفوا بتهريب الدقيق، بل قاموا بتهريب السولار والسكر عبر بحيرة البرلس خارج الحدود للسفن المارة في البحر المتوسط . وأندهش طبعا لأن جودة عبد الخالق لم يطلب تنفيذ عقوبة الإعدام علي كل من تاجر في أنابيب البوتاجاز ودقيق التموين والسولار، رغم أنها العقوبة الوحيدة اللائقة لمن يهرب غذاء المصريين خارج الحدود . ولابد أننا جميعا نؤمن بأن البلطجة المختفية التي تسرق أقوات البشر لا تقل ضراوة عن بلطجة الفتنة الطائفية.
وأضحك لذاكرتي حين تطل منها ملامح السفيرة المحترمة ميرفت التلاوي تلك التي تصدت بحزم الأمانة مع النفس لذلك «اليوسف بطرس غالي» المجرم الهارب الذي يستحق المحاكمة بتهمة الخيانة العظمي علي ما ارتكبه في حق المصريين، ومن المؤكد أنه مع عاطف عبيد قاما بتبوير الاقتصاد المصري ببيع القطاع العام لمن يستطيعون التدخل بشكل مباشر في سياسات مصر، ولنا المثل الواضح في بيع أراض للإسرائيليين في طابا، بل يمكننا أن نبحث عن علاقة كل من يوسف بطرس غالي وعاطف عبيد بالقوي العالمية التي تهدف إلي تكبيل المصريين، كيلا يملكون القدرة علي الفعل السياسي المؤثر في سياسات الشرق الأوسط، وكل من عاطف عبيد ويوسف بطرس غالي قام بإذلال ملايين المصريين بسياساتهم التي فاق فحشها كل مافعله الاستعمار الإنجليزي طوال سبعين عاما، وفاقت ضراوة تخريبهم للاقتصاد المصري ما فعلته صواريخ كروز الأمريكية بالعراق، ويكفي أن نتذكر بيع القطاع العام علي يد عاطف عبيد، وعاونه يوسف بطرس غالي علي نهب أموال هيئة التأمينات والمعاشات وهو من أصدر من القوانين ما جعل ثروة مصر تتركز في يد حفنة قليلة من البشر .
أضحك في خيالي لملامح السفيرة ميرفت لأن حماسها لم يفتر في مقاومة الرجل الذي أدمن إذلال المصريين المدعو يوسف بطرس غالي، بينما كان اليأس قد خيم علي حماسي في مقاومة هذا الشرس النهاب، فهذه المجلة شهدت سطورها المطبوعة عام 1989 ما قلت فيه بوضوح أن حلم يوسف بطرس غالي هو أن يجعلنا بنما التي ليست إلا جزءا من الحديقة الخلفية التابعة للولايات المتحدة، ولم تكتف السفيرة ميرفت التلاوي بمقاومة يوسف بطرس غالي فقط، بل امتلكت من النفس الطويل ما جعلها ترصد الوقت والجهد لتعمل علي رفع القهر عن بسطاء وشباب العرب أجمعين فأشرفت بإبداع مشهود من خلال جامعة الدول العربية وقدمت للقمة الاقتصادية العربية التي عقدت بالكويت منذ عامين مشاريع تخرج بها أمة العرب من بين أنياب بطالة شبابها، ولتملك حكوماتها القدرة علي استغلال إمكاناتها بشكل يكفل لها ما يصبو إليه الناس من المحيط إلي الخليج، فرصة عمل تحقق المأوي والأسرة والصحة والتعليم .
وعلي الرغم من أن شركات عملاقة وبيوت خبرة قدمت الدراسات لتلك القمة العربية إلا أن حظ التطبيق لما جاء فيها لم يخرج إلي النور. ولا يمكن أن نعرف أسباب ذلك إلا لأن المسافة بين ما يحلم به الشارع العربي وبين واقع حكومات عديدة هي مسافة شاسعة، حتي أكاد أجزم أن بعضا من قادة العرب لا يملكون حق التنفس إلا بإذن الإمبراطور الأمريكي .
ولعل مجيء الدبلوماسي المحنك نبيل العربي إلي مقعد أمين عام جامعة الدول العربية، لعل هذا الموهوب المستقل التفكير هو القادر علي رسم خريطة إقناع للعرب وللغرب في آن واحد بأن الاستقلال والتكامل الاقتصادي بين الدول العربية هو في مصلحة العرب والغرب معا .
--
وحين تحرك الشباب المصري زهقا من حكومة تمتص دماء المصريين وتهدر كرامتهم، حين تحرك هذا الجيل الشاب ليسقط مبارك ونظامه، كان من المتوقع أن يقوم قرابة العشرة محتكرين للثروة بمصر المحروسة بمقاومة تلك الثورة، إما بحكاية التجمع في ميدان مصطفي محمود أو بإنهاك الكيان الثوري الجديد في العديد من المعارك التي تؤجل رسم خريطة لتنفيذ شعارات ميدان التحرير «عيش - حرية - عدالة اجتماعية»، ولابد لنا من أن نتذكر حكايات الفتنة الطائفية، وقصص كاميليا وعبير وكل تلك الحكايات التي تستنزف الجهد والكرامة والإحساس بالأمان، فضلا عن حرق الكنائس وهي جريمة يتبرأ منها أي مسلم صحيح الإسلام، وفي مواجهتنا لتلك المشكلات ظهرت لنا كيانات كالقطيع القادر علي التدمير وأعني بهم السلفيين الذين لعبوا من قبل دور أدوات يلعب بها أفراد مباحث أمن الدولة، ويلعبون الآن دور المقدمة الهادرة للإخوان المسلمين، وهم من يتفاخرون حاليا بأنهم كانوا ضمن شباب التحرير أيام الثورة، ولا أدري كيف تناسوا - مع غيرهم - أن شعار الثورة كان مكونا من ثلاثة مطالب هي «عيش - حرية - عدالة - اجتماعية»، ولم يكن بين الشعارات «أختي كاميليا أو أختي عبير».
ولا أدري كيف سمحت بعض القوي لنفسها أن تستنزف قوة الأمل عند المصريين بتلك المظاهرات اللا معقولة، والتي حاول البعض أن يركبها ليوجه النقد للمجلس العسكري، علي الرغم من معرفة الجميع أن تلك الثورة لم تكن لتستحق اسمها لولا مساندة القوات المسلحة لها .
ولا أدري كيف تقبل كل القوي السياسية العاملة علي الساحة أن تشارك في رحلة إنهاك الحكومة والشرطة، ويكفي أن نري ما يجري حاليا من التعريض بالشرطة عمال علي بطال .
يحدث كل ذلك ونسمع عويل نزيف الاقتصاد حين يعلن لنا البعض أن رصيدنا من احتياطي العملة الأجنبية يتم استنزافه.
ومازالت لجان الحوار تمارس حكايات وحكايات عن الدستور والانتخابات، وعلي الرغم من أهمية كل من الدستور والانتخابات، إلا أن ذلك لا يمنع من ضرورة تزييف شخصيات تطل علينا كمرشحين لمنصب رئيس الجمهورية، وملامح بعضهم تبدو مغموسة ومزينة بدولارات أو دنانير أو ريالات، وهو ما لمح إليه المجلس العسكري حين أعلن أنه يملك وثائق عن الحلم بتقسيم مصر، دلتا مسلمة، صعيد قبطي، نوبة تلتحق بجزء من السودان .
ولم يعلن المجلس العسكري أن بداية تلك اللعبة يمكن أن تتحقق عبر صندوق الانتخابات القادم حين نقع فريسة لنفس ما جري في صندوق الاستفتاء بعد أن رأينا منشورات ومطبوعات تقول : إن «نعم» هي بوابة الجنة و«لا» هي بوابة الجحيم . وهكذا تجسد لنا سوء استغلال الدين، بكامل تخلف المستغلين له من أجل القفز علي السلطة عبر صندوق الانتخابات القادمة،وفي نفس الوقت ينشغل طلقاء الحزب الوطني الذين يمتلكون الثروة والقدرة علي الصرف للبلطجية من خمسمائة جنيه إلي خمسة آلاف جنيه كي يقفزوا علي تلك الثورة التي قام بها أبرياء وساندتها القوات المسلحة.
--
هل يعرف الجيل الشاب أن ثورة يوليو لم تكتسب اسمها كثورة إلا بعد أن ضخت في شرايين الريف قانون الإصلاح الزراعي ؟
هل يتذكر الجيل الشاب أن كاريزما جمال عبد الناصر لم تولد إلا بعد أن أعلن من ميدان المنشية «قرار من رئيس الجمهورية: تؤمم الشركة العالمية لقناة السويس»، واستطاع بذلك أن يملك من الدخل ما يمكن أن يوفر به نقودا لبناء السد العالي، ثم استطاع أن يلعب علي توازنات القوي العالمية فيهزم في عام 1956 ثلاث دول هي إسرائيل وإنجلترا وفرنسا، هزيمة سياسية صاعقة ؟
هل يملك الجيل الشاب قدرة علي دراسة الواقع الاقتصادي مع المجلس الأعلي للقوات المسلحة لندخر نحن ونستثمر نحن ، نبني مستقبلنا نحن؟
وهل تملك القوي السياسية التي تزعق فينا ليل نهار طلبا للديمقراطية، هل تملك تلك القوي السياسية خريطة لاقتصاد يمكنه توفير رغيف الخبز وفرصة العمل بدلا من البحث عن أغلبية برلمانية تمارس الرغي والتعالي علي الناس فور الوصول إلي سدة الحكم، وإذا كانت أغلبية من التيار الإسلامي فأمامنا السودان نموذجا لما فعله حسن الترابي، فهاهو الجنوب السوداني قد انفصل عن شماله، وتحاول دارفور اللحاق بقطار الانفصال، بينما يتم جلد امرأة بالكرباج في الشارع لأنها تخالف ما يدعون أنه الشريعة أو من ترتدي بنطلون «!!».
--
أكتب سطوري تلك وأتابع كل يوم رحلة «القنزحة» التي نمارسها نحن الصحفيين ضد رجال الأمن، فبدلا من أن نداوي جراحهم بعد ما سارت بهم قياداتهم السابقة في طريق مرهق لم يكونوا يحبونه بالتأكيد. وكان علينا ونحن نطلب الأمن أن نوفر لهم الاحترام والتقدير علي مشاركتهم لنا المسئولية الجديدة، وهي حماية المجتمع، طبعا وقولي هذا لا يعني غفران ما فعله من أطلقوا النار متعمدين علي المتظاهرين، فدم الألف شهيد يجب أن يدفعه مبارك وأبناؤه وأحمد عز وشركاؤه وحبيب العادلي وأتباعه، لأن دم الشهداء لا يمكن الغفران فيه، أما بقية أفراد الشرطة فهم ليسوا قتلة ولا سفاحين . ومن مسئولية رجل الشرطة أن يقاوم أي سائق ميكروباص يتهجم عليه أو أي بلطجي يحاول الاعتداء علي كرامته. وإذا ما أخطأ رجل الشرطة فعقابه صار متوقعا .
--
الطريق إلي انتخابات لا تفرز لنا من يوفر خريطة للخبز وفرصة العمل والإحساس بالأمن هذا الطريق محفوف بتسليم الثورة إلي أعدائها، وهذا العدو هو من يختفي حاليا تحت شعار ضرورة الاحتكام إلي الديمقراطية السياسية، بينما المطلوب ديمقراطية اجتماعية أولا، لأن ملايين من أفواه الأجيال الشابة يفوح منها عفن البطالة مع استمرار تكدس الثروات بين أيدي نفس القلة التي اختفي من مقدمتها جمال مبارك وأحمد عز وشركاؤهما المحبوسون معهما في طرة، ويجري تهريب تلك الثروات بالقانون. وإذا ما أطلت علينا وجوه المنشدين بفضائل الديمقراطية السياسية عبر صندوق الانتخاب، فعلينا أن نبحث عن ملامح المال العربي والأمريكي القادر علي تزييف شعارات وبيانات ورجال. وكل ذلك هي روائح تطل منها لعبة تقسيم الوطن ولا تجمع أبناؤه في طريق محدد لتنفيذ مطالب الثورة الثلاثة «عيش - حرية - عدالة - اجتماعية».
أكتب هذا وأنا لا أجد من أنتخبه بين الوجوه التي أعلنت الترشح حتي كتابة هذه السطور، فخلف عديد من الوجوه يمكنني أن أري ملامح السفيرة الأمريكية أو المال القطري أو بعضا من أموال من بقي من دهاقنة الحزب الوطني .
أكتب ذلك والجميع يعلم أن عمري يفوق السبعين عاما، وليس لي مطمع شخصي في منصب أو مكانة، وأعلنها صريحة أني لا أملك ثقة في أي قوة سياسية سوي قوة المجلس العسكري لأنه استطاع أن ينوب عن المصريين في إجبار نظام مبارك علي الرحيل، وعلي هذا المجلس أن يصوغ الآن طريقا ليوفر للمصريين أملا في مستقبل لا يقود البلد إلي كارثة التقسيم أو كارثة الاستسلام للمجاعة ومد اليد للتسول سواء لصندوق النقد أو لخزائن الأشقاء العرب، أو للخزينة الأمريكية التي تطلب لنا مزيدا من التخلف لتضمن إسرائيل مزيدا من التقدم .
لكل ذلك أقول لصندوق الانتخابات القادم : ملعون أنت مهما تمتعت بالضجيج الديمقراطي الزاعق الذي يملأ الساحات حاليا، فجرائم المستقبل سوف تقع عن طريقك إن لم نملك خريطة أمل واضحة لشعارات الثورة «عيش - حرية - عدالة - اجتماعية».
إن قال قائل : هل أنت ضد الديمقراطية ؟
أجيب : أنا مع الديمقراطية الاجتماعية أولا ثم ديمقراطية صندوق الانتخابات بعد أربع أو خمس سنوات .
وإذا فهمنا حقيقة دور المجلس العسكري سنجد أنه القادر علي رسم خريطة للديمقراطية الاجتماعية، لأنهم درسوا أكثر من غيرهم معني الوطن، ويعرفون كيف يعبئون قدراته الاستراتيجية كي نخرج من مآزق التناحر الذي يفوق في آثاره هزيمة يونيو1967 ونحتاج إلي من يحطم خط بارليف المرتفع بيننا وبين ثقتنا بأنفسنا لنعبر إلي ربيع مختلف، ربيع لا تتدخل فيه أموال البترول أو الدعم المالي الأمريكي لبعض من أصحاب الصوت العالي في ساحة السياسة.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.