فى آخر لقاء جمع السعدنى الكبير مع أحد أقرب الناس إلى قلبه المهندس حسب الله الكفراوى نظر الكفراوى طويلاً إلى السعدنى وقال: أنا يا عم محمود ماعنديش أمنية فى الحياة إلا أن ربنا- سبحانه وتعالى- يمد فى عمرنا إحنا الاتنين 3 أيام بس بعد ما «صاحبك» يموت، ساعتها والله ياأبو حنفى ح تسمع وح تشوف وح تشم ريحة فساد لا عمرك سمعت ولا شوفت بيها فى الكرة الأرضية! وقد كنت أتمنى لو أن الله مد بالفعل فى عمر السعدنى ليشهد ما يجرى بمصر هذه الأيام بعد ثورة هذا الجيل النبيل من أبناء مصر الذين وللمرة الأولى فى تاريخ مصر يسقطون الحاكم وبمظاهرات سلمية وسط حراسة وأمن وأمان من جيش مصر العظيم.. فإذا بالأحوال تنقلب والمعاملة تتشقلب وهاهو عسكرى الدرك الذى كتب عنه السعدنى فى كتابه الممتع «حمار من الشرق» وقال إنه اختراع حميرى، ففى كل الشوارع فى بلادنا عسكرى درك مهمته حماية أصحاب المساكن من أصحاب الرصيف ولكنه فقد الاهتمام بوظيفته مع الزمن وتفرغ لبيع الرصيف لمن يرغبون من المفلسين، ولهذا العسكرى زميل اسمه المخبر وهو جدع طويل عريض كف يده مثل المطرقة إذا لكش رجلاً على قفاه انكفأ الرجل على وجهه، وإذا لكشه على وجهه انكفأ الرجل على قفاه.. إنه التجسيد الحى لشعار الكفاية والعدل!! هذا العسكرى وتلك المهمة لم يعد لها وجود بعد 25 يناير والأهم من ذلك أن الحكومات التى تهكم منها السعدنى فقال.. يا سيدتى كل شىء عندنا موجود وحاضر، فإذا كان لديكم قضاء، فلدينا قضاء وقدر، وإذا كان لديكم حكومات فى الغرب، فلدينا حكومات مهمتها عكم كل حمار ينهق فى وجهها أو يرفس فى ظهرها، ثم لدينا أيضًا اختراع حكومى لا أظن أن أحدًا قد توصل إليه، ففى بلادنا لا تسأل الحكومة المواطن كيف يحيا وليس لديها أى اهتمام بالحمار المواطن مادام يعيش، ولكن إذا مات أى حمار جربان أو عدمان نشطت جميع أجهزة الحكومة تسأل وتدقق وتفتش وتحقق لتعرف كيف نفق الحمار، وسيحضر على الفور مفتش الصحة وضابط المباحث وعشرات من المخبرين الكرام. وقد أصبح الآن للمواطن قيمة ورأى وهدف، وشعر للمرة الأولى فى تاريخه أنه عنده صوت، وله الحق فى تحقيق مصيره عبر صناديق للانتخاب لا يقف عليها بلطجى ولا المخبر الجدع الطويل إياه الذى وصفه السعدنى. ولكن أخشى ما أخشاه أن ما كتب عنه السعدنى عن داء ارتبط بنا وارتبطنا به.. ربما لن نبرأ منه أبدًا. فهو يقول للبنت الخواجاية التى صاحبها فى رحلة إلى العصر الحميرى.. نحن المواطنين فى العصر الحميرى مولعون بشدة باستخدام أفعل التفضيل.. فهذا البيت أفضل وهذا الرجل أعظم وهذا اليوم أخلد وهذا أكرم وهذا أبخل وهذا أفظع وهذا أروع وعندنا سبهللة إطلاق الأوصاف والألقاب، فمثلاً أيامنا كلها خالدة وخطب زعمائنا كلها تاريخية، وكل خطاب لابد أن يكون له صدى فى العالمين لدينا أجهزة إعلام متخصصة فى نشر الصدى، وكلما تولى «عمدة» فى بلدنا منصبه أصبح يوم توليه ثورة.. وعندنا ثورات بعدد شعر رؤوسنا.. ثورة الفاتح من سبتمبر وثورة القافل من نوفمبر وثورة النازل من فبراير وثورة الطالع من يناير وثورة 15 عبده وثورة 13 رجب وثورة 18 نيسان وثورة 31 أمشير.. وكل ثوراتنا والحمد لله عالمية، وكلها غيرت وجه التاريخ ومعالم الجغرافيا! وعن حقوق المواطنة وممارسة الحق الانتخابى فى بلاد الحمير يقول السعدنى لصديقته الفرنسية الافتراضية: عيبك الوحيد أيتها البنت الفرنساوية أنك تدرسين العصر الحميرى على الورق ولا تدرسينه على الطبيعة.. فنحن يا بنت الأبالسة لا ننتخب حكامنا ولا نختارهم ولكنهم يحطون على رؤوسنا كما المصيبة وينزلون بنا كما الكارثة ويجلسون على الكراسى كما المآسى، ولا فكاك منهم إلا بزيارة من عمك المنقذ عزرائيل!! وتلوى البنت الفرنساوية بوزها وتكشر عن أنيابها وتقول: إذن أنتم لا تعرفون الانتخابات، ويعود السعدنى للرد.. بل نحن أكثر مخاليق الله إجراء للانتخابات ونتائجها دائمًا معروفة بإذن الله 999,99%. قالت: وتستخدمون الكمبيوتر فى معرفة النتائج، فيقول: بل نستخدم اختراعًا أحدث.. هو الكذبيوتر والتزويتر وهو اختراع جديد وقع علينا، له قدرة فائقة على حصر الشاردة والواردة وهو يضع فى خانة الذين قالوا نعم حتى الشجر والحجر وأحيانًا يضيف إليهم الموتى والموميات التى فى متحف الآثار ليس احترامًا للموتى ولكن احترامًا للحكام الأحياء فنح نريد لحكامنا أن يبدأوا حكما ومعهم تفويض من كل الأمة أحياء وموتى وحاضرين وغائبين ومقيمين ومسافرين وموافقين ورافضين. وآه لو أن العمر امتد بالسعدنى وتحققت أمنية الكفراوى وشاهد بأم عينه كيف اصطف أهل مصر القادرين منهم وغير القادرين الأغنياء والفقراء أمام صناديق الاستفتاء على تعديلات الدستور ذلك لأنهم للمرة الأولى فى حياتهم عبر أكثر من نصف قرن امتلكوا حقهم بل استردوه فى أن يقولوا نعم أو يقولوا لا، وما أتمناه الآن أن يختفى الكذبيوتر والتزويتر ويصبح القاضى وحده هو صاحب الحق فى الإشراف على العملية الانتخابية والتى تمنى السعدنى أن تكون هذه العملية وحدها هى الطريق إلى اختيار من ينوب عن الأمة ومن يحكمها.. اللهم سدد على طريق الخير خطى أهل مصر.. وأشمل السعدنى بعفوك رحمتك ورضوانك!!