شخصية روائية لا بد أنها مستوحاة من حكاية خالد سعيد وجدتها هي الشخصية الدرامية التي تقوم من خلف ستار بتحريك مسارات رواية «الكاميليا والرمان» للدكتور عمرو عبدالسميع، حتي تصل بنا الرواية إلي تحدي بطل الرواية لابن المسئول الكبير في أمن الدولة الذي أمر بتعذيبه، مع تحدي رموز الدولة الفاسدين وفضحهم وإرباكهم في حالة أقرب إلي النبوءة بأن الاستسلام للقهر لابد أن يؤدي في لحظة ما إلي الانفجار والثورة. في البداية من الضروري الإشارة إلي أن هذه الرواية قد صدرت قبل أحداث ثورة 25 يناير بأيام قليلة. أما الشخصية الشبيهة بخالد سعيد في الرواية فهي لطالب جامعي ملتزم أخلاقيا، إنما بعيد في الوقت ذاته عن أية أنشطة سياسية، وذلك حرصا منه علي تجنب مصير والده والعديد من أفراد أسرته الذين سبق اعتقالهم وتعذيبهم علي يد أمن الدولة، ثم إذا بمصير الطالب البريء هو الموت نتيجة التعذيب في السجن لمجرد أن صديقه الوحيد في المدينة الجامعية هو شاب متفوق مما ترتب علي تفوقه حدوث حالة من الغيرة الشديدة تجاهه من طالب آخر هو ابن وحيد ومدلل لضابط كبير في أمن الدولة الذي أمر باعتقالهما. نري في الرواية اقتحام أمن الدولة للمدينة الجامعية بالقاهرة من أجل تنفيذ الاعتقال، حيث وصف المؤلف مشهدا طالما رأته شوارع القاهرة قبل الثورة يتضمن قوله: «مضت الأحداث كالبرق خاطفة، منذ اقتحمت قوات الأمن المدينة الجامعية في الثالثة صباحا، مجتاحة طوابق مباني السكن كإعصار خلّف وراءه أبوابا مفتوحة، ومتعلقات متناثرة، وكتبا وأوراقا مبعثرة. حيث تم اقتياد الشباب حفاة إلي إحدي حافلات النقل المغلقة إلا من نوافذ صغيرة ذات قضبان، صارخين من أعماق جماجمهم: «إصحي يا مصر». ثم في مقر أمن الدولة ب «لاظوغلي» صار علي بطل الرواية بعد أن رأي الويل هو وصديقه، أن يري منفردا ويلا من نوع أشد صعوبة علي الروح، إنه إجباره علي شهادة زور لتبرئة الأمن من دم صديقه الذي مات من شدة التعذيب، فنقرأ أوامر العقيد في أمن الدولة لبطل الرواية حيث قام بعد تعذيبه بتلقينه ما ينبغي أن يعترف به أمام النيابة: (صديقي كان يجلس علي الرصيف أمام سور المدينة الجامعية، وقد تعود تعاطي المخدرات بالحقن والأقراص، وحاولت نصحه مرات، ولكنه أبي وواصل السير في طريق الانحراف، وليلة الحادث وقفت معه أمام بوابة المدينة، فيما أحاطه بعض أصدقاء السوء الذين طالما حذرته من رفقتهم، يتلفظون بكلمات بذيئة، ويضحكون بصوت جهير علي كلامه الملعثم، وحين شاهد الشبان رجال الأمن يقتربون خافوا أن يكون الهدف إلقاء القبض عليهم، ففروا هاربين، وبقيت مع صديقي الذي فاجأني بإخراج سرنجة من جيبه وحقن بها نفسه ثم وقع علي الأرض، ووصلت سيارة إسعاف، وأثناء حمله إليها سقط من علي النقالة، واصطدم بباب السيارة، كما ارتطم وجهه بحافة الرصيف علي نحو عنيف، وركبت سيارة الإسعاف معه إلي المستشفي، ولكنه مات في الطريق). ثم نقرأ علي لسان بطل الرواية: (شعر بمعني الخوف يضربه مكتسحا، يطيحه مورثه اقتناعا بالضآلة والحزن الأبدي). وتربكنا أحداث الرواية وسط شخصيات روائية عديدة شبيهة بأشخاص في الواقع، وتفاصيل عميقة ترصد وتحلل، إلي أن نري بطل الرواية تزوره لحظة مكاشفة مع والده فيستجمع قواه وينتهز فرصة تجمع عدد كبير من رموز الدولة في عزاء ابن ضابط المباحث فيدخل ويمسك الميكروفون من المقرئ وينطق بالحقيقة علي رءوس الأشهاد. بعدها نقرأ علي لسان الراوي: (ستحاول أجهزة الدولة وصمه بالجنون أو الرغبة في الشهرة، لكن صوت الحقيقة سيعلوا رويدا رويدا). ويختتم الرواية بوصف حالة الأمل الناتج عن الجهر بالحقيقة عبر هذه الجملة المشرقة النبوءة: (وهمس حفيف أوراق الشجر في يقين أن الليالي حبالي وستلد عما قريب أطفالا مفرحين، مفرودي الظهور، عيدانا من الرمان، مرشوقة كالحراب في كل أرض البلد، تأبي، تأبي الانحناء).