يجيب عنه د.محمد محمود العطار استاذ مساعد رياض الأطفال هو موضوع حيوى يهتم به كل فرد، وهو موضوع الجنس. يلعب الجنس دورًا مهمًا، فالتوالد والتكاثر من أهم ظواهر الطبيعة، وهو طاقة من أكثر الطاقات الموجهة لمشاعر الناس وسلوكهم. والجنس قضية مهمة فى حياة الإنسان، وهى بلا شك مؤثرة فى السلوك الفردى والسلوك الاجتماعى، فالحديث عن الجنس عادة ما يرتبط بالمحاذير، ولا سيما فى مجتمعاتنا الشرقية المحافظة.
والهروب من الحديث عن الجنس أسلوب غير علمى، غير ناضج، فليس من المناسب أن نهرب من مناقشة موضوع حيوى، يمس الحياة اليومية، ويلمس جوانب خطرة فيها، لمجرد أن العرف لم يجرؤ على ذلك، أو لمجرد الخجل من التحدث فى الموضوع. وكل يوم نقرأ ونشاهد فى وسائل الإعلام المكتوبة والمرئية عن جرائم الاغتصاب والتحرش الجنسى، بالإضافة إلى معدلات النمو المتزايدة للأمراض المنقولة جنسيًا التى أصبحت ناقوس خطر، حول العالم. وأهم أسبابها هو الانحرافات الجنسية بسبب عدم وجود توعية وتثقيف جنسى. ويعتقد الكثير أن الحديث عن الجنس مرتبط فقط بسن المراهقة أو البلوغ، ولكن مشاهدة الأطفال منذ صغرهم فى حياتهم اليومية يثبت أن لدى الأطفال اهتمامات جنسية تبدأ بعمليات استكشاف لأجزاء الجسم والتى عادة ما تظهر وقت تغيير الحفاض أو الاستحمام. وقد تظهر بعد ذلك فى سن معينة بعض الحركات التكرارية التى قد تشبع إحساسًا معينًا عند الطفل، ولكنها ليست بالضرورة حركات جنسية. وقد تهلع الأسرة وتكون ردة فعلهم عنيفة وغالبًا ما ننسى أن ذلك يعتبر جزءًا طبيعيًا فى تطور الطفل من الممكن تفاديه عن طريق إشغال الطفل بنشاط حركى وتغيير وضع جلوسه من دون لفت نظره إلى هذه الحركات. لذلك لابد من تربية جنسية حسب السن وحسب العمر. ويقصد بالتربية الجنسية هى التى تمد الفرد بالمعلومات العلمية والخبرات الصحيحة والاتجاهات السليمة حول المسائل الجنسية بقدر ما يسمح به النمو الجسمى والفسيولوجى والعقلى والانفعالى والاجتماعى، وفى إطار التعاليم الدينية والمعايير الاجتماعية والقيم الأخلاقية السائدة فى المجتمع، مما يؤدى إلى حسن توافقه فى المواقف الجنسية، ومواجهة مشكلاته الجنسية مواجهة واقعية تؤدى إلى الصحة النفسية. وتهدف التربية الجنسية إلى الإسهام فى بناء الشخصية السوية، كما تهدف إلى إمداد الأبناء بالمعلومة الجنسية الصحيحة الخالية من اللف والدوران، وعدم الخوف من المصارحة بكل شىء جنسى، بالإضافة إلى بناء وعى صحى وسليم حول الجسد والعلاقات وحدود الخصوصية، مع ربطها بالقيم الدينية والأخلاقية. تربية الأطفال على مراحل ولا تقتصر التربية الجنسية على سن معينة، بل هى عملية مستمرة، حيث تبدأ بشكل غير مباشر منذ الطفولة المبكرة، ثم تتطور تدريجيًا مع نموه، بحيث تتناسب المعلومات مع عمره. ففى المرحلة العمرية من (2-5 سنوات) يتم تعليم الطفل أسماء أعضاء جسده بطريقة صحيحة وبشكل علمى بدون خجل أو حرج. وتعليمه مفهوم الخصوصية مثل عدم السماح لأحد بلمس أعضائه الخاصة، مع ضرورة غرس فكرة أن جسده ملك له، وعليه أن يخبر والديه إذا شعر بأى تصرف غير مريح. وفى المرحلة من (9- 6 سنوات) يتم شرح الفرق بين الذكر والأنثى بشكل مبسط، وعدم كشف العورة أمام الآخرين، والحديث عن التصرفات غير اللائقة مثل التحرش وكيفية حماية نفسه منها. وفى المرحلة العمرية من (13- 10 سنة) يتم تجهيز الطفل لموضوع البلوغ، وتوضيح التغيرات الجسدية التى سيواجهها من علامات مثل تغير الصوت وزيادة فى الطول والوزن ونمو الشعر فى مناطق مختلفة. وهنا تبدأ المشاعر الجنسية بالظهور تدريجيًا، ولكن بشكل غامض وغير مفهوم للطفل. وفى المرحلة من (14 سنة فأكثر) تكون الرغبة الجنسية أكثر وضوحًا ويدخل الطفل فى مرحلة المراهقة ويبدأ مرحلة صراع بين الرغبة والضبط، وهنا تشتد حاجته لتوجيه ناضج، وحوار آمن، وعلاقة قوية مع الأهل. وليست التربية الجنسية فى الواقع أمرًا يقوم به شخص معين وتقع مسئوليته عليه وحده، وإنما هى عملية متكاملة يجب أن يتعاون فيها كل من الآباء، إذا توافرت لديهم المعلومات العلمية، واتسع الوقت، ووجهت إليهم عناية خاصة، بقصد إعدادهم للقيام بدورهم فى التربية الجنسية، وأيضًا المربون أو الإخصائيون الاجتماعيون فى المدرسة، إضافة إلى خبراء النفس خاصة المرشدين والمعالجين النفسيين، فهؤلاء عليهم أدوار تنموية ووقائية وعلاجية، مع الأطفال والمراهقين والأزواج. ومن الضرورى عدم إحاطة التربية الجنسية بهالة كبيرة، وعدم القسوة أثناء سرد معلوماتها. معنى المسئولية تؤتى التربية بوجه عام ثمارها فى مرحلة العمر الأولى، لأن هذه السن هى المناسبة للتلقى والتوجيه والتقويم والإصلاح، والمسئولية الكبيرة تقع على عاتق الوالدين، فالطفل يبدأ فى إدراك جسده فى سن مبكرة جدًا، لكن الرغبة الجنسية تبدأ تدريجيًا مع البلوغ، وكل مرحلة عمرية لها طريقة توعية مناسبة، وكل تجاهل من الوالدين قد يفتح بابًا لخطر صامت، والطفل لا يحتاج إلى أسرار، بل إلى أم وأب يعرفان متى يتكلمان، وماذا يقولان، وبأى أسلوب، وهنا يجب على الأسرة، البدء مبكرًا بالتوعية التدريجية، بحيث نعلم الطفل أن جسمه أمانة، وأن له خصوصية، وأن هناك ما يصح وما لا يصح، وعليهم فتح حوار آمن، بحيث نجعل الطفل يشعر أنه يمكنه أن يسأل عن أى شىء دون خوف ودون تردد. ويجب أن نعود الطفل على النوم فى مكان مستقل به منذ ولادته لأن فى ذلك أهمية كبيرة له نفسيًا حتى يتعود الاستقلال، مع ضرورة تحرى الصدق والأمانة فى الإجابة عن تساؤلات الأطفال فيما يتعلق بالميلاد والتناسل، مثل: أنا جيت منين؟ ليه الأولاد مختلفين عن البنات؟.. وهنا يجب تقديم إجابات فورية لما يبديه الطفل أو يصدر منه من تساؤلات، فتساؤلات الطفل مهما كانت تعد أمورًا طبيعية وهو على حق توجيهها. لكن أحيانًا بعض الآباء والأمهات والمربين قد يترددون فى إرشاد الأبناء وتوجيه سلوكهم المتصل بالناحية الجنسية، بسبب الحياء أو الخجل اللذين لا مبرر لهما. فيما ضعف وإهمال التربية الجنسية قد يؤدى إلى انحرافات جنسية، والأخطر من ذلك أن نترك الأبناء يحصلون على ثقافة ومعلومات جنسية من مصادر خاطئة، لذلك فإن الأهم تنشئة أطفالنا تنشئة شاملة متكاملة لا تقف عند حدود المعرفة فحسب ولا تقف أيضًا عند حدود التربية فحسب، وإنما تحققهما معًا، إضافة إلى التأكيد على منح كل مرحلة من مراحل السن ما يناسبها من التربية الجنسية، حيث فى مرحلة الطفولة نهيئ له جو الحوار والمناقشة ونشجعه على طرح الأسئلة ويهتم بالإجابة عليها. وفى سن المراهقة نعلمه آداب الاستئذان وفهم السلوك الراقى. وفى مرحلة الشباب نعلمه آداب الاستعفاف وآداب التعامل مع الآخرين.