فجر 20 أكتوبر 2025، تحركت آخر قوافل النقل من بوابة المتحف المصرى بالتحرير، تحمل المجموعة المتبقية من كنوز الملك الشاب توت عنخ آمون إلى المتحف الكبير. كان «القناع الذهبى، وكرسى العرش، والتوابيت المذهبة، وتمثالا «الكا» و«أنوبيس»، وعدد من الحلى الملكية».. فى موكب مهيب يعيد طقوس الملوك، لكن هذه المرة بوسائل حديثة، وأيدٍ مصرية تعرف جيدًا قيمة ما تحمله. قطعت الشاحنات المجهزة طريقها من قلب القاهرة إلى المتحف المصرى الكبير، بسرعة لا تتجاوز 60 كم فى الساعة، وسط إجراءات أمنية مشددة، وأجهزة دقيقة لقياس الاهتزاز والرطوبة.
فهى لم تكن مجرد نقل آثار، بل رحلة علمية هندسية دقيقة، شارك فيها فريق متخصص من الأثريين والمرممين وأمناء العهدة، عملوا جميعًا وفق بروتوكول دقيق يبدأ من فحص كل قطعة، وتحرير محاضر تسليم وتسلم، مرورًا بتوثيق حالتها الفنية قبل التغليف. كل قطعة جرى تغليفها وفق خصائص مادتها الأصلية. فمثلًا غلف القناع الذهبى للملك بورق ال«تيشو» الخامل، الذى لا يتفاعل كيميائيًا مع المعادن النفيسة، بينما استخدمت مواد عازلة أخرى لحماية الأخشاب والمعادن من الاهتزاز. أما «الكونتينرات» التى وُضعت فيها القطع، فصممت خصيصًا من أخشاب آمنة لا تطلق أبخرة ضارة، ومبطنة بمواد عازلة مثل «الإيسافوم» لتجنب أقل درجات الاهتزاز.
الدكتور مجدى شاكر، كبير الأثريين بوزارة السياحة والآثار، قال إن مجموعة «توت عنخ آمون» تمثل واحدة من أندر الاكتشافات فى تاريخ علم الآثار، ليس فقط لجمالها، بل لأنها وصلت كاملة تقريبًا، وعددها 5398 قطعة. المجموعة كانت موزعة على عدة متاحف مصرية، بينها المتحف المصرى بالتحرير الذى ضم نحو 5000 قطعة، والمتحف الحربى الذى احتفظ بالعجلات الحربية، ومتحفا الغردقة وشرم الشيخ، وأخيرًا متحف الأقصر، وجرى جمعها جميعًا لأول مرة لتعرض كاملة فى قاعتين مخصصتين داخل المتحف المصرى الكبير. العرض المتحفى الجديد لمجموعة الملك «توت عنخ آمون» تجربة بصرية فريدة، تمزج بين عبق التاريخ وتقنيات المستقبل.
ففى القاعتين المخصصتين له، يعرض مجسم «هولوجرام» للمقبرة الأصلية، يغطى الجدران بسيناريو عرض وضعته شركة «أتيليه بروكنر» الألمانية والتى تشعر الزائر أنه يسير داخل مقبرة الفرعون نفسه. ويعرض القسم الأول مقتنيات الملك فى حياته، من العجلات الحربية، والخنجر، والسيف، وكرسى العرش. أما القسم الثانى فيتناول العالم الآخر، حيث التوابيت المذهبة، والقناع الذهبى، والتمائم التى رافقته فى رحلته الأبدية. وتحكى «شيرين فرانجول بروكنر»، مديرة الشركة المصممة، أنها وقعت فى حب الفرعون الذهبى منذ أن زارت المتحف المصرى بالتحرير فى طفولتها، ولم تكن تتخيل أن القدر سيمنحها يومًا فرصة تصميم عرضه المتحفى الجديد، و8 أشهر فقط كانت كافية لتعيد تشكيل المشهد، ليحيا الملك من جديد فى أضخم عرض أثرى متكامل بتاريخ المتاحف الحديثة. تقف الآن آلاف القطع النادرة فى انتظار الزوار داخل قاعات المتحف المصرى الكبير، بعد أن أنهت رحلتها الأخيرة من التحرير. كما عاد القناع الذهبي، الذى يزن 11 كيلو جرامًا من الذهب الخالص، المطعم بالأحجار الكريمة والزجاج الملون، إلى عرشه متوجًا قاعة الملك الشاب، الذى ما زال يحتفظ بأسرار لم ترو بعد.