لا يفترق الأحبة أبدا، ومن يبتعد وفى قلبه ذرة حب حتما سيقترب هنا أو هناك على الأرض وحتما فى السماء. كنت مثله أحلم دائما بنشر ما أكتب، أنا أكبر منه سنا وهو أكبر منى قيمة، الرحيل أو المغادرة لا تخضع لأى مقاييس أرضية، هناك تشابه واختلاف.. فى نقاط عديدة نلتقى، قد تكون نقاط ضعف وقد تكون على عكسها، قد توحدنا.. تقربنا على الرغم أننا لم نلتق أبدا. كنت أكتب قصيدة بطريقة ما وقد يكتب ما أكتبه بطريقته قصة أو رواية.. هى فى النهاية براعة قد توحد نظرتنا للعالم فننظر من ذلك الثقب الصغير فى باب الكون وهو ما يجعل خططنا دائما قصيرة الأمد، هاتفته فى عالمه الفسيح، بعد أن غادر ضيق الأرض.. سألت (حمدى أبو جليل) فأجابنى أنت لا تدرى يا صديقى أن نظرتى الآن تختلف كثيرا، أنظر لعالمى نظرة جديدة مختلفة، لم أعد أعطى اهتماما لثقب الباب الضيق، خططى صارت طويلة الأمد.. كل شىء تغير حتى ملامح الفيوم تبدلت كثيرا وملامحى أيضا، وانطلقت ضحكاته أبلغ صديقنا فى جريد أخبار الأدب أن شكلى تغير تماما، قلت له: من تقصد؟ أقصد من كتب يقول عنى أننى بدوى صرت بعيدا عن خيمتى وأنى نزعت (الجرد) وارتديت القميص والبنطلون وأن هناك أكثر من علامة مميزة فى وجهى، وانطلقت ضحكاته، أخبر حسن أننى أعيش الحسن الآن كما ينبغى وأن فكى لم يعد أضخم من رحاية دش الفول وأنفى، قلت له وماذا عن أنفك؟ قال يقول عنها إنها تستقر على وجهى مثل ضيف غير مرغوب فيه، وأن هناك ما هو أسفل عيناى اللتين تبدوان كأنهما تخصان شخصاً آخر! هههههههه ههههههههه وانطلقت ضحكاته، فأجبته أيحبك حسن لهذه الدرجة؟ انتظر ويقول عن شعرى إننى فشلت فى السيطرة عليه تماما حتى مع محاولة إخماد ثورته بطن فازلين.. ضحكت معه وقلت له سأكمل لك ما قاله (حسن عبدالموجود) لقد قرأت مقاله فضحك وقال: أكمل، قلت: يقول باختصار إن ملامحك قادرة على تشكيل كوابيس كل أطفال مصر.. فضحك كما لم يضحك من قبل حتى استلقى سماء! كل البدو يعانون مثلى.. كل هذا صار لا يعنينى لا من قريب ولا من بعيد! الأمر معى يختلف تماما الآن. لقد وصلت للمعنى وجسدته دون الحاجة إلى أى أوراق! فقلت: لكنى ما زلت أحتاج إلى الورق.. فباغتنى قائلا: بجوارى شخص تحبه يقرئك السلام فقلت له: من؟ قال الملحن العبقرى بليغ حمدى قرأ كلماتك التى كتبتها لى ويستأذنك فى تلحينها.. فبهت واندفعت قائلا: أيحتاج منى لإذن.. تفضل يا أستاذ بليغ، فقال يريد أن يسمعها الآن بصوتك، فقلت له: أسيسمعنى؟ فقال: أولاتدرى؟ فاستجبت فورا - حمدى يا وعدى - والليل لما يعدى - والنهار يبان ويتجلى - هاجيلك بكره.. بمشيئة الرحمن - لو كان.. فى العمر بقية - نتكلم.. نتحاور - وممكن نسمع أغنية - ونضحك على حال - يشبه حالنا - ونقول نفس الأمنية - بنحب ولازم نتحب - بنحب ولو نعملها بجد - كل اللى يضايقنا يتهد - يا ما مشيت - ولو غبت كتير - أو حتى قليل يا أبو جليل - هيسألوا عنى يسألوا شجرة عتيقة - مرت من جنبى - وأرض ياما مشيت عليها - وسما صافية مغطيانى - برموش عنيها - وقضبان السكة الحديد - تسيح فى دموعها - لو يوم ما صبحت عليها - وطيور فى السما نفسها ومنا عنيها - تهدينى جناحتها - وأطير معاهم - وأعبر بحر الهموم - وأسخر على شكل الغيوم - يا حمدى يا أبو جليل - بكلم نفسى ولا باكلمك - بكلم الأشياء والأشكال - والأشواق - ونبات بيشق طريقه - فى مكان وحدته - وحيوان آن له الأوان - يجرى ويجرى فى دنيته - ومكان سجدتى - وف إيدى سبحتى - وبكلم ربنا بجد - إمبارح كلمته - وما بارحت صحبته -وفوجئت باستجابه - وحقق دعوتى - واستجاب لأمنيتى - كان ضوء ناوى يغيب - ويضمنى فى ضلمته - طمنى.. - وبكيت من فرحتى - ها جيلك بكره - بمشيئة الرحمن - لو كان فى العمر بقية فوجئت بتصفيق ودندنات على عود، فرحت بحمدى وبليغ وسألت نفسى أحقا ذهب؟ لقد وصل وتركنا تحت رحمة الانتظار.. سألنى: لماذا لا تستطيع أن تكتب عنى؟ قلت له: سوف أكتب، فقط تتوقف الدموع عن مشاكسة مخدتى، فضحك أبو جليل واستمر بليغ حمدى فى مداعبة عودة.. الحقيقة صعبة وإن كنا بنبكى بنبكى على حالنا، روحنا وخوفنا مما هو آت! الأمر خطير كنا نعتقد أننا بعيدون تمام البعد عن هذه الدائرة، بلغنا من العمر أرذله وفقدنا الكثير من مجايلينا وأصدقاء وأقارب يرحلون، فضحك وقال أنا ابن السابعة والخمسين، كنت محبا للحياة المثالية وحبى واضح لكل شىء ولا أفكر لحظة قبل أن أعطى كل ما عندى دون تبرير أو تأخير! وبادرته يا حمدى: (هل الإنسان فعلا قادر على كل شىء) فقال: اقرأ روايتى (الفاعل) وستعرف الإجابة.