لا يمثل بالضرورة استمرار الزواج لفترة طويلة دليلًا على نجاحه واستقراره.. فقد يغلف العلاقة الصمت والتجاهل اللذان قد يعكسان الغضب المستتر فيصبح الانتقاد طول الوقت والانفعال على أبسط الأمور وتصيد الأخطاء نوعًا من التنفيس عن حالة الغليان بين الزوجين.. وقد تلوح فكرة الطلاق فى الأفق، وتظل تراود أحد الزوجين مع أى جدال أو اختلاف دون البوح به صراحةً فلا يجرؤ أى من الشريكين على المبادرة، فاستقرار الأولاد والناحية المادية والعشرة الطويلة تجعل هذا القرار المصيرى فى حالة من التأرجح، فالعلاقة لا تنتهى بالطلاق! ولا هى تتحسن، وكأنه الهدوء الذى يسبق العاصفة.. ويصبح الزوجان فى حالة من التأهب.. وبمعنى أدق «على وش طلاق». زوجات حائرات المهندسة لبنى 45 سنة تزوجت عن قصة حب مع زميلها منذ عشرين عامًا ولها ولدان فى الجامعة، وبعد هذه السنوات صارحت نفسها بأنها غير راضية عن حياتها، فأدوية الاكتئاب المخبأة فى أدراج مكتبها والمطبخ أكبر دليل على كم الضغط الذى تعيشه. تحكى لبنى باقتضاب «جوزى اتغير.. مش هو اللى حبيته واتجوزته من عشرين سنة، أصبح أنانى لا يفكر إلا فى نفسه ومزاجه وخروجه وأصحابه ولبسه، لكن أنا وأولاده فى آخر القائمة، التغيّر منذ سنوات حين انشغلت بامتحانات الولاد وبمشاكل فى عملى فبدأ يسافر بمفرده لرفضى السفر معه لظروف دراسة الولاد والعمل». تكمل: «وبعدين استحلاها» حتى لو فاضيين أنا والولاد بقى يسافر ويتفسح لوحده ومع صحابه وكأنه «سنجل» ولما اتكلم إنى متضايقة ولازم يقعد معانا فترة أطول كأسرة يا نتخانق يا يسيبنى ويخرج.. وتكمل منفعلة: «أشعر بفجوة كبيرة فى علاقتنا وكإنى مش متجوزة ومش عارفة هفضل كده لحد إمتى!!». تجذب رشا أطراف الحديث وتقول: «أنا جوزى مش بيسافر لوحده، لكن دايمًا على الموبايل معانا بجسمه لكن عقله مش هنا». رشا لديها ثلاث بنات فى المرحلة الثانوية والجامعة، ربة منزل فى الخمسين من عمرها وتكمل: «كنت فاكرة لما البنات تكبر هنلاقى وقت لنفسنا نخرج ونتكلم لكن للأسف بيعتبرنى كنبة فى البيت، مفيش بينا كلام أو أى حوار مهما حاولت، فبحاول ألاقى صحاب وأخرج وأفسح نفسى، لكن مفتقدة أننا نكون شركا، بيقولى السينما بوظت دماغى، وإنى رومانسية زيادة، فكبرت دماغى منه لكن فكرة الطلاق كل شوية تلح عليا، ليه أكمل فى حياة جافة زى دى»؟! شر لا بُد منه «مفيش حد متجوز راضى».. هكذا بدأت سارة 40 سنة تعمل محاسبة فى إحدى الشركات الحديثة. وأضافت: «الجواز أوله لذيذ بعد كده بيتقلب أول ما بيجى الولاد مسئوليات، والست اللى بتشتغل مسئولياتها مضاعفة، والرجالة مبتحبش وجع الدماغ فبتبعد وكل شوية بتبعد اكتر لحد ما بنصحى يوم نلاقى المسافات كبيرة، وكل واحد عنده اهتماماته وحياته». تكمل: «الصح إن كل واحد يكون ليه حياة وصحاب وشغل عشان ميحسش بالندم لما الولاد يكبروا والمسئولية تقل، ويكتر الفراغ لأن مش كل الأزواج بيدوروا على هواية واهتمامات مشتركة، فبيلاقوا نفسهم فجأة أغراب.. ومع أن الطلاق غير وارد فلن أهدم بيتى اللى تعبت فيه وبحاول «ألصم» الحياة بينا إلا أنه بينا طلاق صامت». أما ريم 49 سنة طبية وأم لشابين وبنت فى الجامعة فتقول: «كانت علاقتى بزوجى مستقرة وهادئة ومنذ عدة سنوات، وبعد 17سنة جواز اكتشفت أن زوجى على علاقة بزميلة له محادثات على الواتس آب واستظراف، والحمدلله كانت العلاقة فى أولها، وعندما واجهته اعترف واعتذر بأنها نزوة وقطع علاقته بها تمامًا، لكن ومع مرور سنوات على هذه الغلطة والتزامه بعد ذلك، إلا أننى لا أستطيع أن أنسى خيانته أو مسامحته ولجأت لطبيب نفسى وأخذت مضادات للاكتئاب، ولا أشعر بسعادة أو أمان وأفكر كثيرًا فى الطلاق لكن أخشى على نفسية أولادى، أحاول أن أتعايش وأنسى لكن صعب». مشغول أو مش فاضى «شغل شغل شغل هى دى كل حياته! وأنا وطلباتى ومشاكلى آخر اهتماماته» .. هكذا بدأت المهندسة ليلى 44 سنة حديثها وتقول: «فى كل مكان أرى نظرات الإعجاب بشخصيتى ومظهرى إلا هو، وأولادى شباب الناس بتفتكرهم إخواتى!!مفيش تقدير ولا شايفنى، حاولت كتير أتكلم معاه أو أحرك مشاعره، فأحجز سفرية لينا من غير الولاد أو أحضر له عشوة حلوة فى البيت، ومفيش فايدة إما مشغول أو مش فاضى «وبيكبسنى» ويحسسنى إنى عيلة وعندى مراهقة متأخرة بطلت أتكلم وأعاتب ومشاعرى بقت جافة، عايزة أبعد عنه وأعيش مرتاحة من الضغط دا!! تكمل: بشغل نفسى بشغلى والجيم وصحابى، وجوازنا مجرد شكل اجتماعى مش أكتر.. ومع أن شكوى النساء دائمًا صاخبة بالمقارنة بالرجال، قد يكون ذلك لأن المرأة أكثر حساسية، أو لكثرة الضغوط على المرأة فى مجتمعنا من عمل وشغل بيت ومذاكرة أولاد وتمارين، أو بسبب المعايير المثالية التى يفرضها عليها المجتمع كأنثى وزوجة وأم وأنها السبب المباشر فى أى خلل أسرى. أو لأن الرجل ببساطة لا يحتاج للشكوى فيستطيع أن يعيش حياة موازية «على مزاجه» فمن السهل السفر مع أصحابه، أو لعب الرياضة، أو تبرير الهرب من مسئولياته المعنوية واحتواء زوجته وأولاده بدافع العمل وتوفير حياة مادية مريحة، ولا يمثل الطلاق بالنسبة له المنفذ الوحيد للهروب من حياة زوجية تعيسة كالمرأة!! ومع هذا فإن ردود الأزواج على الزوجات تعكس أيضًا أنهم ليسوا بمعزل عن الشعور بالفتور والغضب والتفكير فى الطلاق .. فى اللالا لاند أحمد محامى 54 سنة أب لابن وابنة فى الجامعة متزوج مند 22 سنة يعترف بأن فكرة الطلاق راودته أكثر من مرة لكن تراجع فيقول: «الست بتبقى نكدية وبتاخد الأمور على أعصابها وتنكد على جوزها، مابتشوفش إلا نفسها وطلباتها لكن طلبات الزوج آخر ما يشغلها وتعتبره «دلع»، فلما ألجأ لصحابى تقول أنى أهملتها وفضلت صحابى عليها؟! ما هى اللى منكدة على البيت هو ذنب عليا أقعد أسمع الشكوى والخناق فى البيت؟! أما هادى 48 سنة متزوج من 20 سنة ومدير لشركة خاصة فقال: الستات فى اللالا لاند مش حاسين بتعبنا وإننا محتاجين فى البيت الراحة مش للمشاكل لما نرجع بعد يوم مرهق، مش معنى أنى ساكت أنى زهقان منها، ومش معنى أنى مش مركز فى كلامها أنى بفكر فى واحدة تانية. يكمل: «أظن الست لما بتكبر ثقتها فى نفسها بتقل، وبتكون حساسة ومحتاجة اهتمام وللأسف مش مقدرة إن الحياة صعبة علينا كرجال أيضًا، وبتحتاج مجهود ذهني وبدني لتوفير حياة مناسبة ليها وللأولاد، وكنت أعتقد أن ربات البيوت فقط يعانين من هذه الحساسية نتيجة لساعات الفراغ، لكن اكتشفت أن حتى الزوجات بيشتغلوا وبيشتكوا من أزواجهم وكأنها موضة .. أنا وكثير من أصدقائى بنعانى من مشاكل فى علاقاتنا بزوجاتنا مع إن المفروض بيننا عشرة طويلة، وكبرنا على المشاكل وولادنا قربوا يتجوزوا، بس الستات عايشين دور الضحية دايما ً!!». أما محمد 42 سنة مهندس كمبيوتر متزوج من 15 سنة فيقول: «دايمًا الراجل فى آخر قائمة اهتمامات الزوجة بعد مرور كام سنة من الزواج فأولادها الشغل الشاغل، ثم أهلها وشغلها وصحباتها هى أولوياتها تكون فى كامل طاقتها وسعادتها معاهم، لكن الاهتمام عندما يطلبه الزوج يعتبر «دلع» وكأن بعد شهر العسل الراجل دا مالوش طلبات مجرد ماكينة ATM للست والولاد ودا دوره فى الحياة، يصرف وبس!! ولما نفك عن نفسنا بقعدة على القهوة يبقى إحنا مش بنتحمل المسئولية ومكبرين دماغنا؟!!
ريشة: عمرو الصاوى
أزمة العش الخالى ترى الدكتورة شهيرة سامى استشارى الطب النفسى أنه من المتعارف عليه أنه كلما زادت مدة الحياة الزوجية تكون احتمالية الطلاق أقل، خاصةً مع وجود الأبناء، ولكن بدأت تزيد نسب الخلافات والانفصال بشكل نسبى. قائلة «فى هذه المرحلة العمرية فى حياة الزوجين قد يكون السبب تغيُّر الظروف الاقتصادية للزوج بشكل أساسى، بالإضافة إلى اختلاف وجهات النظر فى تربية الأبناء أو رغبة الزوج فى الزواج مرة أخرى». مضيفة: «أما أقوى الأسباب فى رأيى عوامل هى عدم استعداد الزوجين لمرحلة العش الخالى، بحيث يدركان بهذه المرحلة أن الأطفال هم سبب ارتباطهم اومسئولية تنشئتهم هى ما كان يشغلهما، وليس الرابطة العاطفية التى كان من المفترض أن يهتما بها أكثر ويعملا على تنميتها عبر سنين الزواج». توضح: «هذه المرحلة تقييمية لما تم تحقيقه من آمال وأحلام وتوقعات منذ بدء الزواج، وكأنها مرحلة حصاد لما تم زرعه على المستوى النفسى والانفعالى، وتظهر فى هذه المرحلة الإحباطات والتراكمات وخيبات الأمل العديدة عبر سنوات الزواج، مما يجعل الشخص يعيد النظر بحياته من جديد والتفكير بترك الشريك؛ للشعور بعدم الراحة فى وجود الشريك وعبء البقاء معًا». تقول أيضًا: «من الأسباب الأخرى التى تدفع بالطلاق فى هذا العمر، أن المرأة تشعر أنها لا تزال صغيرة وأكثر استقلالية وغير معتمدة على زوجها كما فى السابق.. فيسهل التفكير فى الطلاق فليس هناك ما يجبر أيًا منهما على الاستمرار في الزواج».