أحيانًا يتمسك الأب والأم بحياة زوجية فاشلة فقط من أجل أولادهم. لكن الأبناء يكونون هم الضحية الصامتة فى تلك الحياة.. ويدفعون الثمن أحيانًا دون أن يشعروا أو يشعر بهم أحد، فيصرخون فى وقت ما: «كفاية أرجوكم انفصلوا وريحونا وارتاحوا»! الحقيقة أن التمسك بحياة غير مريحة ويصبح البيت كالجحيم هو أكبر خطأ ممكن أن يقع فيه الآباء لأن الأبناء يتأثرون عندما يخلو البيت من الحب والمودة والسكن التى هى أساس أى استقرار وبيت سعيد. عندما تهان الأم وتصبح دائمة البكاء.. ويصبح الأب عصبيًا متجهمًا فى وجه أولاده.. أو هاربًا من حياتهم هذا كله يجعل الأولاد يشعرون بالذنب.. وأنهم مرفوضون ومنبوذون، مما يجعلهم بعد ذلك يخافون من الزواج والارتباط. خلافات وأمراض تقول دراسة بريطانية أجرتها جامعة يورك أن أبناء الطلاق يتضررون من المشكلات الزوجية أكثر بكثير من مشاكل الانفصال، كما ينصح الأطباء والاختصاصيون النفسيون الآباء والأمهات عند حدوث أى خلاف أو سوء فهم بينهم إبعاد الأطفال الصغار، ولا سيما إذا تطور الأمر إلى صراخ وضجيج، فهذا يؤدى إلى زرع الكراهية والعدوانية فى نفسية الطفل فيتولد لديه اعتقاد بأنه السبب فى الخلاف فيكون فريسة سهلة للأمراض والعقد النفسية والاجتماعية. وتختلف درجات تأثيرها حسب عمر الطفل ونوعية الخلاف، فإذا كانت مؤقتة لمدة يوم أو يومين يكون أمرًا عاديًا وسهل التجاوز، ولكن تكون خطيرة ومؤثرة وعواقبها وخيمة على الطفل إذا استمرت لفترات طويلة. وأشهر التأثيرات السلبية لمشاكل الوالدين على الطفل تظهر فى اضطرابات سلوكية واضحة ويتخللها توتر وقلق وعدم القدرة على التركيز وخاصة فى المدرسة فتتراجع قدرته على الاستيعاب، مع ظهور التخوفات على شكل كوابيس مخيفة وبكاء قد نعتقد أنه من دون سبب. بعض الأطفال يصابون بالتبول اللاإرادى وفقدان الشهية أو إفراط فى الأكل وشعور بالهم والحزن الدائم، مع انعدام جو الألفة والمحبة بين أفراد الأسرة يشعر الأبناء بالضياع وعدم الثقة بالنفس. بعضهم يختار الهروب من البيئة المحيطة إلى محيط آخر مثل أصحاب السوء ظناً أنهم يبعثون الطمأنينة والراحة المفقودة، والمراهق شديد التأثر بسلوك والديه فى هذه المرحلة فيحتاج إلى النصح والإرشاد والمحبة فيجد الطريق مسدودًا ويرتكب المعاصى ويصبح عصبيا ويظن أنه سيعاقب والديه اللذين سببا له المآسى، ويكون قاصراً عن التعامل مع شئون الحياة المختلفة وشعوره بالإثم جراء نزاع الوالدين. حسب الدراسات فالأولاد الذين يتعرضون لحدوث مشاكل بين والديهم أكثر عرضة للقلق وعدم النوم وساعات النوم قليلة عندهم، مما يؤثر سلباً عليهم ويضعف همتهم ويزيد من توترهم ويقلص من قدرات التحكم فى العواطف لديهم. هناك من يعانون من فقدان الأمان العاطفى، وهو الجسر الذى يربط بين الطفل والعالم من حوله والاستقرار الأسرى، هو صمام الأمان فكلما كانت العلاقة الزوجية أقوى كانت قدرات الطفل وعلاقاته الخارجية قوية وغير مهزوزة. بعض الأطفال يعانون من إساءة الظن بالوالدين، فقد يلجأ الأب للإساءة إلى الأم ويحاول إقناع الطفل بأنه على حق فى ذلك النزاع، لكن هذا لا يعنى أن الطفل سيتقبل وجهة نظر أبيه رغم سكوته الظاهرى، بل سيعد الأب مذنباً عندما يرى أمه تبكى ويتودد لها. ترسيخ فكرة أن الزواج سيئ وترتبط فى ذهنه أفكار مشوشة ومشوهة لحياته الزوجية فيما بعد فنجده يتعامل مع زوجته بالطريقة نفسها التى تعامل معها والده أو العكس البنت تكون كما كانت الأم والسبب تراكمات منذ الطفولة تؤدى إلى فشل فى الزواج.
ريشة: ياسمين مأمون
هنا ينطق الأبناء ويصرخون: «أرجوكم انفصلوا.. اتطلقوا وارحمونا». أم عندها 47 سنة ابنتها طلبت منها الطلاق من أبيها لأنه لا يحترمها ويخونها. بناته هن من اكتشفن خيانته بأعينهن.. وطوال السنوات كانت الأم تتغاضى لتكمل الحياة من أجلهن، ولكن بعد اكتشافهن حقيقة والدهن وبعد طلبهن من والدتهن الانفصال عنه لأنهن يرين ما يصيب أمهن من أذى نفسى شديد.. أصبح لا مفر من الطلاق. وهذا طفل ذو العشر سنوات ذهب لأمه يترجاها أن تترك البيت ويذهبا لجده لأنه يخاف من والده لأنه عصبى وشديد الغضب، ووصل الأمر إلى أن يراه وهو يهين أمه ويضربها ويراها تبكى طوال الوقت! أمى مفترية! أما هذه الفتاة العشرينية التى صارحت والدها بأنه يجب أن يترك والدتها ويبحث عن امرأة تحبه وتعامله باحترام وبدأت حديثها بسؤاله: «حضرتك إزاى مستحمل الطريقة دى؟!» وأخبرته أنها تحرج وسط أقرانها عندما يرون معاملة والدتها له: مستحملها ليه! «م. ن» قالت ابنى ذو الثلاثة عشر سألنى:.. احنا ليه مش بنمشى يا ماما؟ أنت ليه مستحملة الراجل ده «أبوه»؟ وقتها لم أكن أفكر فى الطلاق من أجله هو وأخته، ولكن حديثه جعلنى أتأكد أن الحل الأمثل لهم أن أتطلق من والدهم وفى أسرع وقت. ابنتى كانت فى العاشرة وكان عندها تبول لا إرادى وابنى أصبح عصبيًا ومهزوزًا، وبالفعل خلعته وأنقذت أولادى بعد طلبهما. تقول الدكتورة نادية رضوان أستاذ علم الاجتماع : «عندما تصبح الحياة لا تطاق، يصل الأبناء لنوع من اتساع الأفق.. والطلاق حل يختارونه لشعورهم أنه سينقذهم من الجحيم، لكن لدى الكبار، كثيرًا ما يكون الطلاق حلاً مرفوضًا بالنسبة لهم ولأسباب مختلفة ربما خوفًا على الأطفال وأحيانًا لأسباب مادية، وفى بعض الأحيان يكون خوفًا من التقاليد.. لكن لو لاحظنا فى الدول المتقدمة يكون الطلاق سلسًا وفى غاية الاحترام دون أن يحاول طرف إيذاء الطرف الآخر. تكمل: المفروض أن تكون الحياة أبسط من ذلك.. المشكلة أننا لا نفهم علاقتنا بالآخر! دخلنا فى علاقة بالاتفاق يجب أن تغلق وتنتهى بالاتفاق. والابن عندما يطلب الطلاق.. فهذا معناه أنه يمر بمعاناة كبيرة ويكون فى جانب طرف من الأطراف لأنه يراه يموت بالبطىء إذ يتجرأ ويقول: كفاية.. اتطلقوا، وهذا فى رأيى صحى جدًا». أما الدكتور عمرو سليمان استشارى الصحة النفسية.. فيقول: عندما يعبر الأبناء عن رغبتهم فى انفصال آبائهم.. يكون هذا بسبب الآباء.. سواء إدارة الأب والأم لخلافاتهما تصل إلى أن تجعل البيت قطعة من الجحيم.. وهو البيت الذى من المفترض أن يكون عشًا هادئًا وتتوافر فيه بيئة صحية لتربية جيل جديد.. بدلاً من الشجار ليل نهار»! يكمل: هذا يجعل الحياة مسممة، وينشأ جيل.. معقد من الارتباط والزواج يمسى خطوة مخيفة نظرًا للخبرات التى عاشوها مع أهلهم، أما بالنسبة للأبناء الناضجين الذين يطلبون انفصال أهلهم فهم يريدون إنقاذ أحدهم من باب الرأفة والرحمة.