كل يوم يدق الرحيل فى الوتد.. برحيل الأستاذ مفيد فوزى تفقد صباح الخير ابنًا من أبناء الرعيل الأول، أحد حراس تاريخها الطويل والعريق. وبمناسبة التاريخ بالتأكيد لا أنسى مشاهد ولقطات فى حياتى الصحفية خلال رئاسته لصباح الخير سواء افتراضيًا عبر الشاشة أو مباشرة بعدما التحقت بالمجلة. كنت أبحث عن خريطة طريق للدخول إلى بلاط صاحبة الجلالة وأنا خريجة حديثة سنة1993. كنت شغوفة بمدرسة صباح الخير الصحفية وأعرف كل كتّابها ومحرريها ليس فقط من قراءة مقالاتهم وتحقيقاتهم بالمجلة، ولكن من تقديم الأستاذ مفيد فوزى لهم، فقد كان يُجيد تقديم زملائه وتلاميذه بشكل مُحترم وجذاب فى حلقة برنامج (الصحافة تقول) على القناة الثالثة فى الساعة الثامنة مساء الاثنين من كل أسبوع، فكان برنامجى المفضل. أنتظر كل أسبوع العرض الذى سيقدمه، فكان يعرض التحقيق أو المقال أو حتى باب «اكتم السر» الإخبارى بأدائه المختلف الذى يجيد تسويق وترويج شغل زملائه، فمثلاً لا أنسى عرضه لتحقيق صحفى فى المجلة عن رغيف العيش وما يعانيه الناس من رداءة إنتاجه.. فبدأ الحلقة مباغتًا المذيع محمد حمودة برغيف عيش ليس له ملامح وصغير جدًا وفتحه ليظهر فيه «مسمار حديد» كمان! يا أستاذ حمودة إيه رأيك فى الرغيف ده تقدر تاكله؟ فيرد بإيماءة نافيًا فينظر الأستاذ مفيد للكاميرا يا وزير التموين هل سفرتك عليها مثل هذا الرغيف الذى يأكله المصريون؟! هل قررت الدولة محاربة الأنيميا لدى المصريين بإضافة الحديد للعيش؟ بس خلاص أظن الرسالة وصلت! اقرأوا تحقيق زميلتى فلانة عن رغيف عيش المصريين فى صباح الخير. كلمات وعبارات موجزة وناجزة تثير التشويق لقراءة المجلة. حلمت وسرح خيالى.. هل ممكن أكون فى يوم من الأيام من صحفيى صباح الخير والأستاذ مفيد فوزى يتكلم عن شغلى! ووجدت ضالتى ودخلت المجلة ومعى تحقيقى الأول (طبيب بالابتدائية القديمة) وسمعت أن المتدربين ممكن تطول فترة تدريبهم حتى ينشر لهم شغل تحليت بالصبر واجتهدت فى الأبواب الإخبارية مع الأستاذ محمد عبدالنور سكرتير التحرير وقتها وبابه «اكتم السر» ومع الأستاذ محمد هيبة رئيس قسم الرياضة فى باب «حكايات الملاعب» إلى حين يقضى الله فى أمرى بنشر تحقيقى أو تكليفى بتحقيق آخر ولم يمض سوى أسبوعين ووجدت التحقيق منشورًا بنفس عنوانى فى المجلة! مفاجأة العمربالنسبة لى. انتظرت حلقته فى (الصحافة تقول) كما لم أنتظره من قبل.. هل يفعلها ويحقق الحلم ويعرض شغلى مثل الآخرين؟! لاااا غير معقول فأنا محررة مبتدئة لم يرها حتى وشغلى كله مع رؤساء الأقسام. فإذا بى أصرخ فجأة أمام التليفزيون وصورة تحقيقى واسمى على الشاشة حالة فرحة هيستيرية، لقد فعلها (من الفرحة لم أسمع ما قاله)، لكن وجدته فى النهاية يوجه صرخة ضحايا مدعى الطب لنقابة الأطباء ووزارة الصحة. وتأكدت وقتها أنه مهنى ويقدر الشغل المبذول فيه جهد. كنا نشعر برهبة من مجرد وجوده فى المجلة وإذا بالأستاذ هيبة يطلبنى حضرى نفسك عندك اجتماع بكرة مع رئيس التحرير! أول لقاء مباشر معه (سترك يارب) كنا جميعًا فى حالة رهبة أنا وزملائى جميل كراس وجورج أنسى وبدأ الاجتماع بملاحظاته على الأداء والأفكار المطروحة من القسم كله. وبدأ يفتح لنا الأفكار (أنا عايز أشوف اللاعيبة فى بيوتهم مش بس فى الملعب)، عايز «أنسنة» لموضوعات الرياضة مش بس مين كسب ومين خسر.. عايز أعرف كل تفاصيل حياتهم مع أولادهم وزوجاتهم ولمحات من علاقاتهم الإنسانية فى الشارع والعمارة و.. وعلى طريقة (أنت اللى هاتغنى يا منعم) كلفنى به وبالفعل أخذتها كعب داير على بيوت نجوم مصر من الخطيب لشوبير لمجدى عبدالغنى وغيرهم حوالى 13 زوجة نجم من الأهلى والزمالك حاورتهن. والحقيقة أنه كان مبدعًا فى أفكاره سابقًا لعصره.. فمثلاً فى عدد رأس السنة قرر الإقلاع عن موضوعات ما يسمى بالحصاد تلك الفكرة الروتينية المستهلكة. وقال: اتجننوا واعملوا عدد مجنون عايز الناس تتخيل نفسها عام 2000 كيف سيكون شكل العالم والحياة فى كل المجالات، وبالفعل تم التنفيذ وكان متفردًا وسط كل الإصدارات وقتها وخرجت منه أفكار سباقة تحققت فعلاً بعدها مثل التليفون المحمول وكرة القدم النسائية وحكم نسائى وانتقال اللاعيبة من الأهلى للزمالك وهكذا.. أعطى فرصة للتوقعات والأحلام والخيالات التى تحقق الكثير منها على ما وصلنا لعام2000, وكان آخر عدد له كرئيس تحرير. حيث صدر قرار بالتغيير لرؤساء التحرير فى نهاية نفس الشهر ديسمبر 93 ليترك مكانه لزميله وصديقه الأستاذ الكبير رءوف توفيق لنشهد معهما أول حفل تسليم وتسلم راقٍ وسلس فى حفل أقيم فى المريديان وقتها أول مرة فى الصحافة المصرية يتم الاحتفال برئيس تحرير سابق ورئيس تحرير قادم وبالمناسبة كان المسئول عن تنظيم هذا الحفل هو الإعلامى الكبير محمود سعد. لينطلق الأستاذ مفيد فى عالم الصحافة المرئية ليضع بصمة جديدة فى الإعلام ويصك مصطلحًا جديدًا وهو الصحافة المتلفزة ويسبق عصره فى برنامج «حديث المدينة» واضعًا اللبنة الأولى لما سمى بعد ذلك ببرامج (التوك شو).. ليعلمنا درسًا آخر وهو أن الحياة محطات لا تركن فى أى منها، بل عليك الانطلاق بينها فى كل مرة بروح جديدة وذهن متقد.