«بحضور المحافظ وأساقفة عموم».. تجليس الأنبا مينا كأول أسقف لإيبارشية برج العرب والعامرية (صور)    الإسعاف الإسرائيلي: 22 قتيلًا وأكثر من 400 مصاب منذ بداية الحرب مع إيران    بالمر يقود تشكيل تشيلسي ضد لوس أنجلوس في كأس العالم للأندية 2025    مدحت شلبي عن أزمة ضربة الجزاء: ما حدث لا يليق    الأرصاد تكشف مفاجآت بشأن حالة الطقس فى الصيف: 3 منخفضات جوية تضرب البلاد    تأجيل محاكمة 11 متهما بالانضمام لجماعة إرهابية فى الجيزة ل8 سبتمبر    استوديو «نجيب محفوظ» في ماسبيرو.. تكريم جديد لأيقونة الأدب العربي    «الصحة»: ملتزمون بخدمة المواطن وتعزيز الحوكمة لتحقيق نظام صحي عادل وآمن    «سياحة النواب» توصي بوقف تحصيل رسوم من المنشآت الفندقية والسياحية بالأقصر    نراهن على شعبيتنا.. "مستقبل وطن" يكشف عن استعداداته للانتخابات البرلمانية    "الإسعاف الإسرائيلي": 22 قتيلًا وأكثر من 400 مصاب منذ بداية الحرب مع إيران    بدأت بمشاهدة وانتهت بطعنة.. مصرع شاب في مشاجرة بدار السلام    وزير خارجية إيران: مكالمة من ترامب تنهي الحرب    وزير الثقافة: تدشين منصة رقمية للهيئة لتقديم خدمات منها نشر الكتب إلكترونيا    خبير علاقات دولية: التصعيد بين إيران وإسرائيل خارج التوقعات وكلا الطرفين خاسر    وائل جسار يجهز أغاني جديدة تطرح قريبا    "كوميدي".. أحمد السبكي يكشف تفاصيل فيلم "البوب" ل أحمد العوضي    ما الفرق بين الركن والشرط في الصلاة؟.. دار الإفتاء تُجيب    حالة الطقس غدا الثلاثاء 17-6-2025 في محافظة الفيوم    طبيب يقود قوافل لعلاج الأورام بقرى الشرقية النائية: أمانة بعنقي (صور)    وزير العمل يستقبل المدير التنفيذي للأكاديمية الوطنية للتدريب- صور    العثور على جثة شاب مصاب بطلق ناري في ظروف غامضة بالفيوم    فيفا يشكر كل من شارك في إنجاح مباراة افتتاح كأس العالم للأندية بين الأهلي وإنتر ميامي    لمست الكعبة أثناء الإحرام ويدي تعطرت فما الحكم؟.. عضو بمركز الأزهر تجيب    ما هي علامات عدم قبول فريضة الحج؟.. عضو بمركز الأزهر تجيب    أمين الفتوى يوضح حكم الجمع بين الصلوات في السفر    سي إن إن: إيران تستبعد التفاوض مع واشنطن قبل الرد الكامل على إسرائيل    محافظ الدقهلية يتفقد أعمال إنشاء مجلس مدينة السنبلاوين والممشى الجديد    تقرير يكشف موعد خضوع فيرتز للفحص الطبي قبل الانتقال ل ليفربول    البنك المركزي يطرح سندات خزانة ب16.5 مليار جنيه بسعر فائدة 22.70%    إلهام شاهين توجه الشكر لدولة العراق: شعرنا بأننا بين أهلنا وإخواتنا    البنك التجارى الدولى يحافظ على صعود المؤشر الرئيسى للبورصة بجلسة الاثنين    مفوض الأونروا: يجب ألا ينسى الناس المآسي في غزة مع تحول الاهتمام إلى أماكن أخرى    التضامن تعلن تبنيها نهجا رقميا متكاملا لتقديم الخدمات للمواطنين    افتتاح توسعات جديدة بمدرسة تتا وغمرين الإعدادية بالمنوفية    عضو ب«مركز الأزهر» عن قراءة القرآن من «الموبايل»: لها أجر عظيم    التعليم العالي تعلن حصاد بنك المعرفة المصري للعام المالي 2024/2025    «لترشيد استخدام السيارات».. محافظ قنا يُعّلق على عودته من العمل ب «العجلة» ويدعو للتعميم    وفود دولية رفيعة المستوى تتفقد منظومة التأمين الصحي الشامل بمدن القناة    بعد عيد الأضحى‬.. كيف تحمي نفسك من آلالام النقرس؟    إيراد فيلم ريستارت فى 16 يوم يتخطى إيراد "البدلة" في 6 شهور    العربية: إيران تعتقل عشرات الجواسيس المرتبطين بإسرائيل    تخفيف عقوبة 5 سيدات وعاطل متهمين بإنهاء حياة ربة منزل في المنيا    النائب حازم الجندي: مبادرة «مصر معاكم» تؤكد تقدير الدولة لأبنائها الشهداء    تصنيف الاسكواش.. نوران جوهر ومصطفى عسل يواصلان الصدارة عالمياً    توقيع عقد ترخيص شركة «رحلة رايدز لتنظيم خدمات النقل البري»    بريطانيا تشهد تعيينًا تاريخيًا في MI6.. بليز مترويلي أول امرأة تقود جهاز الاستخبارات الخارجية    محمد عمر ل في الجول: اعتذار علاء عبد العال.. ومرشحان لتولي تدريب الاتحاد السكندري    القبض على 3 متهمين بسرقة كابلات من شركة بكرداسة    بدء تسليم دفعة جديدة من وحدات مشروع جنة بالمنصورة الجديدة.. 6 يوليو    الجالية المصرية فى لندن تحتفل بعيد الأضحى    لا تطرف مناخي.. خبير بيئي يطمئن المصريين بشأن طقس الصيف    محافظ أسوان: 14 ألف حالة من المترددين على الخدمات الطبية بوحدة صحة العوضلاب    الينك الأهلي: لا نمانع رحيل أسامة فيصل للعرض الأعلى    أسعار الفراخ اليوم.. متصدقش البياع واعرف الأسعار الحقيقية    إصابة 3 أشخاص بطلقات بندقية فى مشاجرة بعزبة النهضة بكيما أسوان    3 أيام متواصلة.. موعد إجازة رأس السنة الهجرية للموظفين والبنوك والمدارس (تفاصيل)    الشرطة الإيرانية: اعتقال عميلين تابعين للموساد جنوب طهران    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



فى عيد ميلاد الأستاذ.. لويس جريس يتذكر: أيامى فى «صباح الخير».. هى العمر كله!
نشر في صباح الخير يوم 28 - 07 - 2015


ميلادك.. جرس إنذار..
عيد ميلادك ليس إلا جرس إنذار، يدق ليقول لك «انتبه كم فات من عمرك فى العبث وكم سيأتى»..
فى يوم 27/ 7 منذ سنوات تهللت أسارير السماء بهجة وغردت الطيور فرحة لميلاد الكاتب الصحفى الكبير والناقد «لويس جريس» بقرية أبوتيج - محافظة أسيوط.
حصل «جريس» على بكالوريوس الصحافة والأدب من الجامعة الأمريكية، ودبلوم الدراسات العليا من جامعة ميتشجان 1958، وعمل صحفيا بمجلة صباح الخير منذ عام 1961، ثم مدير تحرير للمجلة ورئيس تحرير لها عام 1968، وكان مراسلاً بمجلة روزاليوسف وصباح الخير من 1971 حتى 1972، والعضو المنتدب لروزاليوسف من 1972 إلى 1980، وعاد ليتولى رئاسة مجلة «صباح الخير» ثانية من عام 1982 إلى 1989، وكان عضو المجلس الأعلى للصحافة، وعضو لجنة القراءة بالمسرح، وعضو لجنة الرقابة العليا على المصنفات الأدبية.
ليس كل هذا فقط، إنما هو «مكتشف النجوم» هكذا يطلقون عليه حيث اكتشف العديد من النجوم أمثال عبدالرحمن الأبنودى، وأمل دنقل، وعبدالرحيم منصور، وغيرهم الكثير وهو صاحب فكرة أن الصحافة هى التى يجب عليها أن تتحرك لتكتشف المواهب الشابة وتشجعها وليس العكس، وهكذا عندما دلف إلى محافظات الصعيد وأتى منها بكنز من الفنون كتب عنه فى مجلة صباح الخير بعنوان «المعذبون بالفن».
منذ طفولتى وأنا أسمع اسم «لويس جريس» يتردد كثيراً فى منزلنا من والدى الشاعر حمدى منصور وعماتى، وكنت أحلم باليوم الذى يأتى وأرى فيه «جريس»، أتحدث معه وأشم به رائحة أعز وأغلى الناس وأسمع منه فهو حتماً يمتلك حكايات فريدة لا يعرفها أحد سواه، وبالفعل منذ شهور عرفت عنوانه وذهبت له فى الحال، كدت أطير من الفرحة والسرور وأنا ذاهبة إليه وعندما وصلت أخبرته بأننى «مى منصور»، تهلل واحتضننى وكأنه يعرفنى وأعرفه منذ سنوات عديدة لا أحصيها لكثرتها، ولا أخفى عليكم سراً فأنا أيضا شعرت بألفة غريبة تجمعنا.
تركته يدير الحديث وكنت أقصد ذلك وأعى ما أفعل جيداً، حيث فضلت أن يسرد ما يرغب من ذكريات تختلج داخله دون أن أفرض عليه مسارًا معينًا أو أذكره بواقعة تجعله يشرد عما يود هو أن يقول.
• بداية الحدوتة
سألنى بعدما عرف أنى أعمل بالصحافة وأنى زميلته كما قال هو بمجلة «صباح الخير»، «هو أنتى خريجة كلية إيه؟».
أجبت بفخر يمتزج بإحباط أنى حاصلة على بكالوريوس العلوم قسم الجيولوجيا ولكنى أعمل بالصحافة وتابعت كلامى أنى أعشق الصحافة كثيراً، ولكنى مثل غيرى درست العلوم أملاً فى أن أكون مهندسة جيولوجية.
ابتسم «جريس» ابتسامته المعهودة، التى تحمل الخبرة والبراءة معاً مع قليل من المفاجأة، وقلما تجد تلك الابتسامة على وجه غير «لويس جريس» فهى عشقته واحتكرته لها وكذلك هو، وقال لى: هل تعلمين أننى كنت أحد طلبة كلية العلوم جامعة الإسكندرية، ولكنى لم أكمل رغم تفوقى بها، ففى السنة الثانية أنشأنا مجلة خاصة بالكلية وكنت أنشر بها باستمرار وانتابنى الفخر الشديد عندما كنت أرى اسمى بالمجلة، وأصبحت شخصًا مشهورًا بالجامعة نظراً لمشاركتى الصحفية، وفى يوم دراسى مثله مثل أى يوم دراسى عادى بالجامعة ذهبت لرئيس القسم وسألته بخصوص رغبتى فى دراسة الصحافة، فقال لى إنه لا يوجد سوى الجامعة الأمريكية بالقاهرة وفى التو سحبت أوراقى من كلية العلوم جامعة الإسكندرية إلى الجامعة الأمريكية بالقاهرة لدراسة الصحافة دون علم أهلى الذين كانوا يعيشون بمحافظة أسيوط، وأخبرتهم فيما بعد أنى انتقلت إلى الجامعة الأمريكية لتقوية اللغة الإنجليزية ولكنى سأدرس العلوم كما كنت بكليتى السابقة تماماً.
ولم يعلموا أنى درست الصحافة إلا بحفل تخرجى ولكن فرحتهم بى جعلتهم يغفرون لى ما فعلت حيث كنت من الطلبة الأوائل على دفعتى.
شرد قليلاً كأنما كان يتأمل لحظة تخرجه واحتفاء عائلته البسيطة التى كانت تعيش بصعيد مصر، حيث الجنوب بشمسه المحرقة وطيبة أهله ووشوشه المألوفة التى لا تشعرك بالغربة والحنين.
لم أرد أن آخذه من تلك اللحظة تركته يسترجعها كاملة، فاستطرد قائلاً «إن محمود السعدنى وأحمد ثابت طوغان، هما أول من قابلهما بالصحافة المصرية ولهما الفضل الأكبر عليه فى اندماجه ومعرفته بالوسط الصحفى، فقد سبقاه بالعمل فى عدد من المجلات والصحف، ولكن فى عام 1955 وكان يعمل بدار الهلال وقتها اعتاد أن ينزل فى الفترة ما بين الساعة 2:30 وحتى 5:00 مساءً لتناول وجبة الغداء سواء بالسيدة زينب القريبة من دار الهلال أو سليمان باشا «طلعت حرب حالياً» وهناك كان يوجد مقهى شهير جداً بدأ عام 1908 وهو مقهى «ريش» وكان مشهورًا بجلوس عدد كبير من الفنانين المعروفين والكتاب المرموقين، كانت الوجبة به لا تتجاوز 12 قرشاً وكان يستمتع الفرد بطبق من الخضروات وقطعتين من اللحمة وأيضاً طبق أرز والحلوى كل هذا بهذا المبلغ البسيط، وكان مرتبه وقتها 25 جنيهاً، وفى يوم من الأيام قابل هناك حسن فؤاد، وكان أستاذ جيل بأكمله، فما من أحد دخل الصحافة فى منتصف الخمسينيات إلا وكان «فؤاد» هو من دعمه ودرسه على يده وقدمه للناس، وكان فناناً تشكيلياً وله مقال ثابت فى «روزاليوسف» بعنوان «الفن للحياة»، وفى يوم من الأيام نزل «جريس» من دار الهلال كالعادة فى تمام الساعة: 2.30 مساءً لتناول وجبة الغداء وماراً بمقهى «على بابا» وكان مشهورًا بجلوس نجيب محفوظ، حيث كان من طابقين وكان يفضل «محفوظ» الجلوس بالطابق العلوى لقراءة الصحف والجرائد اليومية مع كوب القهوة المفضل لديه، والشرود قليلاً مع خيالاته وهو ينفث دخان سجائره بكل ولع وشبق، ووجد أيضاً حسن فؤاد وإلى جواره الفنان التشكيلى جمال كامل، وكانوا يعملون جميعاً بمجلة روزاليوسف.
طرق قليلاً «جريس» فسارعت بسؤاله ربما لإحساسى أنها كانت المحطة الأهم فى حياته بعد تلك الجلسة:
• وماذا بعد؟
أجاب «جريس»: سألنى حسن فؤاد عن مكان عملى فأخبرته أنى أعمل فى دار الهلال وقال لى بنوع من المرح إنها تدعى «دار الهلاك» وليست «دار الهلال» وضحكنا جميعاً حيث قال إن «اللى يدخل ميطلعلوش لا حس ولا خبر» فقولت له «طب ما تنقذنى يا أستاذ» فقال لى: «أيوا كدا برافو عليك، طيب احنا بنطلع مجلة جديدة اسمها «صباح الخير» وعايزينك معانا تجيلى ونشوف هنعمل إيه.
كان يومها يوافق الثلاثاء وقال لى سأنتظرك صباح الخميس ومعك ذكيبة أفكار، وبالفعل ذهبت له الخميس بذكيبة الأفكار وكان من يترك عمله بدار الهلال يخصم منه ثلاثة أيام مقابل يوم واحد غياب، لم أعبأ بهذا الخصم لأنى سأذهب لأقابل حسن فؤاد، وعندما وصلت قالى لى «جيت فى وقتك يا لويس.. احنا زى ما قولتلك بنعمل مجلة جديدة اسمها «صباح الخير» هتطلع يوم 12 يناير 1956واحنا دلوقتى فى نوفمبر وأنا عايزك بانتظام كل أسبوع تجيبلى موضوع وشوية أخبار وتيجى المجلة»، وبالفعل كنت أذهب له كل أسبوع وأحمل ما جمعت من أخبار وما كتبت من موضوعات وأذهب المجلة.
وفى يوم ما عرفنى حسن فؤاد بأحمد بهاء الدين «رئيس التحرير» ولا تزال المجلة لم تصدر بعد، وبدلاً من أننى كنت آتى بالأخبار والموضوعات لحسن بدأت أسلمها لأحمد بهاء الدين، وفى يوم من الأيام قرأت موضوعًا بمجلة لايف الأمريكية كتبه صحفى أمريكى بعنوان «10 سنوات بعد هيروشيما»، حيث سافر هذا الصحفى إلى هيروشيما وناجازاكى وكتب عنهما بعد مرور 10 سنوات على أول قنبلة ذرية وقعت على هذين البلدين وكان موضوعًا فى غاية الأهمية والجمال، سهرت طوال الليل لأترجمه وذهبت به فى الصباح الباكر لمكتب رئيس التحرير أحمد بهاء الدين، فنظر فى الموضوع لحظات ثم سألنى «أنت اللى ترجمته» فقلت له «أيوه يا أستاذ أنا»، قال لى «انت اسمك إيه» قلت له «لويس جريس»، قال لى «أنت بتاخد كام فى دار الهلال؟»، قولت له «25 جنيه»، قال لى «يااااه الست مش هترضى» فأسرعت بالسؤال «مين هى اللى مش هترضى ومش هترضى بإيه يا أستاذ» قال لى «فاطمة اليوسف.. أصل أكبر مرتب بتدفعه هو 15 جنيه» قلت له «موافق»، فنظر إليّ بدهشة شديدة جداً وقال لى «هتسيب 25 جنيه عشان تيجى تشتغل هنا ب15 جنيه بس» قلت له «أيوه عشان أبقى معاك يا أستاذ».
وذهبت يومها، وإذا بأحمد بهاء الدين يهاتفنى يوم 15 فبراير 1956 ويطلب منى أن أحضر صباح الخير فوراً، وبالفعل ذهبت فوجدت فاطمة اليوسف وإلى جوارها إحسان عبدالقدوس وأحمد بهاء الدين، وجميعهم أبلغونى أن فاطمة اليوسف وافقت على تعيينى بالمجلة وكانت قد صدرت من شهر ويومين تقريباً، سعدت كثيراً بهذا الخبر ولم أصدق أنى سأعمل مع إحسان عبدالقدوس وصلاح جاهين وصلاح عبدالصبور ونخبة من صفوة أدباء مصر وحسن فؤاد وجمال كامل وبالطبع رئيس التحرير أحمد بهاء الدين، ومن يومها أصبحت واحداً من أبناء «صباح الخير» التى ولدت على يديهم هذه المجلة.
• جريس وحب العمر
ظل لويس جريس يكتم حبه للفنانة الصاعدة سناء جميل خشية ما قد يتسبب من مشكلات نتيجة كونه مسيحيًا، وكونها مسلمة. فقد كانت مصر وقتها تعيش زمنًا جميلا، لا يكاد يعرف أحد دين الآخر، وإن مر على معرفتهما زمن، ولولا وضوح انتماء اسم لويس جريس إلى الدين المسيحى لظنت سناء أيضًا أنه مسلم. وتنفجر فى يوم عبارة أسى لم يستطع قلب لويس كتمانها أكثر من ذلك ليعاتب القدر أمام سناء قائلا: لو مكنتيش بس انتى مسلمة وأنا مسيحى كنت طلبتك للجواز، وتبتسم سناء برقتها المعهودة قائلة: أنا مسيحية يا لويس وموافقة. فيهرع لويس إلى القس ليتمم زواجهما فى الحال، لكن القس يرفض لعدم وجود مدعوين، ويقوم لويس بتأجير 7 سيارات تاكسى ليملأها بزملاء المجلة الذين كانوا كلهم تقريبًا مسلمين، ويتوجه بهم إلى الكنيسة ليبدأ منذ يومها زيجة تجاوز عمرها 40 عامًا حتى رحيل الجميلة سناء بعد معاناة مع مرض سرطان الرئة.
تزوج جريس من سناء ولم يستجب إلى نصائح مصطفى أمين وغيره من أساتذته وزملائه المتكررة بالتوقف عن محبة النجمة الصاعدة سناء جميل، التى ستتسبب شهرتها لا محالة فى وضعه - كصحفى مغمور وقتها- فى حرج شديد. كما ستظل شهرتها طاغية على أى شهرة أو مجد مهنى يحققه طالما ظل اسمه مقرونًا باسمها. وظل لويس فى صمت واجتهاد شديدين يبنى اسمه اللامع كأحد أفضل أبناء جيل الستينيات بين الكتاب الصحفيين والنقاد العرب، متعه الله بطول العمر ودوام العافية والعطاء الإبداعى والإنسانى.
تفادى العظيم لويس جريس كل النصائح المحملة بطاقة سلبية ضد العلاقة، وبحث عن أخرى تحافظ على حبهما وتدعم جذور ارتباطهما، وقام بدأب ومحبة بتنفيذ نصائح الأساتذة الكبار ذكى طليمات، وألفريد فرج، ولويس عوض حول كيفية التعامل مع موهبة متفردة مثل موهبة سناء جميل، وعدم الوقوف بينها وبين فنها، بل طرق مساعدتها والمساهمة فى اختمار موهبتها وزيادة ثقافتها. كما خلع عباءة الرجل الصعيدى المتحكمة غيرته فى معاملته لزوجته، وظل على عهد محبته والتزامه بما يتطلبه الزواج من فنانة. وكان ذلك بدرجة أثارت غيرة كثير من المحيطين ليقذفه أحد السخفاء عقب أداء سناء جميل لدورها العظيم فى فيلم «فجر يوم جديد» - الذى تضمن لقطة لها فى الفراش مع شاب يصغرها بأكثر من 20 سنة- قائلا له: أنت مبتغيرش يا لويس لما مراتك تبقى عاملة دور فى السرير مع راجل تانى؟ ليجيب الأستاذ الكبير عنه بكل ثقة واعتداد: خليك فى حالك.
ويظل لويس المحب يخطو طريقه المهنى بثبات ونجاح فى صمت، منكرًا ذاته ومتطلباته النفسية، والاجتماعية كى لا يطغى أى مؤثر على تركيز سناء جميل فى فنها. حيث يعلم كل المتابعين لمسار زيجات الوسط الفنى أن أول صورة فوتوغرافية جمعتهما وهما متزوجان كانت سنة 1975 أى بعد مرور حوالى 15 عامًا على زواجهما. كما استسلم لويس إلى طلب سناء بعدم إنجاب أطفال كى لا تشغلها التزاماتها كأم عن فنها، وهو ما ندمت عليه سناء ندمًا شديدًا بعد فوات الأوان، وبدلا من أن يعاتبها لويس على ذلك كان يشد من أزرها، ويؤكد أن لديهم من رصيدها الفنى ما يزيد قيمته على غلاوة الأبناء.
تجاوز لويس جريس بقلب المحب أى منغصات على قصة الحب التى أراد لها الاثنان الخلود فكان لهما ما أرادا، فقد وصل تفهم لويس إلى سناء حد متابعة عملها ومعايشتها فيه، فذات يوم كانا فى الإسكندرية وفوجئ لويس بزوجته دمثة الخلق ذات التعليم الفرنسى تتصرف بعدائية شديدة، وتتعامل بلغة حادة لم يعهدها طوال فترة ارتباطهما الطويلة معًا، لكنه آثر ألا يبدى أى رد فعل تجاه ذلك كى لا يخرجها من معايشة أحد أجمل أدوارها أثناء تصوير مسلسل «الراية البيضا»، فتحمل لويس من المعلمة «فضة المعداوى» فى الحقيقة ما لم يستطع جميل راتب تحمله منها أمام الكاميرا.
• ماذا تقول لسناء جميل بعد كل هذا الرحيل؟
- لم ترحل، مازالت تعيش داخلى وأعيش بها، رفيقة دربى وصاحبة أجمل أيام العمر والذكرى.
• المسيحى.. المسلم الهوية
تعجبت كثيراً عندما عزمنى «جريس» على الإفطار معه بشهر رمضان ووصلت قرب آذان المغرب بلحظات فوجدته صائماً، وسألته كيف له فعل هذا فالصيام متعب جداً مع حر الصيف وعنائه، ولكنه أخبرنى أنه فى صيف شديد القسوة، داخل قريته بأقاصى الصعيد، حيث مدرسة السلطان الفرغل الابتدائية بمركز أبوتيج، أنهى الصغير يومه الدراسى، وهو يتضور جوعاً، جف ريقه من فرط العطش طوال اليوم، كل زملائه يعانون نفس الظروف منذ بداية شهر الصوم، عاد الصغير يبكى، شاكياً لأمه، يتوسل إليها أن تمده برشفة مياه، أو كسرة خبز، فتنهره الأم بقسوة، وتقول: «عيب يا لويس احنا فى رمضان».
الأم «إستير عطا الله السندى» تحرص على تأخير موعد الغداء ليناسب موعد إفطار المسلمين، هكذا دأبت واعتاد معها كل أفراد الأسرة، وبينهم «لويس جريس» الطفل الذى نشأ فى عائلة مسيحية لديها طقوس خاصة فى رمضان، أضافت إليها أهم سماته، وهى الصيام، بحسب الكاتب لويس جريس: «كان فى بيتنا أم طيبة من كثرة أخلاقها لا ترضى علينا كأبناء أن نأكل أو نشرب أمام زملائنا المسلمين أو الجيران حتى لا نشعرهم بقسوة الصيام وقت النهار، أنا وأشقائى الخمسة نصوم صوماً كاملاً عن الطعام والشراب».
«جريس» فرض على نفسه الصيام حتى تجاوز سن السبعين، لا يشرب، ولا يأكل، حتى آذان المغرب، حتى إن منعته ظروفه الصحية وخالف تعليمات الطبيب، يبتهل ويتجه إلى الله بقلب سليم كأى مسلم «كل ما يأتى وقت الفطار مع المسلمين، أدعى لأمى وعينيا تمتلئ بالدموع». الاعتراف الذى يفصح به «لويس» للمرة الأولى، كان يخشى أن يعلن عنه حتى وقت أن واجهته مواقف شديدة الإحراج أتذكر موقفاً حدث معى كنت معزوماً على شرف الملك سلمان عاهل السعودية فى رمضان أحد الأعوام الماضية، ورفضت تناول طعامى على مائدة الأجانب وقت الظهيرة، لأنى لو جلست معهم فسينكشف أمرى أنى صائم، وحرصت على استكمال اليوم. عمرى ما نسيت إنى مسيحى بس أعترف أنى مسلم الهوية صايم كأى مسلم، وأحب المسلمين ولا أشعر بفارق، محتفظ بعادات أمى وعائلتى، التى أجبرت عليها فى البداية.
• اسم وكلمة
ماذا تقول لكل من...
• رئيس تحرير مجلة «صباح الخير» جمال بخيت:
جمال بخيت استمعت إلى شعره فقررت تعيينه فوراً وكان أول شاعر يعين بمجلة صباح الخير.
• رشاد كامل:
الأعداد المميزة فى «صباح الخير» التى كانت بأكملها عن رواد الفن والشعر أمثال عبدالرحمن الشرقاوى وجمال كامل وحسن فؤاد كنت أنت الشريك المخلص فى إخراجها بمساعدة رئيس التحرير.
• محمد هيبة:
لن أنسى أبداً محمد هيبة والفتيات من حوله فقد كان ولا يزال الفارس الذى ترتاح إلى حمايته فتيات صباح الخير.
• مفيد فوزي:
مازلت تبهرنى بملاحظاتك وقفشاتك واهتماماتك.
• منير مطاروع:
هل مازلت تسلم موضوعاتك فى آخر لحظة.
• عزت الشامى:
يسعدنى دائما أن أستمع إليك وخاصة عندما كنت تستحثنى على استكمال الجملة التى كنت أرددها لكى أتيح لنفسى فرصة للتفكير وهى «لا إله إلا الله»، مازلت أتذكرك وأنصت إلى صوتك وأنت تقول «كمل يا أستاذ لويس.. كمل يا أستاذ لويس.. وتضحك».
• رءوف توفيق:
مازلت أتذكر انفرادك بكتابة الموضوع الأول فى صباح الخير.
• نادية خليفة:
هل تذكرين انتقالك من السلك الإدارى إلى السلك الصحفى وكان هذا سبباً فى حصولك على ليسانس الحقوق.
• كاميليا عتريس:
كلما تذكرتك تذكرت كلمات أغنية الأبنودى «يا بيوت السويس يا بيوت مدينتى.. استشهد تحتك وتعيشى انتى».
• محمد بغدادي:
كنت أحد فرسان التنسيق الصحفى فى جميع الأعداد المميزة لمجلة صباح الخير وكم أعجبت الذين اقتنوها قائلين «هذا عدد يستحق أن يوضع بالمكتبة».
• فوزية مهران:
عائلة مهران من العائلات العريقة فى مدينة أبو تيج بأسيوط بلدتى حيث ولدت وتربيت هناك، وكلما ذكر اسمك تذكرت بلدتى.
• سعاد زهير:
صاحبة أشهر رواية نشرتها روزاليوسف بعنوان «المرأة المسترجلة» ودائما اسمك يذكرنى بروايتك.
• وأخيراً ماذا تقول للسيدة الفريدة «فاطمة اليوسف»؟
- عرفتك خلال فترة قصيرة ولا أنسى اليوم الذى استأذنت فيه للسفر إلى أمريكا لعمل دراسات فى الصحافة والسياسة حيث قلت لى «اسمع يابنى.. الصحافة الجيدة موهبة ليست بالشهادات إما أن تكون عندك أو لا تكون»، كم كان هذا صحيحاً وحتى اليوم تتردد داخلى تلك الجملة.
• أى العناوين أو الأسماء تسرع لقراءتها عندما تمسك بصباح الخير كل ثلاثاء؟
- ليس شخصًا بعينه أو عنوانًا وإنما أقلبها كاملة وما يجذب انتباهى أقرأه ولكنى فى النهاية أقرأ المجلة بالكامل ما يعجبنى وما لا يعجبنى أيضاً وأتوقف عند بعض العناوين التى تهمنى وأقرأ سماعى لمفيد فوزى كلمة كلمة وأسعد بملاحظاته وقفشاته وأيضاً أقرأ لرءوف توفيق، ويمتعنى دائماً رشدى أبوالحسن.
• ماذا تفتقد صباح الخير هذه الأيام؟
- تفتقد روح الشباب، يجب الإكثار من كتابات الشباب والإقلال من كتابات الكبار أتمنى أن تظل روحها شابة وكتاباتها متحررة حتى تنطبق على الشعار الأساسى لمجلة صباح الخير.
• من تفتقد من كتاب صباح الخير؟
- أفتقد كثيراً أحمد بهاء الدين وفتحى غانم، ورسومات حجازى.
• ماذا تفعل هذه الأيام؟
- أحملق بالسقف وأتذكر أيامى التى طوتها الحياة، وأعكف على كتابة رواية بعنوان «لويس جريس يتذكر» من ثلاثة أجزاء تحكى عن قصة حياتى.
• وهل أنت راضٍ عما قدمت من أعمال وإنجازات؟
- كل الرضا وإن كان هناك تقصير فالعيب فى همتى واهتمامى فقط لا غير.
• نصيحة تقدمها للشباب بالمجلة؟
- أتمنى أن يعودوا لتصفح المجلدات القديمة حتى لا يقعوا فى تكرار ما سبق تقديمه.
• برقية
- برقيتى للكاتب الصحفى الكبير والناقد «لويس جريس» فى يوم ميلاده:
«عزيزى لويس.. شكراً لما منحتنى من حياة.. وشكراً للقدر الذى منحنى إياك».•


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.